|
ح 85
عن حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ البدري رضي الله عنه قَالَ : جَاءَ
رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : إنِّي لأَتَأَخَّرُ
عَنْ صَلاةِ الصُّبْحِ مِنْ أَجْلِ فُلانٍ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا , قَالَ :
فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم غَضِبَ فِي مَوْعِظَةٍ قَطُّ
أَشَدَّ مِمَّا غَضِبَ يَوْمَئِذٍ , فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ , إنَّ
مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ , فَأَيُّكُمْ أَمَّ النَّاسَ فَلْيُوجِزْ , فَإِنَّ
مِنْ وَرَائِهِ الْكَبِيرَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ .
في الحديث مسائل :
1=
جواز ذِكر الإنسان بما فيه في حال الشكوى ، والذي يظهر أن الرجل سماه وأُبهم
فيا بعد .
قال الإمام البخاري : باب من شكا إمامه إذا طول .
وقد قيل :
القدح ليس بِغِيبةٍ في سِتةٍ *** مُتظـلـم ومعـرّف ومحـذّر
ولمظهر فسقـاً ومُستفتٍ *** ومن طلب الإعانة في إزالة منكر
ومن هذا الباب فإن للمرأة أن تشكو زوجها إذا ظلمها .
2=
قوله : " إنِّي لأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلاةِ الصُّبْحِ مِنْ أَجْلِ فُلانٍ مِمَّا
يُطِيلُ بِنَا " ولم يقُل الرجل إني لأتخلّف عن صلاة الصُّبح ، فيُحتَمَل انه
يتأخّر من أجل تطويل الإمام .
3=
مُفارقة الإمام لِعُذر .
قال المازري : يجوز إن كان لِعُذر من الخوف على تَلَف بعض مَالِه بِشرط أن
يتعدّى الإمام التطويل على العادة نقله ابن الملقِّن .
4=
سبق القول أن السنة الإطالة في صلاة الصبح ، لقوله تعالى : ( أَقِمِ الصَّلاةَ
لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ
قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ) .
وجمهور المفسِّرين على أن المقصود بـ " قرآن الفجر " هو صلاة الفجر .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُطيل القراءة في صلاة الفجر .
فعن أبي برزة رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يُصلي الصبح
وأحدنا يعرف جليسه ، ويقرأ فيها ما بين الستين إلى المائة . رواه البخاري ومسلم
.
وعن أنس رضي الله عنه قال : صلى بنا أبو بكر صلاة الصبح فقرأ آل عمران ، فقالوا
: كادت الشمس تطلع . قال : لو طلعت لم تجدنا غافلين . رواه البيهقي .
وفي رواية : أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه صلى بالناس الصبح ، فقرأ بسورة
البقرة ، فقال له عمر : قربت الشمس أن تطلع . فقال : لو طلعت لم تجدنا غافلين .
رواه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق .
وفي رواية عن هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه صلى الصبح ،
فقرأ فيها سورة البقرة في الركعتين كلتيهما . رواه البيهقي .
وعن عبد الله بن عامر : صلينا وراء عمر بن الخطاب رضي الله عنه الصبح ، فقرأ
فيها سورة يوسف وسورة الحج ، قراءة بطيئة . رواه عبد الرزاق .
وعن أبي عثمان النهدي قال : صليت خلف عمر رضي الله عنه الفجر ، فما سَلَّمَ حتى
ظن الرجال ذوو العقول أن الشمس قد طلعت ، فلما سَلَّمَ قالوا : يا أمير
المؤمنين كادت الشمس تطلع . قال : فتكلم بشيء لم أفهمه ، فقلت : أي شيء قال ؟
فقالوا : قال : لو طلعت الشمس لم تجدنا غافلين . رواه عبد الرزاق .
5=
جواز الإغلاظ في الموعظة لمن عُلِم أنه لا ينفر ، ولمن بَلَغه النهي .
قال الإمام البخاري : باب ما يجوز من الغضب والشدة لأمر الله .
وقد أغلظ النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما لمكانته .
فعن عبد الله بن عمرو قال : رأى النبي صلى الله عليه وسلم عليَّ ثوبين معصفرين
، فقال : أأمك أمرتك بهذا؟ قلت : أغسِلهما ؟ قال : بل أحرقهما . رواه مسلم
ولكنه عليه الصلاة والسلام لم يُغلِظ للأعرابي الذي بال في ناحية المسجد لئلا
يَنفر .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتما من ذهب
في يد رجل ، فَنَزَعَه فطرحه ، وقال : يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في
يده . فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم : خُـذ خاتمك انتفع
به . قال : لا والله لا آخذه أبداً ، وقد طَرَحَه رسول الله صلى الله عليه وسلم
.
6=
قوله عليه الصلاة والسلام : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ , إنَّ مِنْكُمْ
مُنَفِّرِينَ " تلميح يُغني عن التصريح ، فلم يذكر الرجل باسمه ، وإنما ذَكَر
الوصف .
7=
التنفير إنما يكون في الإطالة التي تحصل معها المشقّـة ، أما أن يُراعى حال كل
إنسان في صلاة الفجر على وجه الخصوص فهذا مُتعذّر ، وإنما يُراعى حال العموم
ويُمكن أن يُراعى المكان ، كمساجد الأسواق التي يُبكّر أصحابها إلى حِرَفهم .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه : أفتّان أنت يا معاذ ؟
وكان معاذ رضي الله عنه قرأ سورة البقرة في صلاة العشاء .
8=
الإيجاز ، هو الاختصار .
والله تعالى أعلم .