شرح أحاديث عمدة
الأحكام
ح 63 في مُضاعفة أجر صلاة الجماعة
عبد الرحمن بن عبد الله
السحيم
ح63
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صلاة
الرجل في الجماعة تُضَعَّفُ على صلاته في بيته وفي سوقه خمسة وعشرين ضعفا ،
وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوُضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة ، لم
يَخطُ خطوة إلا رفعت له بها درجة وحُطّ عنه بها خطيئة ، فإذا صلى لم تزل
الملائكة تُصلي عليه ما دام في مصلاه : اللهم صلِّ عليه ، اللهم ارحمه ، ولا
يزال في صلاة ما انتظر الصلاة .
في الحديث مسائل :
1 =
في بعض نُسخ العمدة : اللهم صلِّ عليه ، اللهم اغفر له ، اللهم ارحمه .
وهذا اللفظ " اللهم اغفر له " جاء في حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال : الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ما لم
يُحدِث تقول : اللهم اغفر له ، اللهم ارحمه . رواه البخاري .
2 = في رواية لمسلم :
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : تفضل صلاة في الجميع على صلاة
الرجل وحده خمسا وعشرين درجة . قال : وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في
صلاة الفجر . قال أبو هريرة : اقرأوا إن شئتم : ( وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ
قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ) .
3 =
اختُلِف اختلافا كبيرا على الدرجات ، وعلى التفاضل والتفاوت فيما بينها
ففي حديث ابن عمر " صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذّ بسبع وعشرين درجة "
وفي حديث أبي هريرة هذا " صلاة الرجل في الجماعة تُضَعَّفُ على صلاته في بيته
وفي سوقه خمسة وعشرين ضعفا "
وفي حديث أبي سعيد مرفوعا : صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذّ بخمس وعشرين درجة .
رواه البخاري .
وذكر ابن الملقِّن أوجها كثيرة في سبب هذا الاختلاف
ورجّح الحافظ ابن حجر الفرق بين الصلاة السرية والجهرية ، فقال : السبع مختصة
بالجهرية ، والخمس بالسرية ، وهذا الوجه عندي أوجهها . اهـ .
وقال الشيخ ابن باز : والأظهر عموم الحديث لجميع الصلوات الخمس . اهـ .
والذي يظهر أن هذا التفاوت بين السبع والعشرين والخمس والعشرين هو تابِع لتفاضل
الجماعة وما يحتف بالصلاة فمن ذلك :
ما جاء في حديث الباب نفسه ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذَكَر التفاضل
قال : " وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوُضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا
الصلاة " ففي هذا القدر زيادة بيان سبب المضاعفة بالسبع والعشرين درجة ، وإذا
انتفى هذا القدر نقص الأجر .
وذلك أن من يخرج من بيته متطهِّراً للصلاة لا يُخرجه إلا الصلاة ، وأدرك تكبيرة
الإحرام أنه يفضل من لم يفعل ذلك .
كما أن إحسان الوضوء يفضل من لم يُحسن الوضوء ، ولذا لما صلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم الفجر فقرأ فيهما بالروم ، فالتبس عليه في القراءة ، فلما صلى
قال : ما بال رجال يحضرون معنا الصلاة بغير طهور ؟ أولئك الذين يلبّسون علينا
صلاتنا ، من شهد معنا الصلاة ، فليحسن الطهور . رواه الإمام أحمد .
وأن من أحسن الطهور غُفِر له فيفضل بذلك من لم يفعل ذلك ، ويكون بينهما هذا
التفاوت .
وفي حديث عثمان رضي الله عنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ
فأحسن الوضوء ، ثم قال: من توضأ هكذا ثم خرج إلى المسجد لا ينهزه إلا الصلاة
غُفِر له ما خلا من ذنبه . رواه مسلم . وأصله في الصحيحين .
كما أن في هذا الحديث فضل من ينتظر الصلاة ، فيُمكن أن يكون من يُصلي وينتظر
الصلاة أو يبقى في مصلاه أنه يفضل من صلى ثم خرج ، وتقدّم في الحديث السابق
قوله عليه الصلاة والسلام : أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى ،
والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجراً من الذي يصلي ثم ينام .
رواه البخاري ومسلم .
4 =
واختلفوا أيضا في الدرجة والجزء ، وهل هي بمعنى واحد أو لا .
والذي يظهر أنهما بمعنى واحد ، والمقصود مُضاعفة صلاة الجماعة على صلاة الفرد
بهذا القدر
ففي رواية لمسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا : صلاة مع الإمام أفضل من خمس وعشرين
صلاة يصليها وحده .
وهذا يعني أن صلاة المصلِّي في جماعة أفضل من صلاة المنفرد لو صلّى سبعا وعشرين
مرة .
