شرح أحاديث عمدة
الأحكام
الحديث الـ 66 ، 67 في نوافل الصلاة
عبد الرحمن بن عبد الله
السحيم
ح 66
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
ركعتين قبل الظهر وركعتين بعد الظهر ، وركعتين بعد الجمعة ، وركعتين بعد المغرب
، وركعتين بعد العشاء .
وفي لفظ : فأما المغرب والعشاء والجمعة ففي بيته .
وفي لفظ للبخاري : أن ابن عمر قال : حدثتني حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان يصلي سجدتين خفيفتين بعد ما يطلع الفجر ، وكانت ساعة لا أدخل على النبي صلى
الله عليه وسلم فيها .
في الحديث مسائل :
1 =
مِن روايات الحديث :
في رواية للبخاري :
قال ابن عمر : حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم عشر ركعات ركعتين قبل الظهر ،
وركعتين بعدها ، وركعتين بعد المغرب في بيته ، وركعتين بعد العشاء في بيته ،
وركعتين قبل صلاة الصبح - كانت ساعة لا يُدخل على النبي صلى الله عليه وسلم
فيها - حدثتني حفصة أنه كان إذا أذّن المؤذن وطلع الفجر صلى ركعتين .
2 =
حديث ابن عمر هذا لم يستوعب السنن الرواتب ، فلم يُذكر فيه سوى ثماني ركعات من
السنن الرواتب
كما ذُكِر فيه الصلاة بعد الجمعة ، وهي ليست من السُنن الرواتب ، وإنما هي
مستقلة ، وسيأتي مزيد بيان فيما يتعلق بالجمعة في أبواب الجمعة – إن شاء الله –
.
ووردت أحاديث أخرى في السنن الرواتب
ففي حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : مَـنْ ثابر
على اثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة دخل الجنة : أربعا قبل الظهر ، وركعتين
بعدها ، وركعتين بعد المغرب ، وركعتين بعد العشاء ، وركعتين قبل الفجر . رواه
الترمذي والنسائي وابن ماجه .
ومعنى ثابر : أي حافظ وداوم عليها
وفي حديث أم حبيبة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول : من صلى كل يوم اثنتي عشرة ركعة تطوعا غير فريضة بُني له بيت في الجنة .
رواه مسلم .
وهذا وإن كان لفظه عاماً إلا أن من صلى السن الرواتب وحافَظَ عليها دخل في هذا
الوعد .
3 =
وردت نوافل غير ما ذُكِر في حديث الباب منها :
" أربع قبل الظهر ليس فيهن تسليم تفتح لهن أبواب السماء " رواه أبو داود .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلي أربعا بعد أن تزول الشمس قبل الظهر
وقال : أنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء ، وأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح .
رواه الترمذي .
ومن نوافل الصلاة ؛ صلاة أربع ركعات قبل صلاة العصر
قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم : رحم الله امرءاً صلى قبل العصر أربعا . رواه
الإمام أحمد وأبو داود والترمذي .
ومنها أيضا صلاة ركعتين بين كل أذان وإقامة لقوله صلى الله عليه وسلم : بين كل
أذانين صلاة - قالها ثلاثا - قال في الثالثة : لمن شاء . متفق عليه .
ومنها صلاة ركعتين قبل صلاة المغرب
قال أنس – رضي الله عنه – : وكنا نصلي على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين
بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب . متفق عليه .
وقال – رضي الله عنه – : كنا بالمدينة فإذا أذن المؤذن لصلاة المغرب ابتدروا
السواري فيركعون ركعتين ركعتين حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن
الصلاة قد صُليت من كثرة من يصليهما . رواه مسلم .
4 =
فضل السنن الرواتب وفائدتها
فمن فوائدها :
1 - أنها مما تُنال به محبة الله ، كما في حديث أبي هريرة وما يزال عبدي يتقرب
إلي بالنوافل حتى أحبه . رواه البخاري .
2 – أنها مما يُسد بها خلل ونقص الصلاة المفروضة .
كما في قوله عليه الصلاة والسلام : إن أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من
أعمالهم الصلاة . قال : يقول ربنا جل وعز لملائكته - وهو أعلم - : انظروا في
صلاة عبدي أتمها أم نقصها ؟ فإن كانت تامة كُتبت له تامة ، وإن كان انتقص منها
شيئا قال : انظروا هل لعبدي من تطوع ؟ فإن كان له تطوع قال: أتموا لعبدي فريضته
من تطوعه ، ثم تؤخذ الأعمال على ذاكم . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي
والنسائي وابن ماجه .
