أ . د / صالح بن علي أبو عرَّاد
@abuarrad
أستاذ التربية الإسلامية
بكلية التربية في جامعة الملك خالد
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، وبعد؛
فيقول أحد الكُتاب : " إن الشعور بالمسؤولية هو طريق النجاح والفلاح ،
والارتقاء حيال أية خطوةٍ أو مهمةٍ يقوم بها الانسان في كافة مجالات الحياة .
ومن غير الشعور بالمسؤولية تتعطل الأعمال ، وتفشل الخطوات ، ويتراجع العطاء
والانتاج " .
والمعنى أن المسؤولية تنطلق في الدين الإسلامي من منطلقٍ شرعيٍ يقول فيه الحق
سبحانه : { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ }( المدثر : 38 ) ، ويقول
فيه النبي صلى الله عليه وسلم : " كلكم راعٍ ، وكلكم مسؤول عن رعيته " ، ويقول
: " فأعط كل ذي حقٍ حقه " .
ومن هنا ، فإن للمسؤولية في واقع حياتنا جوانب متعددة ، يأتي من أبرزها مسؤولية
الإنسان تجاه مجتمعه وأُمته ، وهي مسؤوليةٌ توجب عليه أن يكون تعامله مع الجميع
منطلقٌ من مبدأ المحبة واللطف ، وحُسن التعامل مع الآخرين ، والحرص على الصدق
والأمانة في نُصحهم وخدمتهم والاهتمام بشؤونهم ، ولاسيما أن من آداب الإسلام
وأخلاقه العظيمة أن من لم يهتم بأمر المسلمين ويحرص على صلاحهم فليس منهم لأن
أبناء المجتمع المسلم إخوة ، تجمعهم المحبة في الله تعالى قبل كل شيء .
وفيمـا يلي عددٌ من النصائح التي لا شك أنها ستُعين - بإذن الله تعالى - في
إداء المسؤولية على الوجه المطلوب وبالصورة الإيجابية ، ومنها :
( 1 ) أخلص نيتك أخي المسؤول مهما كانت مسؤوليتك لله تعالى وأصلحها ، واتق الله
سبحانه في ما أنت مسؤولٌ عنه ، وأعلم أن المسؤولية أمانةٌ لا يُمكن أن تؤديها
إلاّ بعونٍ من الله تعالى وتوفيقٍ وتسديد .
( 2 ) اعرف تفاصيل المسؤولية التي يجب عليك القيام بها لأنك بذلك تتفاعل مع
أدائها بصورةٍ أكثر لأنك تعرف ماذا يراد منك ، ومتى عرفت أهمية ذلك وأدركته على
وجه التحديد سعيت بجدٍ وإخلاصٍ لتحقيقه وإنجازه .
( 3 ) اتصف بمكارم الأخلاق ومـحاسن الصفات ما أمكن ؛ فالمسؤول مهمـا كانت
مسؤوليته يسيرة مطالبٌ بالتحلي بجميل الصفات وكريم الطباع كالصدق ، والأمانة ،
واللين ، والسمـاحة ، والرفق ، والرحمة ، والتواضع ، والعفو ، والصبر ، والحلم
، والأناة ، واللطف ، ونحو ذلك مما يُحبب الآخرين في التعامل معك ، ويُجبرهم
على احترامك وتقديرك .
( 4 ) كن مشغولاً بمـا أنت مسؤولٌ عنه ، فمن اشتغل بغير الـمهم ضيّع الأهم ،
وليكن في علمك أنه ليس في الحياة متّسعٌ للهوامش والقشور والتوافه من الأمور ؛
فلا تؤجِّل القيام بمـا عليك القيام به من المسؤوليات لأنّها حينئذٍ تتراكم
وتكثُر ، وقد تُهمل أو تُنسى فيصعُب عليك القيام بها ، وعندئذٍ تؤاخذ على
تقصيرك .
( 5 ) اعلم - بارك الله فيك - أن الروتين والرتابة يقتلان روح المسؤولية ،
فحاول أن تُجدِّد في أسلوب التعامل مع مسؤولياتك ، ولا تكن نمطياً أو جامداً
على حالةٍ واحدة ، فالركود والتقليد الأعمى يحولان المسؤوليات إلى أعباء لا
يطيق الكاهل حملها . واعلم أن شعور من حولك ومن يتعامل معك بكفاءتك وحرصك على
توزيع المسؤوليات باشركك لهم في تحمُلها سيُشعرهم بالاطمئنان ، ويزيد ثقتهم بك
، ويُشجعهم على جميل التجاوب معك .
( 6 )
كن مُحباً لعملك ومسؤوليتك ، وأجتهد في أن تُقبل على ذلك كله بنفس راضيةٍ
وهمةٍ عاليةٍ ، لتجد في ذلك الـمُتعة والأُنس والتسلية والسعادة . وعليك أن
تهتم كثيراً بالعلاقات الإنسانية بينك وبين من حولك ومن تتعامل معهم من خلال
مُراعاة مشاعر الزملاء ، والتلطف مع العاملين ، وتقدير الظروف ، واحترام
الصداقة ، وغرس الثقة ، والاتصاف بالمرونة اللازمة في التعامل مع الأفراد
والمواقف .
( 7 ) اعلم أن المسؤولية - مهمـا كانت يسيرةً في نظرك - إثراءٌ لأبعاد شخصيتك ،
وتنميةٌ لقُدراتك ، وزيادةٌ في خبراتك ، وبقدر ما تأخذ المسؤولية من وقت
الإنسان وجهده ، فإنها تـمنحه نُضجاً في الفكر ، وقدرةً على التحمل ، وزيادة في
الخبرات ، ومن ثم تتحقق الثقة في النفس والقدرة على حُسن التصـرف في مختلف
المواقف والظروف .
( 8 )
لا تنس ان أداء المسؤولية بروح الجماعة يُساعد كثيراً في القيام
بالمسؤوليات ، ويعمل على التخفيف من ثقلها ، ويؤدي إلى الإبداع في انجازها ،
فاحرص على روح الجماعة في أدائك لمسؤوليتك ، واجتهد في كسب احترام من معك ،
وتأكد أنك ستكون مُبدعاً وناجـحاً لو تمكنت من ذلك ؛ لأنهم حينها سيكونون أول
من سيتبنى رأيك ، وأكثر من يحرصون على نـجاحه لأنهم يعدون القرار قرارهم جميعاً
، ويرون أن المسؤولية مُشتركة بينكم .
( 9 )
استشعر - وفقك الله - أن المسؤولية تكليفٌ وليست تشـريف ، وهذا يفرض عليك
أن تكون قوياً أميناً مصداقاً لقوله تعالى : { إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ
الْقَوِيُّ الأَمِينُ } ( القصص : من الآية 26 ) . وهذا يعني أن من الواجب عليك
أن تُراقب الله تعالى في كل شأنٍ من شؤونك ، وأن تكون أميناً في تحملك
للمسؤولية ، مُخلصاً في أداء واجباتها ، سائلاً الله تعالى العون والتوفيق
والسدّاد والصلاح والفلاح .
( 10 ) أكثر من حمد الله تعالى وشكره عندما ترى أنك قد أديت ما يجب عليك أداؤه
من مسؤولياتٍ وإن كانت يسيرة ، وليكن شكرك لله تعالى على ما حصل من التوفيق
مستمراً وحافزًا لتحقيق المزيد فإنما تدوم النِعمُ بشُكرها .
وختاماً : أسأل الله تعالى لي ولك ولكل مسؤولٍ في المجتمع المسلم التوفيق
والسداد ، والهداية والرشاد ، والحمد لله رب العباد .