الحديث الثاني :
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال :
لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى
يتوضأ
. متفق عليه .
في رواية للبخاري : قال رجل من حضرموت : ما الحدث يا أبا هريرة ؟ قال : فساء
أو ضراط .
" لا يقبل الله صلاة أحدكم "
هذا لفظ يشمل الذكر والأنثى ، وإن كان
الخطاب للرجال عامة إلا أن الخطاب في الشريعة يعمّ الرجال والنساء كما قال
ابن القيّم - رحمه الله - .
وهذا النفي نفيٌ للقبول ونفيٌ للصحة .
وهذا النفي مختصٌ بمن ترك الوضوء ولا عذر له في تركه .
وهذا الحديث نصٌّ في وجوب الطهارة وأنها شرط لصحة الصلاة ، وهو إجماع . كما
قال ابن الملقِّن .
والصلاة بغير طهارة من غير عُذر مُحرّمة .
=
والحدث حدَثان :
حدث أكبر ، وهو الجنابة ، وسيُفرِد له المصنف باباً مستقلا .
وحدث أصغر ، وهو ما دون ذلك .
والحدث الأصغر نوعان :
مُجمع عليه
ومُختَلف فيه .
=
ونواقض الوضوء التي قام عليه الدليل
هي :
1 -
الخارج من السبيلين القبل أو الدبر
والخارج منهما عشرة أنواع هي :
الغائط
البول
المني
المذي
الوَدْي
الروائح
دم الحيض
دم الاستحاضة
دم النفاس
رطوبة فرج المرأة
وهي تنقض الوضوء .
وهي نجسة ما عدا :
المني والروائح ورطوبة فرج المرأة .
=======
=
فالأول دليله قوله تعالى : ( وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ
جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ
تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ
وَأَيْدِيكُمْ ) .
ومن السُّنّة حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يأمرنا إذا كنا مسافرين أن نمسح على خفافنا ولا ننزعها ثلاثة أيام
من غائط وبول ونوم إلا من جنابة . رواه الإمام أحمد والترمذي وغيرهما ، وهو
حديث صحيح .
وهذا الدليل دلّ على ثلاثة نواقض من نواقض الوضوء :
الغائط والبول والنوم .
وما يتعلق بالمني سيأتي في باب الغسل .
وما يتعلق بالمذي سيأتي في باب مستقل أيضا .
ويأتي ما يتعلق بالودي ، والفرق بين هذه الأشياء .
=
وأما الروائح التي تخرج من الدبر ، فقد تقدّم فيها كلام أبي هريرة رضي الله
عنه أنه الفساء أو الضراط .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه
أخرج منه شيء أم لا ، فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا . رواه
مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وهو متفق عليه من حديث عبد الله بن
زيد – رضي الله عنه –
وعن علي بن طلق قال : أتى أعرابيٌّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال : يا
رسول الله الرجل منا يكون في الفلاة فتكون منه الرويحة ، ويكون في الماء
قِـلّـة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا فسـا أحدكم فليتوضأ ، ولا
تأتوا النساء في أعجازهـن ، فإن الله لا يستحي من الحق . رواه الترمذي وحسّنه
.
وأما الأربعة الأخيرة من الخارج من السبيلين فنؤجّلها إلى باب الحيض .
وأما بقية نواقض الوضوء ، فهي
بالإضافة إلى ما سبق :
2 -
زوال العقل ، فهو ناقض من نواقض الوضوء ، وهو يكون بأمور :
أ - النوم المُستغرق ، وتقدّم دليله في حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه .
والنوم مَظِنّة الحدث ، فإذا نام نوما عميقا لا يشعر بنفسه ولا بما حوله فإنه
يتنقض وضوءه ، أما النوم الخفيف فإنه لا ينقض ، وعلى هذا يُحمل ما ورد عن
الصحابة في عهده عليه الصلاة والسلام أنه ما صلّى عليه الصلاة والسلام يوما
حتى نام القوم . كما في صحيح مسلم .
وفي رواية لأبي داود : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون
العشاء الآخرة حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضؤون .
فهذا يُحمل على النوم اليسير الذي لا يغيب فيه الوعي غيابا كاملا .
ب – ويكون زوال العقل بالإغماء والجنون والسكر ونحو ذلك ، وهو يُوجب الوضوء
لمن أراد الصلاة .
بدليل قوله عليه الصلاة والسلام : رُفِع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى
يستيقظ ، وعن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يعقل . رواه الإمام أحمد
وأهل السُّنن .
