هل صحيح أنه يوجد سرّ في حَذف " يا " النداء قبل الدعاء في القرآن ؟
والسر البلاغي في ذلك :
أن ( يا ) النداء تستعمل لنداء البعيد ، والله تعالى أقرب لِعَبْدِه
مِن حَبْل الوَرِيد ، فكان مقتضى البلاغة حذفها .
لا تقف عندك ( إذا أحببت) فهناك مَن لا يعلم سِرّ حَذف حرف النداء ( يا
) قبل الدعاء .
فما صحة ذلك ؟
_____________________________________
الجواب :
هذا غير صحيح على إطلاقه ، فقد وَرَد في السُّنّة الدعاء بـ (يا رب) ،
وبـ (يا الله)
ومنه ما وَرَد على ألْسِنة الملائكة ، ومِنه ما وَرَد على ألْسِنَة
الأنبياء . فَمِنْه :
قول الخليل عليه السلام يوم القيامة : فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ : يَا
رَبِّ إِنَّكَ
وَعَدْتَنِي أَنْ لاَ تُخْزِيَنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ ... رواه البخاري
.
وقول نَبِيّنا صلى الله عليه وسلم يوم القيامة : فَأَقُولُ: يَا
رَبِّ أَصْحَابِي
... رواه البخاري ومسلم .
وفي حديث الشفاعة : فَأَقُول : أُمَّتِي يَا
رَبِّ ،
أُمَّتِي يَا
رَبِّ ،
أُمَّتِي يَا
رَبِّ ..
رواه البخاري ومسلم .
وفي حديث أبي هريرة : ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ
أَشْعَثَ أَغْبَرَ ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ ، يَا
رَبِّ ، يَا رَبِّ .
رواه مسلم .
وهذا دال على جَواز الإلحاح على الله بقول : يَا رَبِّ ، يَا رَبِّ .
ولَمّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَسْجِدَ ،
فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدْ قَضَى صَلاَتَهُ ، وَهُوَ يَتَشَهَّدُ
وَهُوَ يَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ يَا
اللَّهُ الأَحَدُ
الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ
كُفُوًا أَحَدٌ أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ
الرَّحِيمُ . فَقَال : قَدْ غُفِرَ لَهُ قَدْ غُفِرَ لَهُ . ثَلاَثًا .
رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي ، وصححه الألباني والأرنؤوط .
وفي حديث أنس رضي الله عنه أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
جالِسًا وَرَجُل يُصلي ، ثم دعا : اللهم إني أسألك بِأنّ لك الحمد ، لا
إله إلا أنت المنان ، بَديع السموات والأرض ، يا
ذا الجلال
والإكرام ، يا
حي يا
قيوم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لقد دعا الله باسمه العظيم ،
الذي إذا دُعِي به أجَاب ، وإذا سُئل به أعْطَى . رواه الإمام أحمد
وأبو داود والترمذي والنسائي ، وَصحّحه الألباني والأرنؤوط .
وكان السَّلَف يَدْعُون الله بِحرف النداء (يا)
قال سَهْم بن مِنْجاب : غَزَوْنا مع العلاء بن الحضرمي , فَسِرْنا حتى
أتينا دَارِين ، والبحر بَيْنَنا وبينهم ، فقال : يا عليم يا حليم يا
علي يا عظيم إنّا عَبيدك , وفي سَبيلك نُقَاتل عَدوك , اللهم فاجْعَل
لنا إليهم سبيلا . فَتَقَحّم بِنَا البَحر ، فخُضْنا ما يَبْلُغ
لُبُودَنا الماء , فخَرَجنا إليهم . رواه عبد الله بن الإمام أحمد في "
الزّهد " لأبيه ، ومِن طريقه : رواه أبو نُعيم في " حلية الأولياء " ،
رَوَاهُ ابنُ أبي الدنيا في "مجابو الدعوةِ " . وروى نحوه الطبراني مِن
قول أبي هريرة رضي الله عنه .
وقال عمر بن عبد العزيز : اللهم إن لم أكُن أهلاً أن أبْلُغ رَحْمتك ،
فإن رَحْمتك أهل أن تَبْلُغني ، رَحْمتك وَسِعَت كل شيء ، وأنا شيء ،
فَلْتَسَعْنِي رَحْمتك يا
أرحم الراحمين
. رواه أبو نُعيم في " حلية الأولياء " .
ورَوى ابن بشكوال في كتاب " المستغيثين بالله " بِسَنَدِه إلى الليث بن
سعد قال : حَجَجْتُ سنة ثلاث عشرة ومائة ، فأتيت مكة ، فلما أن صَلّيت
العصر رَقيت أبا قُبيس ، فإذا أنا بِرَجُل جالس وهو يدعو ، فقال : يا
رب يا رب حتى
انقطع نفسه ، ثم قال : يا
رَبّاه حتى
انقطع نفسه ، ثم قال : يا
رب حتى
انقطع نفسه ، ثم قال : يا
الله يا الله حتى
انقطع نفسه ، ثم قال : يا
حي يا حي حتى
انقطع نفسه ، ثم قال : يا
رحيم حتى
انقطع نفسه ، ثم قال : يا
ارحم الراحمين حتى
انقطع نفسه .
وفي آخر القصة سأل الليثُ عن هذا الدَّاعِي ، فقيل له : جعفر بن محمد
(الصادق) .
وذَكَره ابن الجوزي في " صِفة الصفوة " .
وقال البيهقي رحمه الله في " شُعب الإيمان " : الدّعاء قَول القائل : يا
الله ، أو يا رحمن ، أو يا رحيم ،
وما أشْبَه ذلك ، وهو أيضا نِداء . اهـ .
وفي فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة :
لا يجوز دعاء صِفة مِن صِفات الله عز وجل ، مثل : يا وَجْه الله ،
وإنما يُدْعَى الله سبحانه وتعالى ويُتَوسّل إليه بأسْمائه وصِفَاته ،
بأن يُقال : يا
رحمن ارحمني
، يا
غفور اغفر
لي . اهـ .
وقال شيخنا العثيمين رحمه الله : التوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته
لقوله (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) مثل أن
يَقول الإنسان : اللهم يا
رزّاق ارزقني
، ويا
غفور اغفر
لي ، ويا
رحمن ارحمني
. اهـ .
والله تعالى أعلم .
المجيب فضيلة الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم