شرح أحاديث عمدة
الأحكام
الحديث العاشر : في استحباب التيمّن في
الوضوء
عبد الرحمن بن عبد الله
السحيم
الحديث العاشر :
عن عائشة رضي الله عنها قالت :
كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعجبه
التيمن في تنعله ، وترجّـله ، وطُـهوره ، وفي شأنه كلِّـه
.
فيه مسائل :
=
هذا لفظ البخاري
ولفظ مسلم :
إنْ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
ليحب التيمن في طهوره إذا تطهر ، وفي
ترجله إذا ترجّـل ، وفي انتعاله إذا انتعل
.
وفي آخر لفظ لمسلم :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب
التيمن في شأنه كله . في نعليه ، وترجله ، وطُـهوره .
=
لماذا أورد المصنف – رحمه الله – هذا الحديث في كتاب الطهارة ؟
ليُدلل على أن استحباب البدء باليمين في الوضوء ، وأُخِـذ هذا من لفظ "
طُهوره "
فإذا توضأ المسلم فالسنة أن يبدأ بيده اليُمنى قبل اليسرى ، ويبدأ بالقدم
اليمنى قبل اليسرى .
ويدلّ على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن يُغسلن ابنته زينب رضي
الله عنها : ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها . متفق عليه .
فإذا كان هذا في حق الميت فالحي أولى بالتيامن .
=
معنى التّيامن
هو البدء باليمين ، وتقديم اليمين فيما ذُكر في الحديث ، وفيما شأنه التكريم
.
=
كيفية الانتعال
يبدأ اللبس بالرجل اليمنى ، ويبدأ خلع النعال بالرجل اليسرى .
قال عليه الصلاة والسلام : إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين ، وإذا نزع فليبدأ
بالشمال ، لتكن اليمنى أولهما تُنعل ، وآخرهما تنزع . متفق عليه .
=
في الحديث دلالة على شمولية دين الإسلام ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما ترك شاردة ولا واردة إلا علّم أمته منها .
=
ما هو التّـرجّـل ؟
هو تسريح الشعر
فيبدأ أو تبدأ بتسريح الجهة اليمنى قبل اليسرى ، وذلك بأن يوضع المشط في
منتصف الرأس ويُذهب به جهة اليمين ، ثم إذا فُرِغ من جهة اليمين بدأ باليسار
.
ومنه حلق شعر الرأس للرجال يُسنّ له أن يبدأ باليمين خاصة في النُّسك " الحج
والعمرة " .
ثبت في حديث أنس رضي الله عنه : ثم قال للحلاق خذ ، وأشار إلى جانبه الأيمن ،
ثم الأيسر . رواه مسلم .
ويبدأ بشق رأسه اليمن في الغُسل ، كما سيأتي بيانه وتفصيله في باب الغسل .
وقيل معنى التّـرجّـل : النزول عن الدابة ، ومنه ترجّـل الفارس .
وعليه فإذا نزل الرجل عن دابته فيبدأ باليمين ، هذا في الدواب التي يُمكن
النزول منها باليمين .
=
الطُّهور . يُقصد به الطهارة ، ومن أجل هذا اللفظ أورده المصنف هنا .
ونقل ابن المنذر الإجماع على عدم الإعادة لمن بدأ بيساره في الوضوء .
كأن يغسل يده اليمنى قبل اليسرى ، أو الرجل اليسرى قبل اليُمنى .
ولا شك أن البدء باليمين هو السنة .
=
في شأنه كلّه
لا يُفهم منه أنه في كل شيء ، بل ما كان له شأن من أموره ، وما شأنه التكريم
.
أما ما يُستقبح أو يُستقذر فتُقدّم له الشمال .
فقد جاء النهي عن التّمسّح باليمين عند قضاء الحاجة ، كما سيأتي إن شاء الله
.
وقد جاء النهي عن الامتخاط باليمين كما تقدّم .
والاستنثار يكون باليد اليسرى كما تقدّم أيضا .
ولذا قالت حفصة رضي الله عنها : كان النبي صلى الله عليه وسلم يجعل يمينه
لطعامه وشرابه وثيابه ، ويجعل شماله لما سوى ذلك . رواه أحمد وأبو داود .
=
الأخذ والإعطاء والأكل والشرب كله
باليمين لمُخالفة الشيطان .
قال صلى الله عليه وسلم : لا يأكلن أحد منكم بشماله ، ولا يشربن بها ، فإن
الشيطان يأكل بشماله ، ويشرب بها ، ولا يأخذ بها ، ولا يعطي بها . رواه مسلم
.
ولما أكل رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله فقال له عليه الصلاة
والسلام : كل بيمينك . قال : لا أستطيع ! قال : لا استطعت . ما منعه إلا
الكبر . قال : فما رفعها إلى فيه . رواه مسلم . أي ما رفعها إلى فمه . رواه
مسلم .
وقال عليه الصلاة والسلام : ليأكل أحدكم بيمينه ، وليشرب بيمينه ، وليأخذ
بيمينه ، وليعطِ بيمينه ، فإن الشيطان يأكل بشماله ، ويشرب بشماله ، ويعطي
بشماله ، ويأخذ بشماله . رواه ابن ماجه ، وقال في مصباح الزجاجة : ذا إسناد
صحيح رجاله ثقات .
=
تقديم اليمين في كل ما من شأنه التكريم تكريماً لليمين .
ولذا فإن العين اليُمنى تُقدّم عند الاكتحال ، وتُكحل وِترا .
ويُسن للمسلم أن ينام على شقّه الأيمن .
كما ثبت بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو في الصحيحين .
=
تقديم الأيمن
فإذا بُدئ بمقدّم المجلس سواء كان الكبير أو الضيف أو غيره ، فإن السنة أن
يُعطى من كان عن يمينه لا عن يمين الساقي الذي يسقي القوم .
ولذا لما أُتِيَ النبي صلى الله عليه وسلم بِلَبَنٍ قد شيب بماء ، وعن يمينه
أعرابي ، وعن يساره أبو بكر ، فشرب ، ثم أعطى الأعرابي ، وقال : الأيمن
فالأيمن . متفق عليه .
وأُتِيَ صلى الله عليه وسلم بشراب ، فشرب منه ، وعن يمينه غلام ، وعن يساره
الأشياخ ، فقال للغلام : أتأذن لي أن أعطي هؤلاء ؟ فقال : الغلام والله يا
رسول الله لا أوثر بنصيبي منك أحداً . قال : فَـتَـلَّـه رسول الله صلى الله
عليه وسلم في يده . متفق عليه .
ومعنى : فَـتَـلَّـه . أي وضعه في يده .
وجاء في بعض الروايات أن الغلام هو ابن عباس رضي الله عنهما .