قال أبو القاسم البغوي : سمعت عبيد الله القواريري يقول : لم تكن تكاد تفوتني
صلاة العتمة في جماعة ، فنـزل بي ضيف فشغلت به ، فخرجت اطلب الصلاة في قبائل
البصرة ، فإذا الناس قد صلوا ، فقلت في نفسي يُروي عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال : صلاة الجميع تفضل على صلاة الفذ إحدى وعشرين درجة ، وروي خمسا وعشرين
درجة ، وروي سبعا وعشرين ، فانقلبت إلى منـزلي فصليت العتمة سبعا وعشرين مرة ،
ثم رقدت فرأيتني مع قوم راكبي أفراس وأنا راكب ونحن نتجارى ، وأفراسهم تسبق
فرسي ، فجعلت أضربه لألحقهم فالتفت إليّ آخرهم فقال : لا تجهد فرسك فَلَسْتَ
بِلاحِقنا ! قال : فقلت : ولِمَ ؟ قال : لأنا صلينا العتمة في جماعة .
5 =
هل في هذا الحديث الإذن في الصلاة في السوق أو في البيت ؟
الجواب : لا
ولكن من فاتته الصلاة فصلّى في بيته أو في سوقـه فإنه لا يُدرك هذه الدرجات .
6 =
هل يُشرع للذاهب إلى الصلاة أن يُقارِب أو يُسارع الخُطى ؟
يرى بعض العلماء أن المشي المعتاد أفضل لقوله عليه الصلاة والسلام : إذا أقيمت
الصلاة فلا تأتوها تسعون وأتوها تمشون ، وعليكم السكينة ، فما أدركتم فصلوا وما
فاتكم فأتموا . رواه البخاري ومسلم .
وروى عبد الرزاق في المصنف عن ثابت البناني قال : أقيمت الصلاة وأنس بن مالك
واضع يده عليّ قال فجعلت أهابه أن أرفع يده عني وجعل يقارب بين الخطى ،
فانتهينا إلى المسجد وقد سبقنا بركعة وقد صلينا مع الإمام وقضينا ما كان فاتنا
، فقال لي أنس بن مالك : يا ثابت اعمل بالذي صنعت بك . قلت : نعم .قال : صنعه
بي أخي زيد بن ثابت .
ورواه البيهقي في الشعب عن ثابت قال : مشينا مع أنس فجعل يقارب بين الخطى . قال
: يا ثابت لِمَ لا تسألني لم أفعل بك هذا ؟ قال : ولم تفعله ؟ قال : إني مشيت
مع زيد بن ثابت ففعل بي مثل هذا ، ثم قال : لِمَ لا تسألني لِمَ أفعل . قال :
أردت أن تكثر خطاي للمسجد . وفي رواية له : ليكون أكثر لِخُطانا .
وروى أبو داود الطيالسي قول ابن مسعود رضي الله عنه : من سرّه أن يلقى الله
غداً مسلماً - وزاد في آخره - ومن توضأ فأحسن وضوءه ثم خرج عامـدا إلى المسجد
كتب الله لـه بكل خطوة حسنة ، ورفع له بـها درجة ويكفر عنه بـها خطيئة ، وإنا
لنقارب بين الخطى .
وأصل قول ابن مسعود في صحيح مسلم .
قال المباركفوري في تحفة الأحوذي : وأما حديث زيد بن ثابت فأخرجه الطبراني في
الكبير قال : كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نريد الصلاة فكان
يقارب الخطى ، فقال : أتدرون لم أقارب الخطى ؟ قلت : الله ورسوله أعلم . قال :
لا يزال العبد في الصلاة ما دام في طلب الصلاة . وفيه الضحاك بن نبراس وهو ضعيف
، ورواه موقوفا على زيد بن ثابت ورجاله رجال الصحيح كذا في مجمع الزوائد . اهـ
.
فهذه الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم تدل على أن مقاربة الخطى واردة . والله
أعلم .
7 =
فضل المشي إلى المساجد ، وذلك أن من مشى إلى الصلاة " لم يَخطُ خطوة إلا رفعت
له بها درجة وحُطّ عنه بها خطيئة " .
8 =
معنى صلاة الملائكة .
أي دعاء الملائكة لمن صلى وجلس في مُصلاه ما لم يُحدِث أو يخرج من المسجد .
قال أبو العالية : صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة ، وصلاة الملائكة الدعاء
. علّقه البخاري .
9 =
فضل انتظار الصلاة ، وأن من انتظر الصلاة فهو في حُكم المصلّي ، فلا يُشبِّك
بين أصابعه ، والأفضل أن يشتغل بِذِكر الله وقراءة القرآن إن كان يُحسن قراءة
القرآن .