دَخلتُ أحدَ المساجدِ ، فرأيتُ عَجَبًا مِن أحوالِ الدّاخِلينَ إلى المسجدِ ،
والمنتَظِرينَ للصلاةِ
فهذا يُقلِّبُ جَوّالَه ، وآخَرُ قدِ استندَ إلى عَمودٍ أو جِدَارٍ وقد
استجْلَبَ هُمُومَه ، وثالثٌ استَلْقَى على الأرض ، ورابِع يَتحدّث مع صاحِبه
..
هذا الوقتُ شَرِيفٌ ، وهو وَقْتٌ نَفِيسٌ .
هُو وَقْتٌ تَزْكُو فيه النّفْسُ ، وهو وَقْتُ أُنْسٍ باللهِ ، ما بينَ صلاةٍ
ودُعاءٍ ، وتِلاوةٍ للقُرآنِ ، وذِكْرٍ للهِ عزّ وجَلّ .
هو وَقْتُ طُمأنينةٍ ، ووقتُ انْشِرَاحِ صَدْرٍ ، وإزاحَةِ هَمّ ..
إذا كُنتَ تنقُلُ هُمُومَكَ للمَسجدِ ، فأين تُزِيحُها ؟
وإذا كُنتَ لا تَخلو بِربِّكَ في بَيتِه ، فمَتى تَخلُو به ؟
إن لم يكُنْ أُنْسُك بِه ، فبأيِّ شيءٍ تأنسُ ؟
عَجيبٌ أن نُمضيَ الساعاتِ الطوالَ في جلساتٍ ولقاءاتٍ ومُناسباتٍ ،
ونَسْتَثْقِلَ الدقائقَ في المساجد !
كم نتمَلْمَلُ ونتلفّتُ إذا تأخّرَ الإمامُ ثلاثَ أو أربعَ دقائقٍ ، ولكننا
نصبرُ لو كُنّا في انتظارِ إنجازِ مُعاملةٍ ! فضلا عمّن يُتابِعُ مُباراةً ،
فعنده استعدادٌ لأنْ يتابِعَ لأكثرَ مِن تسعينَ دقيقةٍ !
تذكّرْ أنّ المسجدَ بيتُ الضيافةِ الربّانيةِ .. وليتأمّلْ الْمُسْتَعْجِلُ أنّ
كلَّ ما يستعجلُ لأجلِهِ ، وأنَّ كلَّ ما يَطلُبُه هو بيديّ مولاه ، وهو في
بَيْتِه وكَنَفِه
فَمَن توطّنَ المساجدَ وألِفَها ، فَرِحَ اللهُ به وأكْرَمَه في الدنيا
والآخِرةِ
قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : مَنْ
غَدَا إِلَى المَسْجِدِ وَرَاحَ ، أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ نُزُلَهُ مِنَ
الجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ . رواه
البخاري ومسلم .
قال ابنُ رَجَبٍ : معنى الحَدِيْثِ : أنَّ مَن خَرَجَ إلى المسجدِ للصلاةِ
فإنهُ زائرُ اللهِ تعالى ، واللهُ يُعِدُّ لَهُ نُزلاً مِن الجَنّةِ كُلَّمَا
انطلقَ إلى المسجدِ ، سواءً كَانَ فِي أولِّ النهارِ أو فِي آخِرِه .
والنُّزُلُ : هُوَ مَا يُعَدُّ للضّيفِ عِنْد نُزُولِهِ مِن الكَرَامَةِ
والتّحْفَةِ . اهـ .
وقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : مَا
تَوَطَّنَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ الْمَسَاجِدَ لِلصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ إِلاّ
تَبَشْبَشَ اللَّهُ لَهُ ، كَمَا يَتَبَشْبَشُ أَهْلُ الْغَائِبِ بِغَائِبِهِمْ
إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِم . رواه
الإمامُ أحمدُ وابن ماجه ، والحاكم وصححه ، ووافقه الذهبي ، وصححه البُوصِيري
والألباني .
قال ابنُ الأثيرِ : البَشُّ : فَرَحُ الصدِّيق بِالصَّدِيقِ ، واللطفُ فِي
الْمَسْأَلَةِ وَالإِقْبَالُ عَلَيْه ، وَقَدْ بَشِشْتُ بِهِ أَبَشُّ . اهـ .
وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَجِدُ راحةَ نَفْسِه في الصلاةِ ، فيقولُ
: يَا بِلالُ أَقِمِ الصَّلاةَ أَرِحْنَا بِهَا . رواه
أبو داود .
