|
الصلاة في اللغة :
الدعاء
ومنه قوله سبحانه وتعالى : ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ
وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ )
ولذا كان امتثال النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الأمر الرباني أنه إذا جاءه أحد
بصدقته دعا له
روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن أبي أوفى قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم
إذا أتاه قوم بصدقتهم قال : اللهم صل على آل فلان ، فأتاه أبي بصدقته ، فقال :
اللهم صل على آل أبي أوفى .
وهذا يدلّنا على أن الحقيقة الشرعية مُقدّمة على الحقيقة اللغوية
فلو وقف واقف عند بيت الله ودعا الساعات الطوال ما كفاه ذلك ولا أجزأه عن
الصلاة .
والصلاة في الاصطلاح :
أفعال مخصوصة بنية مخصوصة في أوقات مخصوصة مُفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم .
والصلاة هي صِلة بين العبد وبين ربّه
ولأهمية الصلاة فرضها الله عز وجل على نبيِّه صلى الله عليه وسلم من فوق سبع
سماوات ، كما في حديث الإسراء والمعراج المتفق عليه .
وهذا يعني أنها فُرضت والنبي صلى الله عليه وسلم بمكة ، بل فُرض عليه قيام
الليل وهو بمكة .
ولِعِظم مكانة الصلاة سماها الله عز وجل إيماناً ، فقال عن صلاتهم التي صلّوها
إلى بيت المقدس : (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ )
قال الإمام البخاري رحمه الله : باب الصلاة من الإيمان وقول الله تعالى : (
وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ )
يعني صلاتكم عند البيت .
والصلاة هي وصية رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عند حلول الموت ونزول
السّكَرات ، فكان آخر كلامه صلى الله عليه وسلم : الصلاة الصلاة ، اتقوا الله
فيما ملكت أيمانكم . رواه الإمام أحمد وأبو داود .
وهي - أي الصلاة - أول ما يُحاسب عنه العبدُ يوم القيامة ، لما رواه الإمام
أحمد وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال : أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة . قال : يقول ربنا
عز وجل للملائكة - وهو أعلم - انظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها ؟ فإن كانت
تامة كتبت له تامة ، وإن كان انتقص منها شيئا قال : انظروا هل لعبدي من تطوّع ؟
فإن كان له تطوّع قال : أتموا لعبدي فريضته من تطوعه ، ثم تؤخذ الأعمال على ذلك
.
وهي - أي الصلاة - عمود الدين ، فأي بقاءٍ لخيمةٍ بعد ذهاب عمودها ؟
قال عليه الصلاة والسلام : رأس الأمر الإسلام ، وعموده الصلاة ، وذروة سنامه
الجهاد . رواه الإمام أحمد والترمذي وغيرهما .
وقد أمر الله رسوله والمؤمنين بالصلاة حال القتال .
قال تبارك وتعالى : ( وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ
فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا
سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ
يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ
)
فلو كان أحد يُعذر بترك الصلاة لعُذر المصافّ للعدو ، أو لعُذِر الذي يُقاتِل
العدو في شدّة قتاله .
ولم يُرخّص النبي صلى الله عليه وسلم في ترك الصلاة جماعة للرجل الأعمى الذي
جمع من الأعذار :
عمى البصر
بُعد الدار
ليس له قائد يُلائمه
وفي طريقه الهوامّ
بل لم يتركها النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مرض الموت ، بل كان يسأل في مرض
موته : أصلى الناس ؟ كما في الصحيحين .
ولأهمية الصلاة وكبير مكانتها في الإسلام جعلها الله حدّاً فاصلا بين الكفر
والإسلام
فقال : ( فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ
فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ )
وجعلها النبي صلى الله عليه وسلم أيضا حدا فاصلا بين الإسلام والكفر فقال : بين
الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة . رواه مسلم .
ولذا قال التابعي شقيق بن عبد الله البلخي : كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
لا يَرون شيئا من الأعمال تركه كفرٌ غير الصلاة .
وفي وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي الدرداء أنه قال له : لا تشرك
بالله شيئا وإن قُطِّعت أو حُرِّقت ، ولا تتركن الصلاة المكتوبة متعمداً ، ومن
تركها متعمداً برئت منه الذمة ، ولا تشربن الخمر فإنها مفتاح كل شر . رواه ابن
ماجه .
وقال عليه الصلاة والسلام : إن العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد
كفر . رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه .
فمن ترِك الصلاة وجبت عليه التوبة وبدأ من جديد واستأنف العمل .
وليس عليه قضاء ما فاته من صلوات لأنه لا يُتقبّل منه ،بل عليه التوبة النصوح .
فالصحيح أن تارك الصلاة كافر بالله ، لا يجوز أن يُصلّى عليه ، ولا أن يُغسّل ،
ولا أن يُدفن في مقابر المسلمين ولا يجوز أن يُترحّم عليه ، ولا يورث ولا يرث
إن مات له قريب .
فالنبي صلى الله عليه وسلم عبّر بـ " التّـرك " وألفظ الشارع مقصودة لذاتها .
