شرح أحاديث عمدة
الأحكام
الحديث الـ 75 في تسوية الصفوف
عبد الرحمن بن عبد الله
السحيم
ح 75
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سووا
صفوفكم ، فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة .
في الحديث مسائل :
1 =
ترتيب المؤلف رحمه الله منطقي ، فإنه بدأ بذِكر المواقيت ، ثم ذَكر فضل صلاة
الجماعة ووجوبها ، ثم الأذان ، ثم استقبال القبلة ، ثم ذَكَر ما يتعلق بالصفوف
.
ذلك أن الصلاة إذا حَضَرَتْ واستقبل المصلُّون القبلة فقد بَقِي عليهم قبل
الدخول في الصلاة تَسْوية الصفوف
وسيأتي في الحديث التالي حُكم تسوية الصفوف .
2 =
تدلّ أحاديث الباب بمجموعها على أهمية تسوية الصفوف وإقامتها وحُسنها ، وأن ذلك
من تمام الصلاة ، إذ أن إقامة الصف لها تعلّق بالصلاة نفسها .
ففي رواية للبخاري : سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة .
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً : وأقيموا الصف في الصلاة ، فإن إقامة
الصفّ من حُسْنِ الصلاة . وفي حديث أنس رضي الله عنه قال : أُقيمت الصلاة فأقبل
علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال : أقيموا صفوفكم وتراصوا ، فإني
أراكم من وراء ظهري . رواه البخاري ومسلم .
3 =
السنة للإمام أن يتفقد الصفوف قولاً وفعلا ، أما القول فما يتم به تسوية الصفوف
، من تقويم معوجّ ، وتعديل مائل ، وأمر بإتمام الصفّ الْمُقدَّم ، وأما الفعل
فباليَدِ ، على ما سيأتي بيانه في الحديث الذي يليه .
وروى الإمام أحمد والنسائي من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
أتموا الصف الأول ، ثم الذي يليه ، وإن كان نقص فليكن في الصفّ المؤخر .
فهذا من القول في تسوية الصفوف ، ومسح المناكب من الفعل .
قال ابن دقيق العيد : تَسْوِيَةُ الصُّفُوفِ : اعْتِدَالُ الْقَائِمِينَ بِهَا
عَلَى سَمْتٍ وَاحِدٍ .
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ن يأمر بتسوية الصفوف ، فإذا أخبروه أن قد
استوت ، كَبـَّـر . رواه الإمام مالك وعبد الرزاق .
وفي رواية لعبد الرزاق عن بن عمر قال : كان عمر لا يُكبِّر حتى تعتدل الصفوف ،
يَوكِّل بذلك رجالا .
وروى عبد الرزاق عن مالك عن عمه ابن أبي سهيل عن أبيه قال : كنت مع عثمان فقامت
الصلاة وأنا أُكلِّمه في أن يَفرض لي ، فلم أزل أكلمه وهو يُسوي الحصى بيده حتى
جاءه رجال قد كان وَكَّلَهم بتسوية الصفوف فأخبروه أنها قد استوت ، فقال لي :
استوِ في الصف ، ثم كَبَّر .
قال ابن عبد البر : وأما تسوية الصفوف في الصلاة فالآثار فيها متواترة من طرق
شتى صحاح كلها ثابتة في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم تسوية الصفوف ، وعمل
الخلفاء الراشدين بذلك بعده ، وهذا ما لا خلاف فيما بين العلماء فيه .
4 =
مُبالغة الصحابة رضي الله عنهم في إقامة الصفوف .
روى البخاري من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أقيموا صفوفكم فإني
أراكم من وراء ظهري ، قال أنس : وكان أحدنا يُلزق منكبه بمنكب صاحبه ، وقدَمَه
بِقَدَمِه .
5 =
التراصّ في الصف ، وإتمام الصف الأول هو صِفة صَفّ الملائكة عند ربها .
فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : خرج علينا فقال : ألا تَصُفُّون كما تصفّ
الملائكة عند ربها ؟ فقلنا : يا رسول الله ! وكيف تصف الملائكة عند ربها ؟ قال
: يُتِمُّون الصفوف الأُوَل ، ويتراصون في الصف . رواه مسلم .
6 =
تسوية الصفوف ليست خاصة بالإمام بل الخطاب عام لجميع المصلِّين .
ويدلّ عليه ما قاله أبو هريرة رضي الله عنه : أُقيمت الصلاة فقُمنا فعُدِّلت
الصفوف قبل أن يخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقوله في الأحاديث المتقدِّمة :
سووا صفوفكم
وأقيموا الصف
أقيموا صفوفكم وتراصوا
هذه الألفاظ تدلّ على أن الخطاب للجماعة ، أي للمأمومين .
وقد روى أبو داود بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أقيموا الصفوف
، وحاذوا بين المناكب ، وسُدُّوا الخلل ، ولِينُوا بأيدي إخوانكم ، ولا تذروا
فرجات للشيطان ، ومن وَصَل صفاً وَصَلَه الله ، ومن قَطَع صَفاً قطعه الله .
أبو داود : ومعنى : " ولِينُوا بأيدي إخوانكم " إذا جاء رجل إلى الصف فذهب يدخل
فيه فينبغي أن يَلِين له كل رجل منكبيه حتى يدخل في الصف .
7 = لماذا تُرصّ الصفوف ؟
لأنه أدعى للتآلف بين المصلِّين ، ولذا قال : ولِينُوا بأيدي إخوانكم .
ولأن الشيطان يدخل من خَلل الصفوف ، فيُفسد الصلاة ، ولذا قال عليه الصلاة
والسلام : رصُّوا صفوفكم ، وقاربوا بينها ، وحاذوا بالأعناق ، فو الذي نفسي
بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كأنها الْحَذَف . رواه الإمام أحمد
وأبو داود والنسائي .
وفي حديث البراء بن عازب عند أحمد : قيل : يا رسول الله وما أولاد الْحَذَف ؟
قال : سُود جُرد تكون بأرض اليمن .
وفي حديث أبي أمامة عند أحمد أيضا : فإن الشيطان يدخل بينكم بمنـزلة الْحَذَف ،
يعنى أولاد الضأن الصغار .
ولأن اختلاف الصفوف سبب في اختلاف القلوب وتنافرها ، كما سيأتي في الحديث الذي
يليه .