ح 78
عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال : بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ ،
فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ . فَقُمْتُ
عَنْ يَسَارِهِ . فَأَخَذَ بِرَأْسِي فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ .
في الحديث مسائل :
1 =
قوله : " بِتُّ " المقصود بالبيتوتة ، هي إدراك الليل في المكان المقصود ، وليس
من شرط البيات النّوم ، لقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ
سُجَّدًا وَقِيَامًا ) .
ولذلك فإنه لا يُشترط النوم لصحة مبيت الحاجّ بمنى .
والذي يظهر أن ابن عباس رضي الله عنهما لم يَنَم ، بدليل أنه وَصَف قيام النبي
صلى الله عليه وسلم ووضوءه
ففي رواية للبخاري قال رضي الله عنهما : بِتُّ عند خالتي ميمونة ليلة ، فنام
النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان في بعض الليل قام رسول الله صلى الله عليه
وسلم فتوضأ من شَنّ معلق وضوءا خفيفا ، ثم قام يصلي ، فقمت فتوضأت نحوا مما
توضأ ، ثم جئت فقمت عن يساره ، فحوّلني فجعلني عن يمينه ، ثم صلى ما شاء الله .
وفي رواية له : بِتّ عند خالتي ميمونة فقلت : لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى
الله عليه وسلم .
2 =
حرص ابن عباس رضي الله عنهما على هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو إذ ذاك
كان صغيراً .
3 =
عدم كراهة بيات الصغير عند قريبته إذا لم يكره الزوج ذلك .
4 =
موقف الاثنين وراء الإمام ، وليس عن يمينه ولا عن يساره .
ويدلّ عليه فِعله صلى الله عليه وسلم .
قال أنس رضي الله عنه : فَقَامَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم
وَصَفَفْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ .
قال الحافظ العراقي :
وَقَوْلُهُ " فَصَفَفْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ " حُجَّةٌ لِجُمْهُورِ
الأُمَّةِ فِي أَنَّ مَوْقِفَ الاثْنَيْنِ وَرَاءَ الإِمَامِ . وَكَانَ بَعْضُ
الْمُتَقَدِّمِينَ يَرَى أَنْ يَكُونَ مَوْقِفُ أَحَدِهِمَا عَنْ يَمِينِهِ ،
وَالآخَرِ عَنْ يَسَارِهِ . وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلصَّبِيِّ مَوْقِفًا
فِي الصَّفِّ . اهـ .
وقد روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : ثم جئت حتى قمت عن
يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه ، ثم
جاء جبار بن صخر فتوضأ ثم جاء فقام عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدينا جميعا فدفعنا حتى أقامنا خلفه .
وأما ما رواه مسلم عن الأسود وعلقمة قالا : أتينا عبد الله بن مسعود في داره ،
فقال : أصلى هؤلاء خلفكم؟ فقلنا : لا . قال : فقوموا فصلوا ، فلم يأمرنا بأذان
ولا إقامة . قال : وذهبنا لنقوم خلفه فأخذ بأيدينا فجعل أحدنا عن يمينه والآخر
عن شماله . قال : فلما ركع وضعنا أيدينا على ركبنا . قال : فضرب أيدينا وطبَّق
بين كفيه ثم أدخلهما بين فخذيه .
فإنه محمول على النّسخ ؛ لأن تطبيق الأكفّ منسوخ ، ولذا أعقب مسلم هذه الرواية
بالرواية الأخرى التي تُبين أنه منسوخ .
ثم إنه قول صحابي وقول الصحابي إنما يكون حجة إذا لم يُخالِف النصّ .
5 =
موقف الواحد مع الإمام
إذا لم يكن مع الإمام إلا شخص واحد فإنه يقف عن يمين الإمام لحديث ابن عباس ،
ففي رواية : فتوضأت فقام فصلى فقمت عن يساره فأخذ بيدي فأدارني عن يمينه .
وفي رواية للبخاري : فقام يُصلي ([1]) فقمت عن يساره ، فأخذ بأذني فأدارني عن
يمينه .
وفي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : فقمت خلفه ، فأخذ بأذني فجعلني
عن يمينه . رواه مسلم
ويقوم بحذاء الإمام ، أي يكون مُحاذياً له لا يتقدّم عنه ولا يتأخّر .
ولذا قال الإمام البخاري رحمه الله :
باب يقوم عن يمين الإمام بحذائه سواءً إذا كانا اثنين .
6 =
إذا صلى شخص مع الإمام ثم دَخَل آخر فإنه يُشعر الإمام بدخوله ، ثم يسحب
المأموم دون الإمام ، إلا أن يكون المكان ضيقاً .
وتقدّمت مسائل المصافّـة في الأحاديث السابقة من أحاديث الباب .
7 =
من صلّى مُنفرِداً ثم جاء آخر فصفّ عن يساره . كيف يُديره للجهة اليُمنى ؟
يُديره من وراء ظهره لئلا يُمرِّره من بين يديه .
لأنه لو أداره من أمامه لوقع في النهي عن المرور بين يدي الْمُصلِّي ،
والْمُصلِّي مأمور بِدفع من يمرّ بين يديه .
وفي رواية لمسلم : فقام يصلي من الليل ، فقمت عن يساره فتناولني من خلف ظهره ،
فجعلني على يمينه .
وفي رواية في الصحيحين : فقمت إلى جنبه فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده
اليمنى على رأسي وأخذ بأذني اليمنى يَفْتِلُها بيده .
وفي هذه الرواية جواز العمل اليسير في الصلاة إذا كان لمصلحة الصلاة .
8 =
من صلّى يسار الإمام . هل تصح صلاته ؟
الذي يظهر صِحّة صلاته
قال الشافعي رحمه الله في الأم : لو وقف المأموم عن يسار الإمام أو خلفه كرهت
ذلك لهما ولا إعادة . اهـ .
وقال مالك والشافعي وأصحاب الرأي : إن وقَفَ عن يسار الإمام صَحَّتْ صلاته لأن
ابن عباس لما أحْرَم عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم أدَارَه عن يمينه
ولم تَبْطُل تحريمته ، ولو لم يكن موقِفَاً لاستأنف التَّحريمة .
ولا دليل على بُطلان صلاة من صلّى يسار الإمام .
ويُحمل فعله عليه الصلاة والسلام على الأفضل .
والله تعالى أعلم .
-------------------
([1]) يعني النبي صلى الله عليه وسلم .