عبد الرحمن بن عبد الله
السحيم
عضو مركز الدعوة والإرشاد بالرياض
السؤال :
لا عدوى و لا طيرة
هل هذا حديث صحيح ؟
و ما معناه ؟
و إن كان لا عدوى ، ما معنى أن تنتقل الأمراض بين الناس مثلا الإيدز ؟
الجواب :
الحديث رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية للبخاري : لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ، وفُـرّ من المجذوم
كما تَفرّ من الأسد .
وفي رواية للشيخين : لا عدوى ولا صفر ولا هامة . فقال أعرابي : يا رسول الله
فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء فيجيء البعير الأجرب فيدخل فيها
فيجربها كلها ؟ قال : فمن أعْدَى الأول ؟
وقد جَمَع العلماء بين هذه الأحاديث من وجوه :
الأول : أن العَدوى إذا انتقَلتْ كان ذلك بِقَدَرِ الله ، لا بتأثير المرض
ذاتِه ، ويَدل عليه ما رواه الإمام أحمد والترمذي من حديث ابن مسعود رضي الله
عنه قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لا يًعْدِي شيء شيئا ،
فقام أعرابي فقال : يا رسول الله النُّقْبَة من الْجَرَب تكون بِمِشْفَرِ
البعير أو بِذَنَبِه في الإبل العظيمة فَتَجْرَبُ كلّها ، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : فما أجْرَبَ الأول ؟ لا عدوى ولا هامة ولا صفر ، خلق الله كل
نفس فكتب حياتها ومصيباتها ورزقها .
وهو يُوضِّح ما تقدّم من رواية الشيخين .
فقوله صلى الله عليه وسلم : " فما أجْرَبَ الأول ؟ " أي أنّ أول بعير أُصيب لم
يَكن نتيجة عدوى ولا أنه خالَط غيره ، وإنما كان ذلك بِقَدَر ِ الله ، فلو لم
يُقدِّر الله انتقال ذلك الْجَرَب لم يَنتقِل ، كما أنه لو قَدّر سلامة البعير
الأول لم يُصَب .
والمشاهدَ أن البيت أحيانا يُصاب أحد أفراد بالزًُّكام فيُصاب كل من في البيت ،
وأحياناً يُصاب الرَّجُل في بيته ولا تنتقل العدوى لأقرب الناس إليه !
فمن الذي جعلها تنتقل في مرّة ولا تنتقل في مرّات ؟
إنه الله الذي قَدّر الأقْدَار ، وليس المرض الذي انتقل أو انتشر .
قال ابن عبد البر : أما قوله : " لا عدوى " فمعناه أنه لا يُعْدِي شيء شيئا ،
ولا يُعْدِي سقيم صحيحا ، والله يفعل ما يشاء ، لا شيء إلا ما شاء .
الثاني : أن العدوى لا تنتقل بِنفسِها ، وهو بمعنى السابق .
قال ابن الأثير : كانوا يظنون أن المرض بنفسه يَتَعَدّى ، فأعلمهم النبي صلى
الله عليه وسلم أنه ليس الأمر كذلك ، وإنما الله هو الذي يمرض ويُنَزل الداء .
الثالث : أن الأمر بالاعتزال في حقّ من يُخشى أن يَعتقِد أن المرض انتقل بنفسه
، أو أن المريض هو الذي أصابه بالمرض .
روى عبد الرزاق عن معمر قال : بلغني أن رجلا أجذم جاء إلى ابن عمر فسأله ، فقام
ابن عمر فأعطاه درهما فوضعه في يده ، وكان رجل قد قال لابن عمر : أنا أعطيه
فأبى ابن عمر أن يناوله الرجل الدرهم .
فهذا من هذا الباب .
وقد جاء الإسلام بِعزْل المريض الذي يكون مرضه خطيراً مُعدِياً .
قال عليه الصلاة والسلام : لا يُورِد مُمْرِضٌ على مُصِحّ . رواه البخاري ومسلم
.
قال العلماء : الممرِض : صاحب الإبل المراض ، والمصِحّ : صاحب الإبل الصحاح ،
فمعنى الحديث لا يورد صاحب الإبل المراض إبله على إبل صاحب الإبل الصحاح ، لأنه
ربما أصابها المرض بِفِعْلِ الله تعال وقَدَرِه الذي أجرى به العادة لا
بِطَبْعِها فيحصل لصاحبها ضرر بمرضها ، وربما حصل له ضرر أعظم من ذلك باعتقاد
العدوى بِطَبْعِها فيكفر . أفاده النووي .
وقال عليه الصلاة والسلام في شأن الطاعون : إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه
، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تَخْرُجوا فِرارا منه . رواه البخاري ومسلم .
قال الشيخ سليمان آل الشيخ :
وأما أمره بالفرار من المجذوم ، ونهيه عن إيراد الممرِض على المصحّ ، وعن
الدخول إلى موضع الطاعون ؛ فإنه من باب اجتناب الأسباب التي خلقها الله تعالى ،
وجعلها أسبابا للهلاك والأذى ، والعبد مأمور باتِّقاء أسباب الشر إذا كان في
عافية ، فكما أنه يؤمر أن لا يُلْقِي نفسه في الماء أو في النار أو تحت الهدم
أو نحو ذلك كما جرت العادة بأنه يُهْلِك ويُؤذي ، فكذلك اجتناب مقاربة المريض
كالمجذوم وقدوم بلد الطاعون فإن هذه كلها أسباب للمرض والتلف ، والله تعالى هو
خالق الأسباب ومسبباتها لا خالق غيره ، ولا مقدر غيره .