وإذا سُئل أهل النار عما أدخلهم النار ( مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ) فأول ذنب
يذكرونه : ( قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ )
وقد توعّد الله المتهاونين بها المتكاسلين عنها ، فقال : ( فَوَيْلٌ
لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ )
هذا مع أنه أثبت أنهم من المصلّين ، فكيف بالتاركين ؟؟
وقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يُشدّدون في مجرّد ترك الصلاة
ولذا قال شقيق بن عبد الله البلخي – وهو من التابعين - : كان أصحاب محمد صلى
الله عليه وسلم لا يَرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة .
روى الإمام مالك في الموطأ أن المسور بن مخرمة دخل على عمر بن الخطاب من الليلة
التي طُعن فيها فأيقظ عمر لصلاة الصبح ، فقال عمر : نعم ! ولا حـظّ في الإسلام
لمن ترك الصلاة ، فصلى عمر وجرحه يثعب دما .
فما عُذرُ امرئٍ يتركَ الصلاة وهو أنشطُ ما يكون ؟ وعمرُ يُصلّي وجُرحه يثعبُ
دماً ، حتى إنه سُقيَ اللبنُ فخرج من جُرحه .
وصحّ عن عمر رضي الله عنه أنه قال على المنبر : لا إسلام لمن لم يُصلِّ .
وكان ذلك بمرأى من الصحابة ولم يُنكروا عليه أو يُخالِفوه .
قال ابن مسعود رضي الله عنه : من ترك الصلاة فلا دين له .
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه : لا إيمان لمن لا صلاة له ، ولا صلاة لمن لا
وضوء له .
وقال أيوب السختياني : تركُ الصلاةِ كفرٌ لا يُختلف فيه .
وقال سفيان بن عيينة : المرجئة سمَّـوا ترك الفرائض ذنباً بمنـزلة ركوب المحارم
وليس سواء لأن ركوب المحارم متعمدا من غير استحلال معصية ، وترك الفرائض من غير
جهل ولا عذر هو كفر
وقد استدل الإمام أحمد وغيره على كفر تارك الصلاة بكفر إبليس بترك السجود لآدم
، وترك السجود لله أعظم .
فمن ترك الصلاة فبِه شَبَهٌ من إبليس لأنه ترك السجود لله والخضوع له والانقياد
لأمره .
وقال إسماعيل بن سعيد : سألت أحمد بن حنبل عن من ترك الصلاة متعمداً ، فقال :
لا يكفر أحدٌ بذنبٍ إلا تارك الصلاة عمداً ، فإن تَرَكَ صلاةً إلى أن يدخل وقت
صلاةٍ أخرى يُستتاب ثلاثا .
وقال أبو أيوب سليمان بن داود الهاشمى : يُستتاب إذا تركها متعمداً حتى يذهب
وقتها ، فإن تاب وإلا قُتل ، وبه قال أبو خيثمة .
وقال وكيع بن الجراح عن أبيه في الرجل يحضره وقت صلاة فيُقال له : صَلِّ ، فلا
يُصلى . قال : يؤمر بالصلاة ويُستتاب ثلاث صلوات ، فإن صلى وإلا قُتل .
وقال محمد بن نصر المروزي : سمعت إسحاق يقول : قد صحّ عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن تارك الصلاة كافر ، وكذلك كان رأى أهل العلم من لدن النبي صلى
الله عليه وسلم إلى يومنا هذا أن تارك الصلاة عمداً من غير عذر حتى يذهب وقتُها
كافر .
ودخول الجنة بشفاعة الشافعين كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة الذي
رواه أبو هريرة وأبو سعيد جميعا رضى الله عنهما أنـهم يخرجون من النار يعرفون
بآثار السجود ، فقد بين لك أن المستحقين للخروج من النار بالشفاعة هم المصلون ،
أولا ترى أن الله تعالى مَيّزَ بين أهل الإيمان وأهل النفاق بالسجود فقال تعالى
: ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا
يَسْتَطِيعُونَ )
وقال الله تعالى : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ ) ، (
وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ )
أفلا تراه جعل علامة ما بين ملة الكفر والإسلام وبين أهل النفاق والإيمان في
الدنيا والآخرةِ : الصلاة
وفوائد الصلاة أكثر من أن تُحصر
فضلا عن أنها ممحاة للذنوب ، مجلبة للرزق .
باب المواقيت
افتتح المصنف رحمه الله كتاب الصلاة بهذا الباب ،
وهو :
باب المواقيت
والمواقيت :
جمع ميقات ، وهو مأخوذ من الوقت .
وهو في اللغة :
الوقت المضروب للفعل ويُطلق على الموضع .
ولذا يُقال في مواقيت الحج : مواقيت مكانية وزمانية .
وفي الاصطلاح :
الأوقات المحددة للصلوات من قِبل الشارع .
والأصل في ذلك قوله تبارك وتعالى : ( إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا)
وفي وصية أبي بكر رضي الله عنه لعمر : إني موصيك بوصية إن أنت حفظتها ؛ إن لله
حقا بالنهار لا يقبله بالليل ، وإن لله حقا بالليل لا يقبله بالنهار ، وإنه لا
يقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة . رواه ابن أبي شيبة .