عبد الرحمن بن عبد الله
السحيم
عضو مركز الدعوة والإرشاد بالرياض
السؤال :
بم أرد على من تقول _أفتي قلبك ولو أفتاك الناس _
مناسبته
عندما ذكرت لها أن عورة المرأة للمرأة كعورتها عند محارمها
قالت بمعنى كلامها (أنها المرأة وإنها من يحكم على الأمور التي تُفتن بها) ؟
الجواب :
سبحان الله !
وأين ذَهَب أهل العِلْم واختصاصهم ؟ وقد أمَر الله بِسؤال أهل العِلْم ، ولم
يَرُدّ الناس إلى ما في صُدورهم .
وأين ذهب تقدير المصالح والمفاسِد ؟
وأين الِكتاب والسنة ؟!
إذا كانت كل مسالة سوف نُرجعها إلى عقولنا ، ونُحكِّم عقولنا على حساب النصوص ،
فسوف نستغني عن النصوص وعن العلماء !
وهذا لا يَقول به عاقل !
مع أنّ العلماء نَصُّوا في شرح مثل هذا الحديث أنه لا عِبرة بأحوال الْجُهَّال
.
قال الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله في شرح حديث " استفت قلبك " :
وهذا إنما يكون إذا كان صاحبه ممن شرح صدره للإيمان ، وكان الْمُفْتِي يُفْتِي
له بِمُجَرَّد ظَن أو مَيل إلى هوى مِن غير دليل شرعي ، فأما ما كان مع
الْمُفْتِي به دَليل شرعي فالواجب على الْمُستَفْتِى الرجوع إليه وإن لم ينشرح
له صدره ، وهذا كالرخصة الشرعية ، مثل الفِطر في السفر والمرض ، وقصر الصلاة في
السفر ونحو ذلك مما لا يَنْشَرِح به صُدور كثير مِن الْجُهَّال فهذا لا ِعبرة
به .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أحيانا يأمُر أصحابه بما لا تَنشرح به صُدور
بعضهم ... وفي الجملة فما وَرد النص به فليس للمؤمن إلاَّ طاعة الله ورسوله ،
كما قال تعالى : (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ
وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) ،
وينبغي أن يُتَلَقّى ذلك بانشراح الصدر والرضا ، فإن ما شَرَعه الله ورسوله يجب
الإيمان والرضا به والتسليم له ، كما قال تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا
يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا
فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) . اهـ .
ومع ذلك فإن الأمر الْمُحرَّم أو الْمُشْتَبِه لا ترتاح إليه النفس ولا تطمئن
غالبا .
ومع ذلك يوجد من العُصاة والفُجَّار من تطمئن نفوسهم إلى معاصيهم ، وذلك إذا
ألِفُوها وطُمِس على قلوبهم .
فتَبيَّن أن ما يَحيك في الصدر هو قيد أغلبي ، أي أنه في الغالب ، ولا عِبرة
بِمن ألِف الْمُنكَر حتى صار عنده معروفا !
وأما قول (أنها المرأة وإنها من يحكم على الأمور التي تُفتن بها) فهذا غير صحيح
؛ لأن الله أمَر بِسُؤال أهل العِلم ، والرَّد إليهم . بل جَعَل ذلك مَن
مُقتضيات الإيمان ، فقال سبحانه وتعالى : (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ
فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) .
والرَّدّ إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو الرَّدّ إلى سُـنَّـتِه بعد وفاته
صلى الله عليه وسلم .