ما هي أحكام تجهيز
الموتى بالدليل الشرعي من الكتاب والسنة ؟
عبد الرحمن بن عبد الله
السحيم
عضو مركز الدعوة والإرشاد بالرياض
السؤال :
ما هي أحكام تجهيز الموتى بالدليل الشرعي من الكتاب والسنة ؟
وهل يحسن بالمغسِّل أن يختار من أهل الجنازة اثنين أحدهم عليه آثار الطاعة
يعامله السنة والآخر عليه الذنوب والمعاصي ؟
وأن لا يدخل عند تغسيل الميت أكثر من ثلاثة أشخاص للكراهة .
وهل المرأة الميتة كلها عورة عند غسلها أم من السرة إلى الركبة ؟
وهل قص أظافر الميت وحلق إبطه وتخفيف شواربه من السنة ؟
وهل يصح غسل الصبيان والبنات الموتى دون السابعة من قبل رجل أو امرأة سواء ؟
وهل تطييب مواضع السجود للأموات ؟
كل هذا هل هناك دليل من السنة على صحة ما ذكرت ؟
أفيدوني جزاكم الله خيرا
الجواب :
وجزاك الله خيراً
من السنة حضور الميت ، وعدم الإكثار عليه في التلقين ، لئلا يَنفُر من ذلك ،
ولذا يقول أهل العلم : إن المستحبّ أن يُقال عنده ( لا إله إلا الله ) وتُكرر
ليَنطق بها ، ولا مانع من تلقيه صراحة أن يقول لا إله إلا الله ، فإن النبي صلى
الله عليه وسلم قال لِعمِّه أبي طالب : يا عمّ قُل : لا إله إلا الله ، كلمة
أشهد لك بها عند الله . رواه البخاري ومسلم .
ومن السنة أن يُحسّن ظـنّـه بالله ، فيموت وهو يُحسن الظنّ بربّه .
قال ابن عباس : وُضِعَ عُمر على سريره ، فتكنفه الناس يَدْعُون ويُصَلُّون
قَبْلَ أن يُرْفَع ، وأنا فيهم ، فلم يَرعني إلا رجل آخذ منكبي ، فإذا علي بن
أبي طالب ، فَتَرَحَّم على عُمر ، وقال : ما خَلّفْتُ أحداً أحبّ إليّ أن ألقى
الله بمثل عمله منك ، وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك ، وحسبت
إني كنت كثيرا أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ذهبتُ أنا وأبو بكر وعمر ،
ودخلت أنا وأبو بكر وعمر ، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر . رواه البخاري ومسلم .
فهذا من باب ترغيب الميت ، وتغليب جانب الرجاء عند الموت ، ليموت وهو يُحسِن
الظنّ بِربّه ، فإن الله تعالى قال في الحديث القدسي : أنا عند ظنّ عبدي بي .
رواه البخاري ومسلم .
ثم إذا مات الميت يُشدّ لَحْيه وتُغمَض عيناه ، ويُدعى له .
روى الإمام مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : دخل رسول الله صلى الله عليه
وسلم على أبي سلمة وقد شقّ بصره فأغمضه ، ثم قال : إن الروح إذا قبض تَبِعَه
البَصَر ، فضجّ ناس من أهله ، فقال : لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير ، فإن
الملائكة يُؤمّنون على ما تقولون ، ثم قال : اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته
في المهديين ، واخلفه في عقبة في الغابرين ، واغفر لنا وله يا رب العالمين ،
وأفسح له في قبره ، ونوّر له فيه .
ثم إذا غُسِّل فالسنة أن لا يُجرَّد الميت من جميع ملابسه بحيث يُترك عُريانا ،
وإنما يُغطّى بثوب ونحوه ، ثم إذا غسّله المغسِّل فيضع على يده خرقة أو قفازاً
ويُغسل عورته .
ويكون غسل الميت وِتراً ، بحيث يُغسل ثلاث مرّات أو خمس أو سبع .
ويوضع مع الماء سدر ، وذلك لأنه يَطرد الهوام ، كما قال أهل العِلم .
في الغسلة الأخيرة يُوضع في الماء ما يُطيبه من طيب أو كافور ونحوه .
فعن أم عطية الأنصارية رضي الله عنها قالت : دخل علينا رسول الله صلى الله عليه
وسلم حين توفيت ابنته ، فقال : اغسلنها ثلاثا ، أو خمسا ، أو أكثر من ذلك إن
رأيتن ذلك بماء وسدر ، واجعلن في الآخرة كافورا ، أو شيئا من كافور . رواه
البخاري ومسلم .
ويَبدأ الغاسل بميامِن الميت ، أي بغسل الجهة اليمنى ، لقوله صلى الله عليه
وسلم في غَسْلِ ابنته : ابدأن بميامنها ، ومواضع الوضوء منها . رواه البخاري
ومسلم .
