قال ابن الملقّن : أجمعت الأمة على كراهة صلاة لا سبب لها في أوقات النهي ،
واتفقوا على جواز الفرائض المؤدّاة فيها .
واختلفوا في النوافل التي لها سبب كالعيد والجنازة وقضاء الفوائت ([1]) .
وقال الشوكاني : وقد اختلف أهل العلم في الصلاة بعد العصر وبعد الفجر ، فذهب
الجمهور إلى أنها مكروهة وادعى النووي الاتفاق على ذلك ، وتعقبه الحافظ بأنه قد
حُكي عن طائفة من السلف الإباحة مطلقا ، وأن أحاديث النهي منسوخة . قال : وبه
قال داود وغيره من أهل الظاهر ، وبذلك جزم ابن حزم ([2]) .
وتعقب الحافظ للنووي مُتعقّب :
لأن الإمام النووي لا يرى الاعتداد بخلاف أهل الظاهر ، فإنه قال في المجموع
([3]) في مناقشة مسألة أخرى : فكأنهم لم يعتدوا بخلاف داود ، وقد سبق أن الأصح
أنه لا يُعتد بخلافه ، ولا خلاف غيره من أهل الظاهر لأنهم نفوا القياس ، وشرط
المجتهد أن يكون عارفا بالقياس .
ثم إن هذا الاتفاق نقله غير واحد ، فقد نقله ابن عبد البر فقال : ولا خلاف بين
المسلمين أن صلاة التطوع كلها غير جائز أن يُصلى شيء منها عند طلوع الشمس ولا
عند غروبها ، وإنما اختلفوا في الصلوات المكتوبات والمفروضات على الكفاية
والمسنونات ([4]) .
وقال العراقي : وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ ([5]) . ثم ذكَرَ قول
ابن عبد البر وقول النووي .
أوقات النهي :
يُمكن تقسيم أوقات النهي عن الصلاة إلى خمسة أوقات :
1 - بعد العصر إلى أن تصفرّ الشمس .
2 – بعد الفجر إلى أن تطلع الشمس .
3 – قُبيل صلاة الظهر إلى أن تزول الشمس ( بمقدار عشر دقائق تقريبا قبل الأذان
) .
4 – من اصفرار الشمس إلى الغروب .
5 – من طلوع الشمس إلى أن ترتفع قيد رمح ( بمقدار عشر دقائق تقريبا ) .
هذه الأوقات لا يجوز أن التطوّع فيها ابتداءً .
ومِن العلماء مَن يَرى أن وقت النهي مِن طُلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، لا
يُصلَّى فيه من النوافل إلاَّ راتبة الفجر .
ففي حديث حفصة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا طلع
الفجر لا يُصَلِّي إلاَّ ركعتين خفيفتين ([6]) .
قال ابن قدامة : فَأَمَّا النَّهْيُ بَعْدَ الْفَجْرِ فَيَتَعَلَّقُ بِطُلُوعِ
الْفَجْرِ ، وَبِهَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَالْعَلاءُ بْنُ
زِيَادٍ ، وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَقَالَ النَّخَعِيُّ : كَانُوا يَكْرَهُونَ ذَلِكَ .
يَعْنِي التَّطَوُّعَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ .
وَرُوِيَتْ كَرَاهَتُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، وَعَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَمْرٍو .
وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى ، أَنَّ النَّهْيَ مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِ
الصَّلاةِ أَيْضًا كَالْعَصْرِ ([7]) .
ويُمكن تقسيم هذه الأوقات الخمسة إلى أوقات موسّعة ، وهي ما بعد صلاة الفجر وما
بعد صلاة العصر ، وإلى أوقات مُضيَّقة ، وهي عند طلوع الشمس وعند غروبها وعند
الزوال .
ودليل النهي الْموسَّع :
حديث أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاتين :
نَهَى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس ، وبعد العصر حتى تغرب الشمس ([8]) .
وحديث أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعا : لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس ،
ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس ([9]) .
والذي يظهر أن ذوات الأسباب تُصلى في الأوقات الموسَّعة دون المضيَّقة .
وذلك للدليل والتعليل :
أما الدليل فهو قوله عليه الصلاة والسلام : إذا طلع حاجب الشمس فأخِّروا الصلاة
حتى ترتفع ، وإذا غاب حاجب الشمس فأخِّروا الصلاة حتى تغيب ([10]) .
