شرح أحاديث عمدة
الأحكام
الحديث الـ 69 في صفة الأذان
عبد الرحمن بن عبد الله
السحيم
ح 69
عن أبي جحيفة – وهب بن عبد الله السوائي – قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم
وهو في قبة حمراء من أدم .
قال : فخرج بلال بوَضوء ، فَمِن نائل وناضح . قال : فخرج النبي صلى الله عليه
وسلم وعليه حلة حمراء كأني أنظر إلى بياض ساقيه . قال : فتوضأ وأذن بلال . قال
: فجعلت أتتبع فاه ها هنا وها هنا يقول يمينا وشمالا : حي على الصلاة حي على
الفلاح . قال : ثم رُكِزَت له عنـزة ، فتقدم فصلى الظهر ركعتين ، ثم صلى العصر
ركعتين ، ثم لم يزل يصلي ركعتين حتى رجع إلى المدينة .
في الحديث مسائل :
1 = من روايات الحديث :
قال : بمكة وهو بالأبطح . رواه مسلم . ففيها تحديد المكان بِدِقّـة .
وفي رواية لمسلم : يمرّ بين يديه الحمار والكلب لا يُمنَع .
وفي رواية له أيضا : عن عون بن أبي جحيفة أن أباه رأى رسول الله صلى الله عليه
وسلم في قبة حمراء من آدم قال : ورأيت بلالا أَخْرَج وَضوءا فرأيت الناس
يبتدرون ذلك الوَضوء فمن أصاب منه شيئا تمسّح به ، ومن لم يُصب منه أخذ من بلل
يدِ صاحبه ، ثم رأيت بلالا أخرج عنـزة فركزها ، وخرج رسول الله صلى الله عليه
وسلم في حلة حمراء مشمرا فصلى إلى العنـزة بالناس ركعتين . قال : ورأيت الناس
والدواب يمرون بين يدي العنـزة .
2 = القبة : قال الـجوهري : القبة من
البناء ، والـجمع قبب وقباب . قال العيني : قلت : الـمراد من القبة هنا هي
التـي تُعمل من الـجلد . اهـ .
3 = من أَدَم : هو الجلد المدبوغ ،
وكأنه صُبغ بحمرة قبل أن يُجعل قبة . قاله ابن حجر .
4 = قوله : " فخرج بلال بوَضوء " أي
ببقية ماء توضأ منه النبي صلى الله عليه وسلم ، والوَضوء هنا بالفتح
5 = قوله " فمن نائل وناضح " معناه
فمنهم من ينال منه ، شيئا ومنهم من ينضح عليه غيره شيئا مما ناله ويرش عليه
بللا مما حصل له ، وهو معنى ما جاء في الحديث الآخر : فمن لم يصب أخذ من يد
صاحبه . قاله النووي .
6 = قوله : " وعليه حلة حمراء " .
جاء النهي عن لبس الأحمر ، وجاء في هذا الحديث وصف الحلّة بأنها حمراء . فكيف
يُجمع بينهما ؟
قال الحافظ ابن حجر في ذكر الأقوال في لبس الأحمر :
تخصيص المنع بالثوب الذي يُصبغ كله ، وأما ما فيه لون آخر غير الأحمر من بياض
وسواد وغيرهما فلا ، وعلى ذلك تحمل الأحاديث الواردة في الحلة الحمراء ، فإن
الحلل اليمانية غالبا تكون ذات خطوط حُمر وغيرها قال ابن القيم : كان بعض
العلماء يلبس ثوبا مشبعا بالحمرة يزعم أنه يتبع السنة وهو غلط ، فإن الحلة
الحمراء من برود اليمن ، والبرد لا يُصبغ أحمر صرفا ، كذا قال ، وقال الطبري -
بعد أن ذكر غالب هذه الأقوال - : الذي أراه جواز لبس الثياب المصبغة بكل لون
إلا أني لا أحب لبس ما كان مشبعا بالحمرة ، ولا لبس الأحمر مطلقا ظاهراً فوق
الثياب لكونه ليس من لباس أهل المروءة في زماننا ، فإن مراعاة زيّ الزمان من
المروءة ما لم يكن إثماً ، وفي مخالفة الزي ضرب من الشهرة . اهـ .
