شرح أحاديث عمدة
الأحكام
شرح الحديث الـ 42 " أُعطيت خمسا "
عبد الرحمن بن عبد الله
السحيم
شرح الحديث الـ 42
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
أُعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي :
نُصرت بالرعب مسيرة شهر
وجُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلِّ
وأُحلّت لي الغنائم ، ولم تُحلّ لأحد قبلي
وأعطيت الشفاعة
وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة ، وبعثت إلى الناس عامّة .
في الحديث مسائل :
1 = هذه مما أعطاه الله نبيه
صلى الله عليه وسلم وفضّله به على
سائر الأنبياء ، وهي مما اختص الله عز وجل به هذه الأمة ، إلا الشفاعة فهي له
عليه الصلاة والسلام خاصة .
2 = نُصرت بالرعب مسيرة شهر
أي أن العدو يُلقى في قلوبهم الرعب من
مسافة شهر
ولذا بوّب عليه الإمام البخاري : باب قول النبي صلى الله عليه وسلم نصرت
بالرعب مسيرة شهر ، ثم ساق طرفا من قصة هرقل مع أبي سفيان وفيه : أن هرقل
أرسل إليه وهم بإيلياء ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما فرغ
من قراءة الكتاب كثر عنده الصخب ، فارتفعت الأصوات ، وأُخرجنا ، فقلت لأصحابي
حين أخرجنا : لقد أمِر أمر ابن أبي كبشة ، إنه يخافه ملك بني الأصفر !
يعني بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد خاف هرقل وهو بالشام والنبي صلى
الله عليه وسلم بالمدينة .
3 = قوله :
وجُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلِّ
هذا هو الشاهد من الحديث للباب
وهو أن الأرض في الأصل طاهرة مُطهّرة ، فمن أدركته الصلاة ولا مسجد ولا جماعة
عنده فإنه يُصلّي كالمسافر أو الرجل في البادية .
فالأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام ، كما قال عليه الصلاة والسلام .
ومن أدركته الصلاة ولم يجد الماء مع التحرّي أو عجز عن استعمال الماء فإنه
يتيمم .
4 = وأُحلّت لي الغنائم ، ولم تُحلّ
لأحد قبلي
هذا من رحمة الله بهذه الأمة
فإن الأمم السابقة كانوا يجمعون الغنائم ثم تأتي نار من السماء فتحرقها
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
غزا نبي من الأنبياء ، فقال لقومه : لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن
يبني بها ، ولما يبن بها ، ولا أحد بنى بيوتا ولم يرفع سقوفها ، ولا أحد
اشترى غنما أو خلفات وهو ينتظر ولادها ، فغزا فدنا من القرية صلاة العصر أو
قريبا من ذلك فقال للشمس : إنك مأمورة وأنا مأمور ، اللهم احبسها علينا ،
فحُبست حتى فتح الله عليه ، فجَمع الغنائم ، فجاءت - يعني - النار لتأكلها
فلم تطعمها ، فقال : إن فيكم غلولا ، فليبايعني من كل قبيلة رجل ، فلزقت يد
رجل بيده ، فقال : فيكم الغلول ، فلتبايعني قبيلتك ، فلزقت يد رجلين أو ثلاثة
بيده ، فقال : فيكم الغلول ، فجاؤوا برأس مثل رأس بقرة من الذهب فوضعوها ،
فجاءت النار فأكلتها ، ثم أحل الله لنا الغنائم رأى ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا
.
وهذا النبي هو النبي هو يوشع بن نون عليه الصلاة والسلام .
5 = وأعطيت الشفاعة
وشفاعته صلى الله عليه وسلم أنواع :
1 - الشفاعة العُظمى لأهل الموقف أي
أنها لجميع أهل المحشر كما في حديث الشفاعة الطويل .
2 -
شفاعته في أقوام قد تساوت حسناتهم وسيئاتهم فيشفع فيهم ليدخلوا الجنة .
3 -
شفاعته في أقوام آخرين قد أُمِر بهم الى النار أن لا يدخلوها ، وهم من أهل
التوحيد .
4 -
شفاعته في رفع درجات من يدخل الجنة فيها فوق ما كان يقتضيه ثواب أعمالهم .
5 -
شفاعتة في أقوام أن يدخلوا الجنة بغير حساب .
6 -
شفاعة في تخفيف العذاب عمن يستحقه ،كشفاعته في عمه أبي طالب أن يخفف عنه
عذابه .
7 -
شفاعته أن يُؤذن لجميع المؤمنين في دخول الجنة .
8 -
شفاعته في أهل الكبائر من أمته ممن يدخل النار فيخرجون منها وقد تواترت بهذا
النوع الأحاديث .
وهذه الأنواع ذكرها ابن أبي العز في شرح الطحاوية .
6 = وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة ،
وبعثت إلى الناس كافة .
كان النبي من الأنبياء يُبعث إلى قومه
خاصة ؛ لأن بعده أنبياء ، أما نبينا صلى الله عليه وسلم فبُعث إلى الناس عامة
بل إلى الثقلين إذ هو خاتم الأنبياء فلا نبي بعده .
قال سبحانه وتعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِّلنَّاسِ
بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ )
وقال تبارك وتعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ )
وقال عليه الصلاة والسلام : والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة
يهودي ولا نصراني ، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به ، إلا كان من أصحاب
النار . رواه مسلم .