وبدليل أنه صلى الله عليه وسلم لما ثَقُل قال : أصلى الناس ؟ قالت عائشة :
قلنا : لا ، وهم ينتظرونك يا رسول الله . قال : ضعوا لي ماء في المخضب ،
ففعلنا ، فاغتسل ، ثم ذهب لينوء ، فأغمي عليه ، ثم أفاق ، فقال : أصلى الناس
؟ قلنا : لا ، وهم ينتظرونك يا رسول الله ، فقال : ضعوا لي ماء في المخضب ،
قالت : ففعلنا ، فاغتسل ، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ، ثم أفاق ، فقال : أصلى
الناس ؟ قلنا : لا ، وهم ينتظرونك يا رسول الله ، فقال : ضعوا لي ماء في
المخضب ، ففعلنا ، فاغتسل ، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ، ثم أفاق ، فقال : أصلى
الناس ؟ فقلنا : لا ، وهم ينتظرنك يا رسول الله . قالت : والناس عكوف في
المسجد ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة . قالت :
فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر أن يصلي بالناس ... الحديث .
متفق عليه .
3-
مس الفرج عموما من غير حائل يحول بين اليد والفرج ، ويُشترط لذلك شرطان :
الأول : أن يكون المسّ بشهوة .
الثاني : أن يكون من غير حائل ، يعني يمسه مباشرة .
ودليله حديث بسرة بنت صفوان رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول : من مس ذكره فليتوضأ . رواه الإمام أحمد وأبوداود وغيرهما ، وهو
حديث صحيح .
ودليل التفريق بين المسٍّ بشهو والمسّ من غير شهوة
حديث طلق بن علي رضي الله عنه قال : قدمنا على نبي الله صلى الله عليه وسلم
فجاء رجل كأنه بدوي ، فقال : يا نبي الله ما ترى في مس الرجل ذكره بعد ما
يتوضأ ؟ فقال : هل هو إلا مضغة منه ، أو قال بضعة منه . رواه الإمام أحمد
وأبو داود وغيرهما .
وفي رواية : هل هو إلا بضعة منك .
أي قطعة من جسدك .
وعلى هذا فإذا مسّت المرأة فرج صبيّها أثناء تنظيفه فليس عليها وضوء .
4-
ومن نواقض الوضوء أكل لحم الجزور .
يعني لحم الإبل .
ودليله قوله عليه الصلاة والسلام لما سُئل : أأتوضأ من لحوم الغنم ؟ قال : إن
شئت فتوضأ ، وإن شئت فلا توضأ . قال : أتوضأ من لحوم الإبل ؟ قال : نعم ،
فتوضأ من لحوم الإبل . رواه مسلم من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه .
وليس المقصود هو اللحم فحسب ، بل أطلق اللحم لأنه هو الغالب ، وإلا فإن
الحُكم يشمل جميع أجزاء الإبل .
بدليل قوله تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ
الْخِنْزِيرِ ) .
فالتعبير هنا بـ ( لحم الخنزير ) وإن كان الحُكم يشمل جميع أجزاءه من لحم
وشحم وعصب وغير ذلك .
ولما ذكر الصنعاني - رحمه الله – الحديث المتقدم ذكر بعده حديث البراء بن
عازب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : توضئوا من لحوم الإبل ولا
توضئوا من لحوم الغنم . قال ابن خزيمة لم أرَ خلافا بين علماء الحديث أن هذا
الخبر صحيح من جهة النقل لعدالة ناقليه . ثم قال - رحمه الله - : والحديثان
دليلان على نقض لحوم الإبل للوضوء ، وأن من أكلها انتقض وضوؤه . انتهى .
ولعل السبب في ذلك أن الإبل فيها مادة شيطانية ، فلذا أُمِر من أكلها أن
يتوضأ .
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : على ظهر كل بعير شيطان ، فإذا
ركبتموها فسموا الله عز وجل ، ثم لا تقصروا عن حاجاتكم . رواه الإمام أحمد
والدارمي ، وابن حبان ، والحاكم ، وصححه الألباني في صحيح الجامع .
وعدّ بعض العلماء الردة من نواقض الوضوء ؛ لأن الردة تُحبط العمل .
= ومن الأشياء التي تشتهر عند بعض الناس أنها تنقض الوضوء ، ولم يدلّ عليها
الدليل :
القيء – الرّعاف – مس المرأة – خروج الدم من غير السبيلين .
فهذه الأشياء لا تنقض الوضوء .
وأما حمل الميت فالوضوء منه مُستحب للحديث الوارد في ذلك، والغسل من تغسيله
سيأتي في باب الغسل .