|
الحمد لله الذي قال في كتابه العزيز : } وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا
إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ { (
سورة فُصلت : 33 ) . والصلاة والسلام على أفضل من دعا إلى الله تعالى بالحكمة
والموعظة الحسنة في كل وقتٍ وحين ، نبينا محمدٍ بن عبد الله الصادق الأمين ،
وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
فإن الدعوة إلى الله تعالى فريضةٌ عظيمةٌ ، وشرفٌ كبيرٌ لا يناله إلا من وفقه
الله تعالى لذلك ، وهي من أوجب الفرائض التي خص الله تعالى بها الأنبياء والرسل
الكرام عليهم أفضل الصلاة وأتم السلام ، وجعلها من بعدهم مُهمة ورسالة التابعين
لهم والآخذين بمنهجهم ، الذين عليهم أن يُبلغوا دين الله تعالى لبني البشر في
كل زمانٍ ومكان إلى قيام الساعة ، تحقيقًا لقوله عز وجل : } قُلْ هَذِهِ
سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي
وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ { ( سورة يوسف : الآية
رقم 108 ) .
وليس هذا فحسب ، فالدعوة إلى الله تعالى تُمثل عماد الخيرية التي وصف الله
تعالى بها الأُمة المسلمة في قوله تعالى : } كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ
أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ
الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ { ( سورة آل عمران : من الآية 110 ) . وعن
طريق الدعوة إلى الله تعالى تحمل الأمة رسالة الإسلام الخالدة إلى مشارق الأرض
ومغاربها صافيةً نقيةً لتُخرج الناس من الظُلمات إلى النور ، ولتهديهم طريق
الحق وسبيل النجاة في الدارين .
ومن المعلوم بالضرورة أن حقيقة الدعوة إلى الله تعالى واحدةٌ لا يتغير جوهرها
في أي زمانٍ أو مكان ؛ إلاّ أن كيفياتها وطرائقها وأساليبها ووسائلها وأدواتها
تختلف وتتنوع تبعًا لاختلاف الظروف والحالات والمواقف ، ووفقًا لتداعيات الزمان
والمكان ونحو ذلك مما هو قابلٌ للتغير والتغيير .
أما العنصر الرئيس في مهمة الدعوة إلى الله تعالى فهو الإنسان الداعي أو (
الداعية ) الذي يتولى مهمة القيام بها وتبليغها إلى الآخرين . وفيما يلي إشارةٌ
إلى نوعين رئيسيين من الدعاة هما :
= الداعية الناطق الذي يدعو إلى الله تعالى بالقول ، فهو يُخاطب المدعوين ،
ويُحدثهم ، ويعظُهم ، ويُرشدهم ، ويُعلمهم ، وينصحهم ، ويُناقشهم ، ويُحاورهم ،
ويستمع إليهم ، ويُجيب على تساؤلاتهم واستفساراتهم ، سواءً أكان ذلك في الجوامع
، أو المدارس ، أو النوادي ، أو أماكن العمل ، أو أماكن التجمعات ، أو عبر
وسائل الإعلام وما في حُكمها من المنابر الأُخرى في أي زمانٍ وكل مكان .
= الداعية الصامت الذي تكون دعوته إلى الله تعالى بالفعل والقدوة والتطبيق ،
فيكون ناطقًا بفعله وسلوكه ، وناطقًا بكل حركةٍ أو سكنةٍ في حياته ، فهو يقوم
بمهمة الدعوة إلى الله تعالى في صمتٍ وهدوء ، ويُمارسها في الخفاء من خلال ما
يسّره الله تعالى له من الإمكانات والوسائل المختلفة التي يمكن له من خلالها أن
يؤدي واجب الدعوة إلى الله تعالى على الوجه المطلوب .