ولذا لما رأى عمر رضي الله عنه على طلحة ثوبا مصبوغا وهو محرم فقال عمر : ما
هذا الثوب المصبوغ يا طلحة ؟ فقال طلحة : يا أمير المؤمنين إنما هو مدر ، فقال
عمر : إنكم أيها الرهط أئمة يَقتدي بكم الناس ، فلو أن رجلا جاهلا رأى هذا
الثوب لقال : إن طلحة بن عبيد الله كان يلبس الثياب المصبغة في الإحرام ! فلا
تلبسوا أيها الرهط شيئا من هذه الثياب المصبغة . رواه الإمام مالك في الموطأ .
والمدر هو الطّين .
7 = قوله : " كأني أنظر إلى بياض ساقيه
" فيه جواز إظهار الساق ، وأنه لا يجب ستره ، وأن كشفه ليس مما يُنكر .
وأنت ترى كثيراً الناس في زماننا يُنكرون على الشاب الذي ثوبه إلى أنصاف ساقيه
، ولا يُنكرون على المرأة التي كشفت عن ساقيها أو عن بعضهما !
8 = قوله " فتوضأ وأذن بلال " فيه
الأذان في السفر . قال الشافعي رضي الله عنه : ولا أكره من تركه في السفر ما
أكره من تركه في الحضر ؛ لأن أمر المسافر مبني على التخفيف . نقله النووي .
الذي توضأ هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والذي أذّن هو بلال ، والذي يظهر
أن في الحديث تقديم وتأخير ، أي أن بلالاً خرج بفضله وَضوئه عليه الصلاة
والسلام ، فابتدر الناس فضلة الوَضوء ، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقد بدا بياض ساقيه ، ثم أذّن بلال .
9 = قوله : " فجعلت أتتبع فاه ها هنا
وها هنا يقول يمينا وشمالا " أي أن أبا جحيفة أخذ يتتبّع فَـمَ بلال في حال
الأذان وعند الحيعلتين ، أي حي على الصلاة ، حي على الفلاح .
وقوله : يقول يمينا وشمالاً ، أي يلتفت ، ويُعبر عن الفعل بالقول ، كقولهم :
وقال بيده هكذا . أي حركها أو أشار بها ، ونحو ذلك .
10 = هل يلتفت يمينا في قوله ( حي على
الصلاة ) ويلتفت شمالا في قوله ( حي على الفلاح ) ؟
اللفظ محتمل لهذا وهذا .
بمعنى أنه يُمكن القول بأن المؤذن يلتفت يمينا في حال قوله ( حي على الصلاة )
ويلتفت شمالا في حال قول (حي على الفلاح) ويُمكن أن يقول ( حي على الصلاة ) مرة
يميناً ومرة شمالاً ، وهكذا في قوله ( حي على الفلاح ) .
11 = وهل يلتفت يمينا وشمالا في حال
وجود مكبرات الصوت ؟
نعم ، ولا تُترك السنة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يرملوا في
الطواف لإظهار القوة أمام المشركين ، ولا زال الناس يرملون حتى بعد أن صارت مكة
دار إسلام .
قال ابن عباس : فكانت سنة . أي الرمل في الطواف .
ثم إن الالتفات اليسير يُحقق السنة ولا ينقطع الصوت عن المكبِّر .
12 = قوله : " ثم رُكِزَت له عنـزة " أي
رُكِزت للنبي صلى الله عليه وسلم ليُصلي إليها ، أي ليجعلها سترة له .
وتقدّم أنه عليه الصلاة والسلام لما صلى الظهر إلى العَنَزة كان يمرّ بين يديه
الحمار والكلب لا يُمنَع .
أي من وراء العَنَزة ، وليس من بين يديه مباشرة ، وسيعقد المصنف رحمه الله
باباً في المرور بين يدي المصلي .
13 = قوله : " ثم لم يزل يصلي ركعتين
حتى رجع إلى المدينة " هذه هي السنة للمسافر ، وسيأتي باب الجمع بين الصلاتين
في السفر ، وباب قصر الصلاة في السفر .