ينتشر حديث عن حُكم البَصْق تُجاه القِبلَة ، ويُذكَر معه قول بعض أهل
العِلْم : إن الْحُكم عام ، وإنه يأثَم كل مَن تَفَل تجاه القِبلَة ،
سواء كان في المسجد أو في غيره ، وسواء كان في الصلاة أو خارِج الصلاة
.
_____________________________________
الجواب :
ما وَرَد مِن عُموم النّهْي عن البَصق تجاه القِبْلَة ؛ هو مِن
الْمُطْلَق الْمَحْمُول على الْمُقيَّد فيُقيّد بِالمسجد ، وفي حال
الصلاة ، ولو كان فير غير المسجد .
ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يَبْصق أمامه ، فإنما يُناجِي الله ما
دام في مُصلاّه ، ولا عن يَمِينه ، فإن عن يَمِينه مَلَكا ، وليَبْصُق
عن يساره ، أو تحت قدمه ، فيَدْفنها . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية مسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى نُخَامة في
قِبْلة المسجد ، فأقْبل على الناس ، فقال : ما بَال أحدكم يَقوم
مُسْتَقْبِل رَبّه فيَتَنَخّع أمامه ؟ أيُحِب أحدكم أن يُسْتَقْبَل
فيُتَنَخّع في وَجْهه ؟ فإذا تَنَخّع أحدكم فليَتَنَخّع عن يساره ، تحت
قدمه ، فإن لم يَجِد فلْيَقْل هكذا . ووَصَف القاسم : فَتَفَل في ثَوبه
، ثم مَسَح بعضه على بعض .
فهذا صريح في أن النهي حال الصلاة ؛
لِقولِه : " إذا قام أحدكم إلى الصّلاة فلا يَبْصق أمامه ، فإنما
يُناجِي الله ما دام في مُصلاّه " .
وفي حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى
نُخَامَة في قِبلة المسجد ، فحَكّها بِحَصَاة ، ثم نَهَى أن يَبْصق
الرّجُل بين يديه وعن يمينه ، وقال : لِيَبْصُق عن يساره ، أو تحت
قَدَمه اليُسرى . رواه البخاري ومسلم .
وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى
بُصاقا في جِدار القِبلة فحَكّه ، ثم أقبل على الناس فقال : إذا كان
أحدكم يُصلّي فلا يَبصُق قِبَل وَجْهه ، فإن الله قِبَل وَجْهه إذا
صَلّى . رواه البخاري ومسلم .
وكذلك في حديث عائشة وأنس رضي الله عنهما .
وحديث ابن عمر : صَرِيح في أن النّهي حال الصلاة ، وفي المسجد .
وفَهِم الصحابة رضي الله عنهم أن
النّهي عن البُصاق تجاه القِبْلَة حال الصلاة وفي المسجد خاصة .
قال أبو وائل : كُنّا عند حذيفة رضي الله عنه فقام شَبَث بن رِبْعيّ
يُصلي فبَصَق بين يديه ، فلما انصرف قال : يا شَبَث لا تَبْصُق بين
يديك ولا عن يمينك ، فإن عن يمينك كاتِب الْحَسَنات ، وابْصُق عن
شِمَالك وخَلْفك ، فإن الرّجُل إذا توضأ فأحسن الوضوء ، وقام إلى
الصلاة اسْتَقْبَله الله بِوَجْهه يُنَاجِيه ، فلا ينصرف عنه حتى يكون
هو يَنصَرف ، أو يُحْدِث حَدَث سُوء . رواه عبد الرزاق .
وقال النووي في شرح حديث أبي سعيد : قوله : " إن النبي صلى الله عليه
وسلم نَهَى أن يَبزُق الرّجُل عن يمينه وأمامه ، ولكن يبزُق عن يساره
أو تحت قدمه اليسرى " ، وفي الرواية الأخرى : إذا كان أحدكم في الصلاة
فإنه يُنَاجِي ربه ، فلا يَبزُقَنّ بين يديه ولا عن يمينه ، ولكن عن
شماله تحت قدمه " : فيه نَهْي الْمُصَلّي عن البُصَاق بين يَدَيه وعن
يمينه ، وهذا عام في المسجد وغيره . اهـ .