ولأن ما يقوم به الداعية الناطق معلومٌ ومعروف ولا يكاد يخفى على أحدٍ من أبناء
المجتمع ؛ فإنني سأتحدث اليوم عن بعض الأمثلة للمهام الدعوية التي يُمكن
للداعية الصامت أن يقوم بها والتي يأتي من أبرزها :
= الدعوة إلى الله تعالى من خلال حُسن الالتزام ، واستقامة السلوك ، وصدق
الانتماء إلى الدين الحنيف وأهله ، والقيام بمهمة الأمر بالمعروف بـالمعروف ،
والنهي عن المنكر بلا منكر ، والحرص على تعظيم شعائر الله واحترام تعاليم الدين
وتشريعاته وإرشاداته وتوجيهاته .
= الدعوة إلى الله تعالى من خلال شبكة الإنترنت ووسائلها المختلفة بنشر ما يمكن
أن يكتبه الإنسان من الموضوعات ، والمقالات ، والنصائح ، والمواعظ ، وما في
حُكمها في مختلف المواقع والمنتديات وما في حُكمها لتكون أمام نواظر القراء في
كل مكان ، فلعل الله تعالى أن ينفع بها قارئًا أو سامعًا أو مُشاهدًا .
= الدعوة إلى الله تعالى من خلال الاجتهاد في إرسال الجيد والمناسب من الرسائل
النافعة ، والنصائح المؤثرة ، والأذكار اليومية ، والمعلومات المفيدة التي
يطّلع عليها الإنسان أو يتصفحها ، إلى الإخوان والأصدقاء والمعارف وغيرهم عبر
خدمة الرسائل الإلكترونية ، وهنا لا بُد من التنبه إلى أن على المُرسل ضرورة
التأكد من صدق محتوى ما يُرسل عبر بريده ، وعدم تعارضه مع تعاليم الدين الحنيف
، أو مخالفته لمبادئ الدين أو منافاته لقيم التربية الإسلامية وأخلاقها الكريمة
، وأن يكون خاليًا من الكذب ، أو سوء الظن ، أو الشك و الريبة ، أو الشبهة ، أو
نحو ذلك مما تكتظ به الساحة في هذا الزمن ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي
العظيم .
= الدعوة إلى الله تعالى من خلال الحرص على نشر وتوزيع روابط المواقع المفيدة ،
أو الصفحات الدينية ، أو المنتديات الموثوقة طمعًا في نشر الخير وتعميمه وتوسيع
دائرته ، واحتساب الأجر في ذلك من الله تعالى ، ولاسيما أن الدّال على الخير
كفاعله كما جاء في الحديث الشريف .
= الدعوة إلى الله تعالى من خلال إرسال الرسائل الدعوية المؤثرة في النفوس ،
والمشتملة على بعض الآيات البينات ، والأحاديث النبوية الصحيحة ، والأقوال
المأثورة ، والمثال المشهورة ، ومقولات العلماء وحِكمهم ، والأبيات الشعرية ،
ومقاطع اليوتيوب ، والفلاشات الدعوية ، ولاسيما تلك التي لها صلةٌ ببعض
المناسبات الدينية ، أو الأحداث اليومية ، أو المواقف الحياتية التي يعيشها
الإنسان بعفويةٍ في واقع حياته .
= الدعوة إلى الله تعالى من خلال توظيف مختلف الوسائل التقنية كرسائل الهاتف
الجوال ، أو البريد الإليكتروني ، وما في حُكمها في التذكير بمواسم الخير
والمناسبات الدينية التي قد يغفل عنها كثيرٌ من الناس في زحمة الاشتغال بمجريات
الحياة اليومية ، ويأتي من أبرز الأمثلة على ذلك : التذكير بصيام الأيام البيض
( الثالث عشر ، والرابع عشر ، والخامس عشر ) من كل شهرٍ قمري ، وصيام يوم عرفة
، وصيام يوم عاشوراء ، وصيام الاثنين والخميس من كل أسبوع ، وفضيلة الاستكثار
من الطاعات والعبادات والقُربات خلال الأيام العشر من ذي الحجة ، واغتنام أيام
التشريق ( الحادي عشر ، والثاني عشر ، والثالث عشر من شهر ذي الحجة ) في
الطاعات ، وفضيلة الإكثار من الصلاة والسلام على النبي محمدٍ ( صلى الله عليه
وسلم ) وبخاصةٍ في يوم وليلة الجمعة ، ونحو ذلك مما جاء الحث على اغتنامه
والحرص على الإكثار منه قولاً وعملاً .