5 =
الأفضل في صلاة النوافل عموما أن تكون في البيوت ؛ لما في ذلك من الفوائد
الكثيرة ، ومنها :
أ – أنه أقرب إلى الإخلاص ، ولذا فإن الأفضل للمصلي أن يُصلي السنن حيث لا يراه
الناس لقوله عليه الصلاة والسلام : أفضل صلاة المرء في بيته إلا الصلاة
المكتوبة . رواه البخاري ومسلم .
ورواه أبو داود بلفظ : صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا
المكتوبة .
وقال صلى الله عليه وسلم : فضل صلاة الرجل في بيته على صلاته حيث يراه الناس ،
كفضل المكتوبة على النافلة . رواه الطبراني في الكبير ، وهو في صحيح الترغيب .
ويُستثنى من ذلك صلاة التراويح والتهجد لورود النص في الصلاة مع الإمام حتى
ينصرف .
ب – أن لا تُشبّه البيوت بالمقابر التي لا يُصلى فيها ، لقوله عليه الصلاة
والسلام : اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ولا تتخذوها قبورا . رواه البخاري ومسلم
.
جـ - أن يكون الإنسان قدوة لأهل بيته ، فيقتدي به الصبيان ويرونه يُصلي
فيُصلّون معه .
ولذلك قال عليه الصلاة والسلام : إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته
نصيبا من صلاته ، فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيرا . رواه مسلم .
6 =
الصلاة بعد الجمعة سُنة وليست من السنن الرواتب
ففي رواية للبخاري لحديث الباب :
وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين .
وفي رواية لمسلم بلفظ :
فكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين في بيته .
7 =
السنة للمسافر أن لا يُصلي السنن الرواتب عدا راتبة الفجر ، لما رواه البخاري
ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : صحبت النبي صلى الله عليه وسلم فلم أره
يسبح في السفر . يعني به السنة الراتبة ؛ لأن ابن عمر نفسه روى صلاة النبي صلى
الله عليه وسلم النافلة في السفر على الراحلة كما عند البخاري ومسلم ، ويُستثنى
من ذلك راتبة الفجر ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتركها في سفر ولا في
حضر .
ح 67
عن عائشة رضي الله عنها قالت : لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من
النوافل أشد منه تعاهدا على ركعتي الفجر .
وفي لفظ لمسلم : ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها .
في الحديث :
1 =
تعاهد النبي صلى الله عليه وسلم لراتبة الفجر ، فكان لا يتركها في حضر ولا في
سفر .
وهذا يدل على تأكيدها ، فهي من السنن الراتبة ، وهي من السنن المؤكَّدة .
وفي رواية للبخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت : صلى النبي صلى الله عليه وسلم
العشاء ، ثم صلى ثماني ركعات ، وركعتين جالسا ، وركعتين بين النداءين ، ولم يكن
يدعهما أبدا .
2 =
فضل راتبة الفجر ، وهي التي يُطلق عليها في بعض الأحاديث : ركعتي الفجر ،
وتُسمى الرغيبة .
3 =
جاء عند مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : ما رأيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم في شيء من النوافل أسرع منه إلى الركعتين قبل الفجر .
4 =
قوله : " خير من الدنيا وما فيها " ليس المقصود بـ ( الدنيا ) دنيا الشخص نفسه
، ولكنه العموم ، أي خير من الدنيا من أولها وآخرها ، وهو يدلّ على عِظم أجر
هاتين الركعتين .
ويدلّ على فضل راتبة الفجر ، وعظيم أجرها .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُخفف راتبة الفجر ، حتى قالت عائشة رضي الله
عنها : كان النبي صلى الله عليه وسلم يخفف الركعتين اللتين قبل صلاة الصبح حتى
إني لأقول : هل قرأ بأم الكتاب . رواه البخاري ومسلم
وثبت أنه كان يُخفف القراءة في راتبة الفجر .
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعتي
الفجر : قل يا أيها الكافرون ، وقل هو الله أحد .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في
ركعتي الفجر في الأولى منهما ( قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ
إِلَيْنَا ) الآية التي في البقرة ، وفي الآخرة منهما ( آَمَنَّا بِاللَّهِ
وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) رواه مسلم .
وفي رواية له : قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في ركعتي الفجر :
( قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا ) والتي في آل عمران (
تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ) .
والله تعالى أعلى وأعلم .