وفي رواية : " لا تَحَرّوا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها ، فإنها تطلع بقرني
شيطان " ([11]) .
وفي رواية : " إذا طلع حاجب الشمس فَدَعُوا الصلاة حتى تَبْرُز ، وإذا غاب حاجب
الشمس فَدَعُوا الصلاة حتى تغيب ، ولا تَحَيَّنُوا بصلاتكم طلوع الشمس ولا
غروبها ، فإنها تطلع بين قرني شيطان " ([12]) .
وحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، وفيه : وَوَقْتُ صَلاةِ الصُّبْحِ
مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ ، فَإِذَا طَلَعَتْ
الشَّمْسُ فَأَمْسِكْ عَنْ الصَّلاةِ ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ
شَيْطَانٍ ([13]) .
وحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا : حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع
، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب
([14]) .
وفي حديث عمرو بن عبسة السلمي رضي الله عنه : صَلِّ صَلاةَ الصُّبْحِ ، ثُمَّ
أَقْصِرْ عَنْ الصَّلاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ ،
فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ ، وَحِينَئِذٍ
يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ ، ثُمَّ صَلِّ ، فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ
مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ
الصَّلاةِ ، فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ ، فَإِذَا أَقْبَلَ
الْفَيْءُ فَصَلِّ ، فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى
تُصَلِّيَ الْعَصْرَ ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلاةِ حَتَّى تَغْرُبَ
الشَّمْسُ ، فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ ، وَحِينَئِذٍ
يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ ([15]) .
وفي حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : كان لا يقوم ([17]) مِن مُصَلاّه
الذي يصلي فيه الصبح أو الغداة حتى تطلع الشمس ، فإذا طلعت الشمس قام ([18]) .
وفي رواية : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر تربّع في مجلسه حتى
تطلع الشمس حسناء ([19]) .
وأما التعليل فلأن الأوقات المضيَّقة هي أوقات قصيرة يسيرة ، مع ما يقع فيها من
مُشابهة المشركين .
قال الإمام الذهبي : فنفس الموافقة والمشاركة لهم ([20]) في أعيادهم ومواسمهم
حرام ، بدليل ما ثبت في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى
عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها ، وقال : إنها تطلع بين قرني شيطان ،
وحينئذ يسجد لها الكفار ، والمصلِّي لا يقصد ذلك إذ لو قصده كَفَرَ ، لكن نفس
الموافقة والمشاركة لهم في ذلك حرام ([21]) .
قال ابن قدامة : والنهي عن الصلاة بعد العصر متعلق بفعل الصلاة ، فمن لم
يُصلِّ أبيح له التنفّل وإن صلى غيره ، ومن صلى العصر فليس له التنفل ، وإن لم
يصل أحد سواه ، لا نعلم في هذا خلافا عند من يمنع الصلاة بعد العصر ([22]) .
وقال أيضا : الصحيح أنه لا يُصلى على الجنازة في الأوقات الثلاثة التي في حديث
عقبة بن عامر ، وكذلك لا ينبغي أن يركـع للطواف فيها ، ولا يُعيد فيها جماعـة ،
وإذا مُنعت هذه الصلوات المتأكدة فيها فغيرها أولى بالمنع ([23]) .
هل تُصلّى ذوات الأسباب في وقت النهي ؟
ما كان من ذوات الأسباب فإنها تُصلّى في أوقات النهي على الصحيح من أقوال أهل
العلم .
فالفوائت تُصلي في أوقات النهي
لقوله عليه الصلاة والسلام : من نسي صلاة أو نام عنها ، فكفارتها أن يصليها إذا
ذكرها ، لا كفارة لها إلا ذلك ([24]) .
ولقوله عليه الصلاة والسلام : من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس ، فقد
أدرك الصبح ، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس ، فقد أدرك العصر .
رواه البخاري ومسلم .
قال ابن عبد البر : وقال مالك والثوري والشافعي والأوزاعي - وهو قول عامة
العلماء - من أهل الحديث والفقه من نام عن صلاة أو نسيها أو فاتته بوجه من وجوه
الفوت ثم ذكرها عند طلوع الشمس واستوائها أو غروبها أو بعد الصبح أو العصر -
صلاها أبداً متى ذكرها ([25]) .