وقوله رحمه الله : " وهذا عام في المسجد وغيره " أي أن النّهي للمُصلّي
حال صلاته عن البُصاق في القِبْلَة في المسجد وفي غير المسجد ، أي :
حتى لو كان يُصلي في بيته أو في الفضاء ؛ فإنه مَنْهِيّ عن البُصاق
تجاه القِبْلَة وهو يُصلّي .
وهذا خِلاف ما فَهِمه الحافظ ابن حَجَر رحمه الله ، ونَقَلَه عن النووي
.
وقال ابن حَجَر : وَقَدْ نُقِل عَن مَالِك أَنَّه قال : لا بَأس بِه ،
يَعْني : خَارِج الصَّلاة . اهـ .
ولا يُمكن أن يُقاس البُصاق على البول والغائط في النّهي عن استقبال
القِبْلَة ؛ لأن البُصاق طاهِر بالإجماع ، والبَول والغائط نَجِس
بالإجماع .
قال ابن عبد البر في شَرْح حديث ابن عمر السابق : أما حَكّه صلى الله
عليه وسلم البُصَاق مِن القِبْلة فَفِيه دليل على تَنْزِيه المساجد مِن
كُلّ ما يَسْتَقْذَر ويُسْتَسْمَج ، وإن كان طاهرا ؛ لأن البُصَاق طاهر
، ولو كان نَجِسًا لأمَرَ بِغَسْل أثَرِه . اهـ .
وقال ابن قُدَامَة في حُكم النّخامة : ولو كانت نَجِسة لَمَا أمَر
بِمَسْحِها في ثَوْبه ، وهو في الصلاة ، ولا تَحت قَدَمه . ولا فَرْق
بين ما يَخْرُج مِن الرأس والبَلْغم الخارِج مِن الصّدْر . اهـ .
وذَكَر الزّركشي الإجماع على طهارة البُصَاق ، حيث قال : الخارج مِن
الإنسان ثلاثة أقسام :
ثم ذَكَر القسم الأول ، وهو : طاهِر بلا نِزَاع ، وهو الدمع ، والعَرَق
، والرّيق ، والْمُخَاط ، والبُصَاق . اهـ .
ثم إن النخامة قد تُفاجئ الإنسان ، ويَشقّ عليه أن يسأل أو يبحث عن
القِبْلَة ، بِخلاف البول والغائط .
ويُمكن أن يُقال : لا يَبصُق الإنسان عن يمينه ؛ لأنه لا يَشقّ عليه
مَعرفة اليمين ، وبهذا قال غير واحد من السَّلَف .
قال عبد الرحمن بن يزيد : كُنّا مع عبد الله بن مسعود فأراد أن يَبْصق
وما عن يمينه فَارِغ ، فَكَرِه أن يَبْصق عن يمينه وهو ليس في الصلاة .
رواه عبد الرزاق .
ورَوَى عبد الله بن الصامت عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه كان
مَرِيضا فبَصَق عن يمينه ، أو أراد أن يَبْصُق ، فقال : ما بَصَقتُ عن
يَمِيني منذ أسْلَمْتُ . رواه عبد الرزاق .
وقال عمرُ بن عبد العزيز لابْنِه عبد الملك وقد بَصَق عن يمينه ، وهو
في مَسِير ، فَنَهَاه عن ذلك وقال : إنك تُؤذِي صَاحِبك ، ابْصُق عن
شِمَالك . رواه عبد الرزاق .
وهذه الآثار إنما هي في احترام اليمين ؛ وعَلّلوه : بأن عن يمين
الإنسان مَلَك . وليست في تحريم البَصق تجاه القِبْلَة مُطلَقًا .
وهنا :
هل التفل تجاه القبلة منهيّ عنه في المسجد وفي غير المسجد ؟
https://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=20452
والله تعالى أعلم .
المجيب فضيلة الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم