ح 56
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : أعتم النبي صلى الله عليه وسلم
بالعِشاء ، فخرج عمر فقال : الصلاة يا رسول الله ! رقد النساء والصبيان ، فخرج
- ورأسه يقطر - يقول : لولا أن أشق على أمتي - أو على الناس - لأمرتهم بهذه
الصلاة هذه الساعة .
في الحديث مسائل :
1 =
هذا الحديث رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : أعتم النبي صلى
الله عليه وسلم ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل ، وحتى نام أهل المسجد ، ثم خرج
فصلى ، فقال : إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي
وفي رواية لمسلم قالت : أعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي
بصلاة العشاء ، وهي التي تُدعى العتمة ، فلم يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم
حتى قال عمر بن الخطاب : نام النساء والصبيان ، فخرج رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، فقال لأهل المسجد - حين خرج عليهم - : ما ينتظرها أحد من أهل الأرض
غيركم ، وذلك قبل أن يفشو الإسلام في الناس .
وفي رواية لمسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : نَظَرْنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم ليلة حتى كان قريب من نصف الليل ، ثم جاء فصلى ، ثم أقبل علينا
بوجهه .
ومعنى ( نَظرنا ) أي انتظرنا .
وفي الصحيحين عن أبي موسى رضي الله عنه قال : كنت أنا وأصحابي الذين قدموا معي
في السفينة نزولا في بقيع بُطحان ، والنبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، فكان
يتناوب النبي صلى الله عليه وسلم عند صلاة العشاء كل ليلة نَـفَـرٌ منهم ،
فوافقنا النبي عليه الصلاة والسلام أنا وأصحابي وله بعض الشغل في بعض أمره ،
فأعتم بالصلاة حتى ابهارّ الليل ، ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بهم ،
فلما قضى صلاته قال - لمن حضره - : على رِسلكم ! أبشروا إن من نعمة الله عليكم
أنه ليس أحد من الناس يصلي هذه الساعة غيرُكم - أو قال - : ما صلى هذه الساعة
أحدٌ غيرُكم ( لا يدري أي الكلمتين قال ) قال أبو موسى : فرجعنا ففرحنا بما
سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال ابن الأثير في " ابهارّ الليل " أي انتصف ، وبُهرة كل شيء وسطه ، وقيل :
ابهار الليل إذا طلعت نجومه واستنارت ، والأول أكثر . اهـ .
2 =
سبقت الإشارة في حديث أبي برزة رضي الله عنه إلى كراهة تسمية العشاء بـ "
العَتمة " ، وأن بعض السلف استعمل هذا التعبير ، بل ورد في بعض الأحاديث ، ومن
هنا حمل العلماء النهي على الكراهة .
3 =
وقت صلاة العشاء إلى نصف الليل
وقد تقدّمت الإشارة إلى حديث عبد الله بن عمرو في المواقيت ، وفيه : ووقت صلاة
العشاء إلى نصف الليل الأوسط . رواه مسلم .
هذا وقت الاختيار ، ووقت الاضطرار يمتد إلى طلوع الفجر .
4 =
شفقة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته ورأفته بهم ، ولذلك قال في هذا الحديث :
لولا أن أشق على أمتي
5 =
فضل تأخير صلاة العشاء لمن لم يشقّ عليه ، ولم يخش غلبة النوم ، فإن كان منفردا
فتأخيرها أفضل ما لم يتجاوز نصف الليل ، وإن كان إماماً راعى حال الناس .
6 =
فيه دليل على جواز حضور النساء والصبيان للمساجد ، وحضور صلاة العشاء .
وفي حديث أنس رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع بكاء
الصبي مع أمه وهو في الصلاة ، فيقرأ بالسورة الخفيفة ، أو بالسورة القصيرة .
رواه البخاري ومسلم .
7 =
فيه دليل على أن النوم اليسير لا ينقض الوضوء ، وقد تقدّمت هذه المسألة بشيء من
التفصيل .
8 =
فيه الإشارة إلى قوة عمر رضي الله عنه في الحق ، وهذا معروف في سيرته رضي الله
عنه .
ولذلك لما نام النبي صلى الله عليه وسلم لم يجرؤ أحد على إيقاظه ، حتى استيقظ
عمر رضي الله عنه فجعل يُكبِّر ، كما في الصحيحين من حديث عمران بن حصين رضي
الله عنه .