إلا أنها لا تُصلَّى عند طلوع قرص الشمس ، ففي حديث عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْن رضي
الله عنهما حينما ناموا عن صلاة الفجر : حَتَّى اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ وَرَأَى
الشَّمْسَ قَدْ بَزَغَتْ قَالَ : ارْتَحِلُوا، فَسَارَ بِنَا حَتَّى إِذَا
ابْيَضَّتْ الشَّمْسُ نَزَلَ فَصَلَّى بِنَا الْغَدَاةَ ([26]) .
كما تُصلى كل صلاة لها سبب :
فـتُصلّى ركعتي الطواف في أوقات النهي لقوله عليه الصلاة والسلام : يا بني عبد
مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار ([27]) .
وتُصلى تحية المسجد لقوله عليه الصلاة والسلام : إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس
حتى يصلي ركعتين ([28])
وتُصَلَّى سنة الوضوء في أوقات النهي الموسَّع
فإن النبي صلى الله عليه وسلم أقرّ بلالاً على صلاة ركعتين كلما توضأ ، فقال
عليه الصلاة والسلام : يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته عندك في الإسلام منفعة ؟
فإني سمعت الليلة خشف نعليك بين يدي في الجنة . قال بلال: ما عملت عملا في
الإسلام أرجى عندي منفعة من أني لا أتطهر طهورا تامًّا في ساعة من ليل ولا نهار
إلاَّ صليت بذلك الطهور ما كََتَبَ الله لي أن أصلي ([29]) .
ولقائل أن يقول : كيف مُنعت الصلاة في الأوقات المضيّقة ، وحديث بلال هذا لم
يخص وقتا دون وقت .
والجواب : أن ما في هذا الحديث إقرار منه عليه الصلاة والسلام ، وما تقدّم من
النهي عن الصلاة في الأوقات المضيّقة قول ، ودلالة القول أقوى من دلالة التقرير
.
كما أن القول خاص ، وفعل بلال عام في كل وقت ، فقُدِّم الخاص على العام .
وتبقى دلالة فعل بلال على جواز صلاة ذوات الأسباب في أوقات النهي الموسّعة دون
المضيّقة .
وتُصلى راتبة الفجر بعد صلاة الفجر :
قال ابن قدامة : فأما قضاء سنة الفجر بعدها فجائز ، إلاّ أن أحمد اختار أن
يقضيهما من الضحى ، وقال : إن صلاهما بعد الفجر أجزأ ، وأما أنا فأختار ذلك ،
وقال عطاء وابن جريج والشافعي يقضيهما بعدها ، لِمَا رُوي عن قيس بن قهد ([30])
قال : رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أصلي ركعتي الفجر بعد صلاة الفجر
، فقال : ما هاتان الركعتان يا قيس ؟ قلت يا رسول الله لم أكن صليت ركعتي الفجر
فهما هاتان . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي ([31]) ، وسكوت النبي صلى
الله عليه وسلم يدل على الجواز ؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى سنة الظهر
بعد العصر ، وهذه في معناها ؛ ولأنها صلاة ذات سبب فأشبهت ركعتي الطواف ([32])
.
وتُصلّى صلاة الكسوف ؛ لأنها من ذوات الأسباب .
ويُسجد سجود التلاوة والشكر في هذه الأوقات ، وهو مُجرّد سُجود ، وليس مِن
جِنْس الصلاة .
إشكال وجوابه :
ثبت النهي عن الصلاة بعد العصر في غير حديث تقدّم بعضها ، وثبت ما يُعارضه
ظاهرا ، وهو أنه عليه الصلاة والسلام قضى سنة الظهر بعد العصر ، فقد روى
البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : ما ترك رسول الله صلى الله
عليه وسلم ركعتين بعد العصر عندي قط .
وسيأتي ذِكر مزيد من الروايات :
وللعلماء مسالك في الجمع بين هذه الأحاديث :
الأول : أنه تعارض حاظر ومُبيح
والقاعدة أنه إذا تعارض حاظر ومُبيح قُـدِّم الحاظر .
والثاني : أنه هذا الفعل خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم .
قال الحافظ ابن حجر : تمسك بهذه الروايات من أجاز التنفل بعد العصر مطلقا ما لم
يقصد الصلاة عند غروب الشمس ، وقد تقدم نقل المذاهب في ذلك ، وأجاب عنه من أطلق
الكراهة بأن فعله هذا يدل على جواز استدراك ما فات من الرواتب من غير كراهة ،
وأما مواظبته صلى الله عليه وسلم على ذلك فهو من خصائصه ، والدليل عليه رواية
ذكوان مولى عائشة أنها حدثته أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العصر وينهى
عنها ، ويواصل وينهى عن الوصال . رواه أبو داود ([33]) .
والثالث : أن هذا من قضاء النوافل ، ولا يكون هذا إلا لمن حافظ عليها .
وهذا الذي يظهر من النصوص الواردة في صلاته صلى الله عليه وسلم بعد العصر .
ففي الصحيحين عن كريب مولى ابن عباس أن عبد الله بن عباس وعبد الرحمن بن أزهر
والمسور بن مخرمة أرسلوه إلى عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : اقرأ
عليها السلام منا جميعا وسلْها عن الركعتين بعد العصر ، وقل : إنا أُخبرنا أنك
تصلينهما ، وقد بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنهما . قال ابن
عباس : وكنت أَضْرِب مع عمر بن الخطاب الناس عليها . قال كريب : فدخلت عليها
وبلغتها ما أرسلوني به فقالت : سَـلْ أم سلمة . فخرجت إليهم فأخبرتهم بقولها
فردوني إلى أم سلمة بمثل ما أرسلوني به إلى عائشة فقالت أم سلمة : سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنهما ثم رأيته يصليهما ؛ أما حين صلاهما فإنه
صلى العصر ، ثم دخل وعندي نسوة من بني حرام من الأنصار فصلاهما ، فأرسلت إليه
الجارية فقلت : قومي بجنبه فقولي له : تقول أم سلمة يا رسول الله إني أسمعك
تنهى عن هاتين الركعتين وأراك تصليهما ، فإن أشار بيده فاستأخري عنه . قال :
ففعلت الجارية فأشار بيده ، فاستأخرت عنه ، فلما انصرف قال : يا بنت أبي أمية
سألتِ عن الركعتين بعد العصر . إنه أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم ،
فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر ، فهما هاتان ([34]) .
وعند مسلم ([35]) عن أبي سلمة أنه سأل عائشة عن السجدتين اللتين كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يُصليهما بعد العصر . فقالت : كان يصليهما قبل العصر ، ثم
إنه شغل عنهما أو نسيهما فصلاهما بعد العصر ثم أثبتهما ، وكان إذا صلى صلاة
أثبتها . قال يحيى بن أيوب : قال إسماعيل : تعني داوم عليها .
قال ابن قدامة : وأما قضاء السنن الراتبة بعد العصر ، فالصحيح جوازه ؛ لأن
النبي صلى الله عليه وسلم فعله فإنه قضى الركعتين اللتين بعد الظهر بعد العصر
في حديث أم سلمة ، وقضى الركعتين اللتين قبل العصر بعدها في حديث عائشة ،
والاقتداء بما فعله النبي صلى الله عليه وسلم متعين ؛ ولأن النهي بعد العصر
خفيف لما رُوي في خلافه مِن الرخصة ، وما وقع من الخلاف فيه ، وقول عائشة : إنه
كان ينهى عنها ، معناه - والله أعلم - نهى عنها لغير هذا السبب ، أو أنه كان
يفعلها على الدوام وينهى عن ذلك ، وهذا مذهب الشافعي ([36]) .
فائدة :
إذا صلّى العصر صار ما بعدها وقت نهي ، سواء صلاّها في أول القوت ، أو جَمَعها
جَمْع تقديم .
قال ابن قدامة : النَّهْيُ عَنْ الصَّلاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ مُتَعَلِّقٌ
بِفِعْلِ الصَّلاةِ ، فَمَنْ لَمْ يُصَلِّ أُبِيحَ لَهُ التَّنَفُّلُ ، وَإِنْ
صَلَّى غَيْرُهُ .
وَمَنْ صَلَّى الْعَصْرَ فَلَيْسَ لَهُ التَّنَفُّلُ وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ
أَحَدٌ سِوَاهُ .