وكانتْ رَاحَةُ نفسِه صلى الله عليه وسلم وقُرّةُ عينِه ، وطُمأنينةُ نفسِه في
الصلاةِ .
قال عليه الصلاةُ والسلامُ : وَجُعِلَتْ
قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاةِ . رواه
الإمام أحمد والنسائي .
وكان للنبيِّ صلى الله عليه وسلم ساعاتٌ يَخلُو فيها بِربِّه .
قال ابنُ عمرَ رضي الله عنهما : وَحَدَّثَتْنِي أُخْتِي حَفْصَةُ : أَنَّ
النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ
بَعْدَ مَا يَطْلُعُ الفَجْرُ ، وَكَانَتْ سَاعَةً لاَ أَدْخُلُ عَلَى
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيهَا . رواه
البخاري .
ورُبّما قامَ صلى الله عليه وسلم مِن الليلِ فصلّى في المسجدِ ، كما في حديثِ
حُذيفةَ رضي الله عنه ، وهو في صحيحِ مسلمٍ ، وكما في حديثِ ابنِ مسعودٍ رضي
الله عنه ، وهو في صحيحِ مسلمٍ أيضا .
ولَهُ صلى الله عليه وسلم ساعاتٌ يَنشغِلُ فيها بالذِّكْرِ فلا يُكلّمُ أحدا .
قَالَ سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ : قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ : أَكُنْتَ
تُجَالِسُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ؟ قَالَ : نَعَمْ كَثِيرًا ، كَانَ
لا يَقُومُ مِنْ مُصَلاّهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ ، أَوِ الْغَدَاةَ
، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَامَ ، وَكَانُوا
يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ ، فَيَضْحَكُونَ
وَيَتَبَسَّمُ . رواه مسلم .
كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسِيرُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ فَمَرَّ
عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ : جُمْدَانُ، فَقَالَ
: سِيرُوا ، هَذَا جُمْدَانُ سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ . قَالُوا : وَمَا
الْمُفَرِّدُونَ ؟ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا
وَالذَّاكِرَاتُ . رواه
مسلم .
وكان الصالِحون يتنافَسُون في الخيراتِ ، ويَسْتَبِقُون
إليها :
وفي الحديثِ : لو
يعلمُ الناسُ ما في النداءِ والصفِّ الأولِّ ، ثم لم يَجِدوا إلاّ أن
يَسْتَهِموا عليه لاسْتَهَمُوا ، ولو يعلمونَ ما في التهجيرِ لاسْتَبَقُوا إليه
، ولو يعلمون ما في العَتَمةِ والصبحِ ، لأتوهما ولو حَبْوا . رواه
البخاري ومسلم .
فقولُه : " ولو
يعلمون ما في التهجيرِ لاسْتَبَقُوا إليه "
قال ابنُ بطّالٍ : والتهجيرُ: السيرُ في الهاجرةِ ، وهي شدّةُ الْحَرِّ ،
ويدخلُ في معنى التهجيرِ : المسارعةُ إلى الصلواتِ كُلِّها قبلَ دخولِ أوقاتِها
؛ ليحصُلَ له فَضْلُ الانتظارِ قبل الصلاةِ . اهـ .
وقال القاضي ابنُ العربيِ المالِكيُّ : وأما قولُه : " لاسْتَهَمُوا عَلَيْه "
فيُتصَوّرُ الاستهامُ في الصفِّ الأولِ عند ضِيقِه وإقبالِ الرِّجالِ إليه في
حالةٍ واحدَةٍ ... وأما تَصوّرُ الاستهامُ في الأذانِ فمُشكِلٌ ، وقد اختصمَ
قومٌ بالقادسيةِ في الأذانِ فأقْرَعَ بينهم سَعدٌ . اهـ .
وفي حديثِ أبي سعيدٍ الخدريِّ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رأى في
أصحابِهِ تأخُّرًا، فقال
لهم : تقدموا فأتَمُّوا بي ، ولْيَأتَمَّ بِكم مَن بَعدَكم ، لا يَزالُ قومٌ
يتأخّرُون حتى يُؤخِّرَهم الله . رواه
مسلم .
وفي روايةٍ له : رأى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قوما في مُؤخّرِ المسجدِ .
فَذَكَرَ مثلَه .
أوقاتُ النهيِ ، وقولُ بعضِ الفضلاءِ ..