والسنة أن تتولّى النساء غسل النساء ، ويتولّى الرِّجال غسل الرِّجال ، إلا ما
كان بين الزوجين ، فإنه يجوز لأحدهما أن يُغسّل الآخر ، لقول عائشة رضي الله
عنها : لو كنت استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل النبي صلى الله عليه وسلم غير
نسائه . رواه الإمام أحمد وابن ماجه .
ومن السنة أن يستر الغاسِل على الميت ، لقوله صلى الله عليه وسلم : من غسّل
ميتا فَكَتَمَ عليه غفر له أربعين مرة ، ومن كفّن ميتاً كساه الله من السندس
واستبرق الجنة ، ومن حفر لميت قبراً فأجـنّـه فيه أُجْرِيَ له من الأجر كأجر
مسكن أسكنه إلى يوم القيامة . رواه الحاكم وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم
ولم يخرجاه ، وصححه الألباني .
وليس لِغسل الميت ذِكْر عند غسله .
ثم يُكفّن الميت في ثوبين أو في ثلاثة والمرأة تُكفّن في خمسة أثواب .
فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كُفِّن في ثلاثة
أثواب يمانية بيض سحولية من كرسف ، ليس فيهن قميص ولا عمامة . رواه البخاري
ومسلم .
وقال صلى الله عليه وسلم في المحرِم الذي وقصته ناقته : اغسلوه بماء وسدر ،
وكفّنوه في ثوبين ، ولا تحنطوه ولا تُخِمِّرُوا رأسه ، فإنه يُبعَثُ يوم
القيامة مُلبياً . رواه البخاري ومسلم .
ويُستَحب أن يكون الكَفَنُ أبيضاً ، لقوله صلى الله عليه وسلم : البسوا من
ثيابكم البياض ، فإنها خير ثيابكم ، وكفِّنُوا فيها موتاكم . رواه الإمام أحمد
وأبو داود والترمذي .
وأما الشعر الزائد من الميت والأظفار ، فيُسنّ أخذ ما زاد منها .
قال ابن قدامة في المغني :
مسألة :
قال : إن كان شاربه طويلا أُخِذ وجُعِلَ معه .
وجملته أن شارب الميت إن كان طوالا استُحِبّ قَصّـه ، وهذا قول الحسن وبكر بن
عبد الله وسعيد بن جبير وإسحاق ...
ثم قال :
فصل :
فأما الأظفار إذا طالت ففيها روايتان :
إحداهما : لا تُقَلّم . قال أحمد : لا تُقَلّم أظفاره ، ويبقى وسخها ، وهو ظاهر
كلام الخرقي ، لقوله والخِلال يُستعمل إن احتيج إليه ، والخلال يُزال به ما تحت
الأظفار ، لأن الظفر لا يظهر كظهور الشارب ، فلا حاجة إلى قَصِّـه .
والثانية : يُقَصّ إذا كان فاحشا ، نَصّ عليه ؛ لأنه من السنة ، ولا مضرة فيه ،
فيشرَع أخذه كالشارب ، ويمكن أن تُحمَل الرواية الأولى على ما إذا لم تكن فاحشة
وأما العانة فظاهر كلام الخرقي أنها لا تُؤخذ لتركه ذِكرها ، وهو قول ابن سيرين
ومالك وأبي حنيفة لأنه يحتاج في أخذها إلى كشف العورة ولمسها ، وهتك الميت ،
وذلك مُحرّم لا يُفعل لغير واجب ، ولأن العورة مستورة يُستغني بسترها عن
إزالتها .
وروي عن أحمد أن أخذها مسنون ، وهو قول الحسن وبكر بن عبد الله وسعيد بن جبير
وإسحاق ؛ لأن سعد بن أبي وقاص جَـزّ عانة ميت ، ولأنه شعر إزالته من السنة
فأشبه الشارب ، والأول أولى .
ويُفارِق الشارب العانة لأنه ظاهر يتفاحش لرؤيته ، ولا يحتاج في أخذه إلى كشف
العورة ، ولا مَسّها .
فإذا قلنا بأخذها فإن حنبلا روى أن أحمد سُئل : ترى أن تستعمل النورة ؟ قال :
الموسى أو مقراض يُؤخَذَ به الشعر من عانته .
وقال القاضي : تُزَال بالنورة لأنه أسهل ، ولا يمسّها ، ووجه قول أحمد أنه
فِعْلُ سَعْدٍ ، والنورة لا يؤمن أن تُتْلِف جلد الميت .
فصل فأما الختان فلا يُشرع ؛ لأنه إبانة جزء من أعضائه ، وهذا قول أكثر أهل
العلم .
وحُكي عن بعض الناس أنه يُخْتَن ، حكاه الإمام أحمد ، والأُولى أوْلَى لما
ذكرناه .
ولا يحلق رأس الميت لأنه ليس من السنة في الحياة ، وإنما يُراد لزينة أو نسك ،
ولا يطلب شيء من ذلك ها هنا . اهـ .
ويجوز أن تُغسّل النساء الصبيان .
وأما " تطييب مواضع السجود للأموات " فهذا لا أصل له .