السلام عليكم و رحمة الله و بركاتـــه
الشيخ الفاضل حفظكم الله و رعاكم
هناك اختلاف بين العلماء في صيغة التشهد (السلام على النبي ) أو (
السلام عليك أيها النبي )
و من قبلهم الصحابة رضوان الله عليهم كذلك فهل يعتبر هذا من الاختلاف
السائغ الذي لا يجوز فيه الإنكار على المخالف لي فيه ؟ أم يجب علي أن
أنكر على المخالف ؟
أرجو منكم التوضيح مشكورين .
و جزاكم الله خيرا
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيرا
الخلاف الذي لا يسوغ فيه الإنكار ، ما كان الخلاف في مسائل الفقه ،
وكان له حَظّ من النظر ، كما قيل :
وليس كل خِلاف جَاء مُعْتَبَرًا *** إلاَّ خِلافا له حَظّ مِن النظرِ
وهذه المسألة مما اختَلَف فيها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم و رضي
الله عنهم .
روى البخاري من حديث ابْنَ مَسْعُود رضي الله عنه قال : عَلَّمَنِي
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَفِّي بَيْنَ
كَفَّيْهِ التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ
: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ ، السَّلامُ
عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ،
السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ ، أَشْهَدُ
أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ . وَهُوَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا ، فَلَمَّا قُبِضَ قُلْنَا
: السَّلامُ - يَعْنِي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ .
وفي رواية : فلما قُبِض قلنا : السلام على النبي .
وفي حديث ابْنِ عَبَّاس رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ : كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ
كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ ، فَكَانَ يَقُولُ :
التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ ،
السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ
وَبَرَكَاتُهُ ، السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ
الصَّالِحِينَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَشْهَدُ
أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ . رواه مسلم .
وهذا عام في التعليم للأمة ، لا يُستثنى منه حال حياته صلى الله عليه
وسلم ، ولا بعد وفاته .
وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال : سمعت ابن عباس وابن الزبير
يقولان في التشهد في الصلاة : التحيات المباركات لله ، الصلوات الطيبات
لله ، السلام على النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد
الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
قال : لقد سمعت ابن الزبير يقولهن على المنبر يُعَلِّمُهن الناس ، قال
: ولقد سمعت ابن عباس يقولهن كذلك . قلت : فلم يختلف فيها ابن عباس
وابن الزبير ؟ قال : لا .
وروى عبد الرزاق من طريق عبد الرحمن بن عبد القاري قال : شهدت عمر بن
الخطاب وهو يعلم التشهد ، فقال : التحيات لله ، الزاكيات لله ، الطيبات
لله ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى
عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده
ورسوله .
قال عبد الرزاق : وكان معمر يأخذ به ، وأنا آخذ به .
وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء : أن أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم كانوا يسلمون والنبي صلى الله عليه وسلم حي : السلام عليك أيها
النبي ورحمة الله وبركاته ، فلما مات قالوا : السلام على النبي ورحمة
الله وبركاته .
وإذا جَرى الخلاف بين الصحابة رضي الله عنهم ، فلا يكون قول بعضهم على
بعض حُجّة ، إلاّ بِقرائن ومُرجِّحَات أُخَر .
ومثل هذه المسألة لا يسوغ الإنكار فيها على المخالف ؛ لأن كَلّ قائل
بِقول له فيه إمام هُدى ، يعضده دليل أو تعليل صحيح ، لا يسوغ الإنكار
عليه فيما ذهب إليه .
والله تعالى أعلم .
المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
الداعية في وزارة الشؤون الإسلامية