لا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلافًا عِنْدَ مَنْ يَمْنَعُ الصَّلاةَ بَعْدَ
الْعَصْرِ ([37]) .
وإذا جمع في وقت الأولى فله أن يصلي سنة ثانية منهما ، ويُوتِر قبل دخول وقت
الثانية ؛ لأن سُنَّتها تابعة لها فيتبعها في فعلها ووقتها ، والوتر وَقته ما
بين صلاة العشاء إلى صلاة الصبح ، وقد صلى العشاء فدخل وقته ([38]) .
كتبه / عبد الرحمن بن عبد الله السحيم – محرم 1425 هـ .
-------------------------------------
([1] ) الإعلام بِفوائد عمدة الأحكام ( 2 / 310 ) .
([2] ) نيل الأوطار ( 3 / 100 ) .
([3] ) ( 9 / 230 ) .
([4] ) الاستذكار ( 1 / 112 ) .
([5] ) طرح التثريب ( 1 / 367 ) .
([6]) رواه البخار ي(ح 593) ومسلم (ح 723) .
([7]) المغني (2/525) .
([8]) رواه البخاري (ح 559) .
([9]) رواه البخاري (ح 561) .
([10]) رواه البخاري (ح 558) ومسلم (ح 829) .
([11]) رواه البخاري (ح558) ومسلم (ح 828) .
([12]) رواية البخاري (ح 3099) .
([13]) رواه مسلم (ح612) .
([14]) رواه مسلم (ح 831) .
([15]) رواه مسلم (ح 832) .
([16]) طرح التثريب (4/168) .
([17]) يعني : النبي صلى الله عليه وسلم .
([18]) رواه مسلم (ح 670) .
([19]) رواه الإمام أحمد (ح 21032) وأبو داود (ح 4850) .
([20]) يعني بهم الكفار والمشركين .
([21]) تشبه الخسيس بأهل الخميس ( ص 30 ) .
([22]) المغني ( 2 / 525 ) .
([23]) المرجع السابق ( 2 / 535 ) .
([24]) رواه البخاري (ح 572) ومسلم (ح 684) .
([25]) الاستذكار ( 1 / 47 ) .
([26]) رواه البخاري (ح 337) ومسلم (ح 682) .
([27]) رواه الترمذي ( ح 868 ) والنسائي (ح 585) وابن ماجه ( ح 1254 ) ، وصححه
الألباني في " الإرواء " (ح 481) .
([28]) رواه البخاري (ح 1110) ومسلم (ح 714) .
([29]) رواه البخاري (ح 1098) ومسلم (ح 2458) .
([30]) قال النووي : بقاف مفتوحة ثم هاء ساكنة ثم دال .
([31]) وقال الألباني : صحيح لغيره .
([32]) المغني ( 2 / 531 ، 532 ) .
([33]) فتح الباري ( 2 / 64 ) .
([34]) رواه البخاري (ح 1176) ومسلم (ح 834) .
([35]) (ح 835) .
([36]) المغني ( 2 / 533 ) .
([37]) المرجع السابق (2/525) .
([38]) المرجع السابق (3/140) ( 3 / 140 ) وقوله : " فله أن يصلي سنة ثانية
منهما " لا يُفهم منه الصلاة بعد العصر إذ هو وقت نهي ، كما أن السنة للمسافر
أن لا يُصلي السنن الرواتب عدا راتبة الفجر ، لِمَا رواه البخاري ( ح 1050 )
ومسلم ( ح 689 ) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : صحبت النبي صلى الله عليه
وسلم فلم أره يُسَبِّح في السفر . يعني به السنة الراتبة ؛ لأن ابن عمر نفسه
روى صلاة النبي صلى الله عليه وسلم النافلة في السفر على الراحلة ( البخاري ح
955 ) و ( مسلم ح 700 ) ويُستثنى من ذلك راتبة الفجر ، فإن النبي صلى الله عليه
وسلم لم يتركها في سفر ولا في حضر . روى البخاري ( ح 1106 ) عن عائشة رضي الله
عنها قالت : صلى النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ، ثم صلى ثماني ركعات ،
وركعتين جالسا ، وركعتين بين النداءين ، ولم يكن يدعهما أبدا .