أتذكرُ كلمةً قالها أحدُ المشايخِ الفضلاءِ وهو يتكلم عن أوقات النهي ، قال :
هل شعرتَ في هذا الوقت ، أي : وقت النهي ، أنه يُخاطَب به أناس عندهم حِرصٌ
بالِغٌ على الصلاة ، حتى يقالَ لهم : لا تصلوا في هذه الأوقات .
هل تذكر أنك في يومٍ من الأيام اشتقتَ إلى الصلاة ، فقمتَ من غيرِ سببٍ ،
وتوضأتَ وصليتَ ركعتين في غيرِ أوقاتِ النهيِ ؟
فالصحابة رضي الله عنهم كان عندهم هذا الشوقُ ، لدرجة أنه يُقالُ لهم لا تصلوا
في هذه الأوقاتِ ، لأن عندهم شوقًا للصلاة .
ويدل على هذا أن النبي عليه الصلاة والسلام والصحابة كانوا يصلون في السفر وهُم
على الدوابِّ ، فاجتمعت لهم مشقّةُ السَّفر وعلى دابّة ، ومع ذلك يصلون ويحبون
الصلاة ويأنسون بها ويشتاقون إليها
فعند الترمذي أن بلالاً رضي الله عنه قال : " مَا أَذَّنْتُ قَطُّ إِلَّا
صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ ، وَمَا أَصَابَنِي حَدَثٌ قَطُّ ، إِلَّا تَوَضَّأْتُ
عِنْدَهَا ، وَرَأَيْتُ أَنَّ لِلَّهِ عَلَيَّ رَكْعَتَيْنِ " صححه الشيخ
الألباني في "صحيح سنن الترمذي"
هذا الشوق أوصله إلى الجنة ، فيقول له النبي عليه الصلاة والسلام : "
يَا بِلاَلُ حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الإِسْلاَمِ ،
فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الجَنَّةِ ، قَالَ :
مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي : أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا ،
فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ ، إِلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ ، مَا
كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ " رواه
البخاري ومسلم .
غذاءُ الرُّوحِ :
كَمْ نَحْرِصُ ونَعتَنِي بِغِذاءِ الأبدانِ ، ونُهمِلُ غذاءَ الأرواحِ
قال ابنُ القيمِ : وحضَرتُ شيخَ الاسلام ابنَ تيميةَ مرّةً صلى الفجرَ ثم جَلسَ
يَذكُرُ اللهَ تعالى إلى قَريبٍ مِن انتصافِ النهارِ ، ثم الْتَفتَ إليَّ وقالَ
: هذه غَدْوتي ، ولو لم أتَغدَّ الغداءَ سَقَطَتْ قُوّتي .
أو كلاماً قريباً مِن هذا .
وقال لي مرةً : لا أتْرُكُ الذِّكْرَ إلاّ بِنِيّةِ إجْمامِ نفسِي وإراحتِها
لأستعدَّ بتلكَ الراحةِ لِذِكْرٍ آخرَ .
أو كلاما هذا معناه .
السلفُ وما قَبْل طُلوع الشمس :
قال أبو وائل : غَدَوْنا على عبد الله بن مسعود يومًا بعد ما صَلّينا الغَدَاة
، فسلّمْنا بِالباب ، فأُذِن لنا ، قال : فمَكَثنا بِالبَاب هُنَيّة ، قال :
فَخَرَجَت الجارِية ، فقالت : ألاَ تَدْخُلون ، فَدَخَلْنا ، فإذا هو جالِس
يُسَبِّح ، فقال : ما مَنَعكم أن تَدْخُلوا ، وقد أُذِن لكم ؟ فقُلْنا : لا ،
إلاّ أنا ظَنَنّا أن بعض أهل البيت نائم ، قال : ظَنَنْتُم بِآل ابن أمّ عَبْدٍ
غَفْلَة ؟!
قال : ثم أقْبل يُسَبِّح حتى ظنّ أن الشمس قد طَلَعت ، فقال : يا جارية انظري
هل طَلَعَت ؟ قال : فنَظَرْت فإذا هي لم تَطْلع ، فأقْبَل يُسَبِّح حتى إذا ظنّ
أن الشمس قد طَلَعت ، قال : يا جارِية انظري هل طَلَعَت ؟ فنَظَرَتْ ، فإذا هي
قد طَلَعت ، فقال : الحمد لله الذي أقَالَنَا يَوْمَنا هذا ، ولم يُهْلِكنا
بِذُنُوبِنا . رواه مسلم .
