ولذا حُبب إلى النبي صلى الله عليه وسلم النساء والطِّيب .
فليس من نفس إلا وهي تُحب الجمال ، وتكره الابتذال .
وما مِن نفس طَيّبة إلا وهي تُحبّ الطِّيب .
قال ابن القيم رحمه الله :
فإن الطَّـيِّب لا يُناسبه إلا الطِّيب ، ولا يَرضى إلا
به ، ولا يَسكن إلا إليه ، ولا يطمئن قلبه إلاَّ به ... وكذلك لا يَخْتَار من
المناكح إلا أطيبها وأزكاها ، ومن الرائحة إلا أطيبها وأزكاها ، ومن الأصحاب
والعُشراء إلا الطيبين منهم ؛ فَرُوحُـه طيب ، وبَدَنه طيب ، وخُلُقه طيب ،
وعمله طيب ، وكلامه طيب ، ومطعمه طيب ، ومشربه طيب ، وملبسه طيب ، ومنكحه طيب ،
ومدخله طيب ، ومخرجه طيب ، ومُنْقَلبه طيب ، ومثواه كله طيب .. . اهـ .
والنساء شقائق الرجال ، فإنهن يُرِدْن ما يُريده الرِّجال ..
وليس تجمّل الرَّجُل للمرأة عيباً أو بِدعاً من الأفعال .
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته بدأ
بالسِّواك – كما في صحيح مسلم – ليكون صلى الله عليه وسلم طـيّب الفـمّ
، زَكيّ الرائحة .
وكان عليه الصلاة والسلام يتطيّب لنسائه .
قالت عائشة رضي الله عنها : كنت أُطـيّب رسول الله صلى
الله عليه وسلم فيطوف على نسائه ، ثم يصبح مَحْرِماً ينضخ طِيباً . رواه
البخاري ومسلم .
قال ابن القيم :
وكان صلى الله عليه وسلم يُكثِر التطيب ويُحِبّ الطيب .
وقال :
وكان يُكثِر التطيب ، وتشتدّ عليه الرائحة الكريهة ،
وتشقّ عليه ، والطيب غذاء الروح التي هي مطية القوى تتضاعف وتزيد بالطِّـيب ،
كما تزيد بالغذاء والشراب والدَّعَـة والسرور ومُعاشرة الأحبة وحدوث الأمور
المحبوبة ... والمقصود أن الطِّـيب كان من أحب الأشياء إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، وله تأثير في حفظ الصِّحة ، ودَفْع كثير من الآلام وأسبابها ، بسبب
قوة الطبيعة به . اهـ .
قال ابن عباس : إني لأتزين لامرأتي كما تتزيّن لي ، وما
أحب أن أستَنَظِف كل حقي الذي لي عليها ، فتستوجب حقها الذي لها عليّ ، لأن
الله تعالى قال : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)
.
والشاهد وله : " وما أحب أن أستَنَظِف كل حقي الذي لي عليها " فهو ينظر للمسألة
نَظْرَة موازنة ، فإنه إذا أخَذَ الحقّ كاملا لزِمه أداء الواجب كاملاً .
ومعنى " أستنظِف " أي آخذ حقي كاملاً .
قال يحيى بن عبد الرحمن الحنظلي : أتيتُ محمد بن الحنفية ، فَخَرَجَ إليّ في
ملحفة حمراء ، ولحيته تَقْطُر من الغَالِيَة ،
فقلت : ما هذا ؟! قال : إن
هذه الملحفة ألْقَتْها عليّ امرأتي ، ودَهَنَتْنِي بالطيب ، وإنهن يَشْتَهين
منّا ما نَشْتَهيه مِنْهُنّ .
قال القرطبي في التفسير :
" قال العلماء : أما زينة الرجال فعلى تفاوت أحوالهم ،
فإنهم يَعْمَلون ذلك على اللَّبَق والوفاق ، فربما كانت زينة تَلِيق في وقت ولا
تَلِيق في وقت ، وزينة تَلِيق بالشباب ، وزينة تَلِيق بالشيوخ ولا تَلِيق
بالشباب ، ألا ترى أن الشيخ والكهل إذا حفّ شاربه ليق به ذلك وَزَانَه ، والشاب
إذا فعل ذلك سَمج ومُقِت ، لأن اللحية لم توفر بعد ، فإذا حفّ شاربه في أول ما
خَرَجَ وجهه سمج ، وإذا وفرت لحيته وحفّ شاربه زانَه ذلك ، وكذلك في شأن الكسوة
، ففي هذا كله ابتغاء الحقوق فإنما يُعْمَل على اللبق والوفاق ، ليكون عند
امرأته في زينة تَسُرّها ، ويُعِفُّها عن غيره من الرجال ، وكذلك الكحل من
الرجال ، منهم من يَلِيق به ، ومنهم من لا يليق بهم ، فأما الطيب والسِّواك
والخلال والرَّمي بالدَّرن وفُضُول الشَّعر والتطهير وقَلْم الأظفار ، فهو
بَيِّنٌ مُوافق للجميع ، والخضاب للشيوخ ، والخاتم للجميع من الشباب والشيوخ
زِينة ، وهو حُليّ الرجال ... ثم عليه أن يَتَوخَّى أوقات حاجتها إلى الرجل
فيُعفها ويُغنيها عن التطلّع إلى غيره " . اهـ .
و " الخِلال " هو إخراج ما بين الأسنان من بقايا الطعام ، وفي الحديث : حبذا
المتخلِّلُون من أمتي . رواه الطبراني في الأوسط ، وهو في صحيح الترغيب .
فالنّفس لا شك تُحب الجمال ، وترغب في الروائح الزكيّة ، فالزوج يَسُرّه أن
تكون زوجته عَطِرَة ، وهو يَبِيت بروائح تتقزز منها النفوس ، وتَنْفُر منها
الطِّباع ، بل وتأباها السباع !! أو يكون ممن لا يَعتَنِي بأسنانه فتَفُوح منها
روائح تُسبب في نُفُور زوجته منه .
فينبغي للأزواج العناية بمظاهرهم ، والتّجمّل لنسائهم ،
فكما يُريد الرجل من زوجته أن تتجمّل له فليتجمّل لها ليكون ذلك أدعى لغضّ
بصرها ، وإعفاف نفسها .
وقد بلغتني شكوى غير واحدة من النساء أن أزواجهن يتجمّلون ويتطيّبون عند خروجهم
فحسب .
حتى قالت إحداهن : اشتريت طيبا وأهديته لزوجي ، وقلت له
: تطـيّب منه لي !
والأمر كما قال محمد بن الحنفية رحمه الله : وإنهن يَشْتَهين منّا ما نَشْتَهيه
مِنْهُنّ .
فتجمّل لزوجتك .. لتكسب قلبها ..
وأحبّها .. تُبادِلك الشّعور ..
وأغنِها عن النّظر إلى غيرك ..
فإن الحياة الزوجية بمثابة الرّصيد البنكي !
إن أَخَذْتَ منه ، ثم أَخَذْتَ منه .. فإن مآله إلى الـنّفاد .. ومصيره إلى
الانتهاء ..
حينها تَطلب المال فلا تحصل عليه .. وتبحث عن عَصَب الحياة فلا تجده .
وهكذا الحياة الزوجية
إذا أخَذّتَ فأعْـطِ
وإذا أُعطِيتَ فقابِل
وهذا من شُكر المعروف ، ومُكافأة الْمُحسِن .
وفي الحديث : من صنع إليكم معروفا فكافئوه ، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا
له حتى تُروا أنكم قد كافأتموه . رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي .