شرح أحاديث عمدة
الأحكام
الحديث السابع عشر : في النهي عن
الاستنجاء باليد اليمنى
عبد الرحمن بن عبد الله
السحيم
الحديث السابع عشر :
عن أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
لا يُمسِكن أحدكم ذكره بيمينه وهو
يبول ، ولا يتمسح من الخلاء بيمينه ، ولا يتنفس في الإناء
.
فيه مسائل :
=
هذه رواية الإمام مسلم .
ورواه الإمام البخاري بألفاظ فيها تقديم وتأخير .
فقد رواه بلفظ : إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء ، وإذا أتى الخلاء فلا
يمس ذكره بيمينه ، ولا يتمسح بيمينه .
كما رواه بلفظ : إذا بال أحدكم فلا يأخذن ذكره بيمينه ، ولا يستنج بيمينه ،
ولا يتنفس في الإناء .
وبلفظ : إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء ، وإذا بال أحدكم فلا يمسح ذكره
بيمينه ، وإذا تمسح أحدكم فلا يتمسّح بيمينه .
وهي ألفاظ متقاربة .
=
هذه الأمور من آداب الإسلام العِظام التي سبق بها الحضارات المادية ، بل
تخلّفت الحضارات المادية المعاصرة عن هذه الآداب التي تتضمن الفوائد الطبية
والنفسية وغيرها .
=
في هذا الحديث النهي عن ثلاثة أمور :
1 - الاستنجاء باليمين
2 - إمساك الذّكر باليمين حال البول .
3 - التنفس في الإناء عند الشرب .
=
النهي للتنزيه ، وهو قول الجمهور . حكاه ابن حجر .
وقال في الفتح : ومحل هذا الاختلاف حيث كانت اليد تباشر ذلك بآلة غيرها ،
كالماء وغيره ، أما بغير آلة فحرام غير مجزئ بلا خلاف ، واليسرى في ذلك
كاليمنى ، والله أعلم .
=
كيف يفعل إذا استجمر ؟
إذا أمسك ذكره بيمينه وقع في النهي .
وإذا أمسك الحجر بيمينه باشر الاستجمار أو النجاسة بيمينه .
قال ابن حجر بعد أن حكى الأقوال في كيفية الاستنجاء بعد البول :
والمس ( يعني مسّ الذَّكر ) وأن كان مختصا بالذَّكر لكن يلحق به الدُّبر
قياسا ، والتنصيص على الذَّكر لا مفهوم له بل فرج المرأة كذلك ، وإنما خص
الذَّكر بالذِّكر لكون الرجال في الغالب هم المخاطبون ، والنساء شقائق الرجال
في الأحكام إلا ما خُـصّ ... والصواب أنه يُمِرّ العضو بيساره على شيء يُمسكه
بيمينه وهي قارة غير متحركه فلا يُعد مستجمرا باليمين ولا ماسّاً بها ، ومن
ادعى أنه في هذه الحالة يكون مستجمراً بيمينه فقد غلط ، وإنما هو كمن صب
بيمينه الماء على يساره حال الاستنجاء . انتهى .
=
المرأة شقيقة الرجل فهي تُخاطب بذلك كما يُخاطب الرجل .
=
هل يلحق بالنهي مسّ العضو باليمين عند الجماع ؟
الصحيح أنه لا يلحق ؛ لأن النهي مُختصّ بالبول دون غيره .
وذَكَرَ ابن حجر أن ابن أبي جمرة استدل على الإباحة بقوله صلى الله عليه وسلم
لطلق بن على حين سأله عن مس ذكره : إنما هو بضعة منك . فدلّ على الجواز في كل
حال ، فخرجت حالة البول بهذا الحديث الصحيح ( حديث الباب ) ، وبقي ما عداها
على الإباحة . انتهى .
=
هذا النهي يدلّ على احترام اليمين ، إذ هي محلّ التكريم والتقديم والتسليم
والأخذ والإعطاء ، كما تقدّم في شرح الحديث العاشر .
=
كراهة التنفّس في الإناء أثناء الشرب ، وهذا فيه ناحية نفسيّـة وطبيّـة .
ناحية نفسية ، وذلك أن من سوف يشرب بعده قد يكره الشرب من الإناء ، وقد
تتغيّر رائحة الماء إذا كان المتنفّس مريضا .
ناحية طبية ، وذلك أن الأمراض تنتقل عن طريق التّنفّس .
وناحية طبيّـة للشارب نفسه ، إذ أنه إذا أبعد الإناء عن فمه تنفّس بهدوء ثم
يشرب مرة أخرى .
ولذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتنفس في الشراب ثلاثا ويقول : إنه
أروى وأبرأ وأمرأ . قال أنس : فأنا أتنفس في الشراب ثلاثا . رواه مسلم .
وقد سأل مروان بن الحكم أبا سعيد الخدري فقال : أسمعت من رسول الله صلى الله
عليه وسلم ينهى عن النفخ في الشراب ؟ فقال له أبو سعيد . نعم . فقال له رجل :
يا رسول الله إني لا أروى من نفس واحد . فقال له رسول الله صلى الله عليه
وسلم : فأبِن القدح عن فيك ، ثم تنفس . قال : فإني أرى القذاة فيه . قال :
فأهرقها . رواه الإمام أحمد والإمام مالك وابن حبان والبيهقي في شعب الإيمان
وغيرهم وصححه الألباني .
ومعنى ( فأبِن ) أي : فأبعد .
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب من ثلمة القدح ، وأن ينفخ في
الشراب . رواه الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما ، وهو حديث حسن ، كما قال
الألباني .
ويلحق بهذا النهي النفخ في الإناء خاصة إذا كان هناك من يشرب بعده .
قال الحليمي : وهذا لأن البخار الذي يرتفع من المعدة أو ينزل من الرأس وكذلك
رائحة الجوف قد يكونان كريهين ، فإما إن يعلقا بالماء فيضرّا ، وإما أن يفسدا
السؤر على غير الشارب ؛ لأنه قد يتقذر إذا علم به ، فلا يشرب . نقله عنه
الإمام البيهقي ثم قال :
وذكر كليب الجرمي أنه شهد عليا رضي الله عنه نهى القصّابين عن النفخ في اللحم
، وهو نظير النفخ في الطعام والشراب الذي جاء النهي عنه ؛ لأن النكهة ربما
كانت كريهة فكرّهت اللحم وغيّرت ريحه ، وقد عرف ذلك بالتجارب .