السلفُ وما قَبْل صلاة المغرب :
قال أنس بن مالك رضي الله عنه : كُنّا بِالمدينة فإذا أذّن المؤذن لِصَلاة
المغرب ابْتَدَرُوا السّوَارِي ، فيَرْكَعون رَكْعَتين رَكْعتين ، حتى
إن الرّجُل الغَرِيب ليَدْخل المسجد فيَحْسب أن الصلاة قد صُلِّيت مِن كَثْرة
مَن يُصَلّيهما . رواه مسلم .
وقال أنس رضي الله عنه : لقد رَأيتُ كِبار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
يَبْتَدِرُون السّوارِي عند المغرب . وفي رواية : حتى يَخْرُج النبي صلى الله
عليه وسلم . رواه البخاري .
وقال أنس رضي الله عنه : كان إذا قام المؤذن فأذّن صلاة المغرب في المسجد
بالمدينة ، قام مَن شاء فصَلّى حتى تُقَام الصلاة ،
ومَن شاء رَكَع رَكعتين ثم قَعد ، وذلك بِعَين النبي صلى الله عليه وسلم . رواه
الإمام أحمد .
السلفُ وما بين العِشائين (ما بين المغرب
إلى العشاء) :
كان بعض السَّلَف يُحيي ما بين المغرب والعشاء بالصلاة .
قَال عَبْد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه : نِعْمَ سَاعَةُ الْغَفْلَةِ فِيمَا
بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ، يَعْنِي : الصَّلاة . رواه عبد الرزاق وابن
أبي شيبة .
وقَال عَبْد اللَّه بن عُمَر : صَلاةُ الأَوَّابِينَ : مَا بَيْنَ أَنْ
يَلْتَفِتَ أَهْلُ الْمَغْرِبِ إِلَى أَنْ يَثُوبَ إِلَى الْعِشَاءِ . رواه ابن
أبي شيبة .
ورَوَى ثَابِت عَن أَنَس أَنَّهُ كَان يُصَلِّي مَا بَيْن الْمَغْرِبِ
وَالْعِشَاء ، وَيَقُول : هِيَ نَاشِئَةُ اللَّيْلِ . رواه ابن أبي شيبة .
وكذلك : كَان سَعِيد بن جُبَيْر يُصَلِّي مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ
وَيَقُول : هِيَ نَاشِئَةُ اللَّيْل . رواه ابن أبي شيبة .
ورَوَى الشَّعْبِيّ عَن شُرَيْحٍ أَنَّه كَان يُصَلِّي مَا بَيْن الْمَغْرِب
وَالْعِشَاء . رواه ابن أبي شيبة .
ومِن السَّلَف مَن كان يَرَى أن هذه الآية : (تَتَجَافَى
جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ) في الصلاة ما بين المغرب والعشاء .
رَوَى قَتَادَة عَن أَنَس رضي الله عنه فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (تَتَجَافَى
جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ) قَال
: كَانُوا يَتَطَوَّعُونَ فِيمَا بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ الْمَغْرِبِ
وَالْعِشَاءِ ، فَيُصَلُّونَ . رواه ابن أبي شيبة .
ورَوى إِبْرَاهِيم بن مُهَاجِر عَنْ إِبْرَاهِيمَ النّخَعي ، قَال : كَانُوا
يُشبهُون صَلاةَ الْعِشَاءِ ، وَمَا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ، بِصَلاةِ
اللَّيْلِ . رواه ابن أبي شيبة .
ومِن السَّلَف مَن كان يُصلّي ما بين
الظهر إلى العصر .
قَال الشَّعْبِيّ : كَانَ عَبْدُ اللَّهِ [يعني : ابن مسعود رضي الله عنه]
يُصَلِّي مَا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْر . رواه ابن أبي شيبة .
وكَان ابن عُمَرَ يُحْيِي مَا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ . رواه ابن أبي
شيبة .
السلفُ وحال السَّفَر :
ما كان عند السَّلَف وَقْت ضائع ! ولذا كانوا يُصلّون على رواحلهم في السَّفَر
، كما تقدّم .
وكان عليه الصلاة والسلام يُصلي النافلة على رَاحِلته في السّفَر حيث تَوَجّهَت
به . كما في الصحيحين .
وفي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : بَعَثَني النبي صلى الله عليه
وسلم في حاجة ، فجئت وهو يُصلّي على رَاحِلته نحو المشرق ، والسجود أخفض مِن
الركوع . رواه الإمام أحمد . وأبو داود والترمذي ، وصححه الألباني والأرنؤوط ،
وأصله في صحيح مسلم دون وصف الركوع والسجود .
وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُصلّي على
راحلته في التطوع حيثما توجّهَت به يُومِئ إيماءً ، ويجعل السجود أخفض مِن
الركوع . رواه الإمام أحمد .
وفي صحيح مسلم مِن طريق سعيد بن جبير عن ابن عمر قال : كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يُصلي وهو مُقبِل مِن مكة إلى المدينة على رَاحِلته حيث كان وَجْهه .
قال : وفيه نَزَلَتْ : (فَأَيْنَمَا
تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) .
وقال ابن عمر رضي الله عنهما : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُوتِر على
رَاحِلته . رواه مسلم .
وفي صحيح مسلم مِن حديث عائشة رضي الله عنها قالت : كَانَ النَّبِيُّ صلى الله
عليه وسلم يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ .
السلفُ وعصْرُ يومِ الجمعةِ :
1 - كان طاووسُ بنُ كيسانَ إذا صَلّى العصرَ
يومَ الْجُمعةِ ، استقبلَ القبلةَ ، ولم يُكلِّمْ أحدًا حتى تغربَ الشمسُ .
(تاريخُ واسِط ، لِبَحْشَل)
2 - كان الْمُفَضَّلُ بنُ فَضَالَةَ إذا صلّى
عصرَ يومِ الجمعةِ ، خَلا في ناحيةِ المسجدِ وَحدَه ، فلا يزالُ يدعو حتى تغربَ
الشمسُ . (أخبار القضاة ، لِوَكيع)
هل سمعتَ بِخُسُوفِ القلب ؟!
قال ابنُ القيمِ : ومتى رأيتَ القَلبَ قد تَرَحَّلَ عنه حُبُّ اللهِ
والاستعدادُ للِقائه وحَلَّ فيه حُبُّ المخلوقِ والرضا بالحياةِ الدنيا
والطمأنينةُ بها فاعلَمْ أنه قدْ خُسُفِ به .
ومتى أقْحَطَتِ العينُ مِن البكاءِ مِن خشيةِ اللهِ تعالى فاعلَمْ أنَّ
قَحْطَها مِنْ قَسوةِ القلبِ ، وأبعدُ القلوبِ مِنَ اللهِ القلبُ القاسي .
ومتى رأيتَ نفسَك تَهْرُبُ مِن الأُنْسِ بِه إلى الأُنْسِ بِالْخَلْقِ ، ومِن
الخلوةِ مع اللهِ إلى الخلوةِ مع الأغيارِ ؛ فاعلمْ أنك لا تَصلُحُ له .
(بدائع الفوائد)
ومِن الأُنْس بالله : الأُنْس بِكَلامِه
والناس اليوم يستطِيلُون قراءة الإمام ، وهي قصيرة ، والصحابة رضي الله عنهم
يَرونها قصيرة رَغْم طُولِها !
في حديث أبي ذرّ رضي الله عنه : فقَام بِنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى
ذهب نحو مِن ثُلث الليل ، ثم لم يَقُم بِنَا الليلة الرابعة ، وقام بِنَا
الليلة التي تَلِيها حتى ذهب نحو مِن شَطْر الليل ، قال : فقُلْنا : يا رسول
الله ، لو نَفّلْتَنَا بَقِيّة لَيْلَتِنا هذه ! قال : إن الرّجُل إذا قام مع
الإمام حتى ينصرف حُسِب له بَقِيّة لَيْلَته . رواه الإمام أحمد وأبو داود
والترمذي والنسائي وابن ماجه ، وَصحّحه الألباني والأرنؤوط .
وقال عبد الرحمن بن هُرْمُز : كان القارئ يَقرأ سُورة البقرة في ثمانِ ركعات ،
فإذا قام بها في اثنتي عشرة ركعة رَأى الناس أنه قد خَفَّف . رواه الإمام مالك،
ومِن طريقِه : رواه عبد الرزاق في " الْمُصَنَّف " والبيهقي في " شُعب الإيمان
" .
وسِرّ المسألة : في طَهَارة القَلْب ، ومَحَبّة القُرْب والقُرَب
قال عثمان بن عفّان رضي الله عنه : لو أن قُلُوبنا طَهُرت ما شَبِعنا مِن كلام
رَبّنا ، وإني لأكْرَه أن يأتي علي يوم لا أنظُر في الْمُصْحَف . رواه البيهقي
في " شُعب الإيمان " .
وقال سَهْل التستريّ : علامةُ حُبِّ اللَّهِ ، حُبُّ القرآنِ .
وقال أبو سعيدٍ الخرّاز : مَن أحبَّ اللَّهَ أحبَّ كلامَ اللهِ ، ولم يَشْبَع
مِن تِلاوتِه .