= الدعوة إلى الله تعالى من خلال التذكير بمواعيد المحاضرات والدروس الدعوية
والندوات ونحوها في الجوامع ، والنوادي ، والمدارس ، والجمعيات ، وغيرها من
المؤسسات الاجتماعية ، والإعلام عن عناوينها ، وأوقاتها ، وأمكنتها ، وأصحابها
، ونحو ذلك مما فيه دلالةٌ على الخير أو الإرشاد إليه .
= الدعوة إلى الله تعالى من خلال تقديم النصائح اللطيفة ، والمواعظ الصادقة
للأهل والإخوان والأصدقاء وغيرهم من أبناء المسلمين . أو الإنكار اللطيف لبعض
المظاهر الخاطئة والمنكرات الحادثة دونما شدةٍ أو تجريحٍ أو تعنيفٍ سواءً أكان
ذلك من خلال التذكير ببعض الفتاوى ، أو من خلال أقوال العُلماء التي تُحذر من
تلك المظاهر و تنهى عن ما فيها من المنكرات بالقول الطيب اللين والحجة القوية
الدامغة التي تقبلها العقول وتتأثر بها النفوس .
= الدعوة إلى الله تعالى من خلال التذكير بأهمية الإكثار من الاستغفار ، وضرورة
العودة العاجلة إلى الله تعالى ، والترغيب في التوبة الصادقة إليه سبحانه ،
والتذكير بالدار الآخرة ، وضرورة الاتعاظ بمن سبقنا إليها من الآباء والأُمهات
، والأبناء والبنات ، والإخوان والأخوات ، والأقارب والقريبات ، والأصدقاء
والصديقات ، وغيرهم ممن عرفناهم أو لم نعرفهم من عباد الله في كل زمانٍ ومكان .
= الدعوة إلى الله تعالى من خلال الإكثار من الدعاء الصالح للمؤمنين والمؤمنات
، والمسلمين والمسلمات ، الأحياء منهم والأموات ، والاستغفار لهم ، ومحبة الخير
للحاضر منهم والغائب ، وبذل النُصح والتوجيه لهم ، والتصدق عليهم ، وأمرهم
بالمعروف ، ونهيهم عن المنكر ، واللين في التعامل معهم ، وإحسان الظن بهم ،
وستر عيوبهم ، والاجتهاد في أداء حقوقهم ، والحرص على القيام بواجباتهم ، إلى
غير ذلك مما يكون في الجُملة إحسانًا لهم ، وحُسن تعامُلٍ معهم .
وبعد : فإن من فضل الله تعالى وعظيم كرمه أن جعل للخير أبوابًا كثيرةً وسُبلاً
متعددة ، وهذا يعني أن بإمكان الإنسان المسلم أن يخدم دين الله تعالى بما شاء
من قولٍ جميلٍ ، أو عملٍ نافعٍ ، أو نية صالحة . كما أن بإمكان كل فردٍ أن
يُمارس مهمة الدعوة إلى الله تعالى في كل مكانٍ وأي زمان . وأن ينشر ما يُحب
نشره من الخير إلى مشارق الأرض ومغاربها بكل يسرٍ وسهولةٍ ، ودونما عنتٍ أو
مشقة ، وأن يُسهم في تبليغ تعاليم الدين وشريعته وآدابه وفضائله ، ودلالة
الآخرين إليها في أي ساعةٍ من ليلٍ أو نهار .
وختامًا
؛ فإن على كل فردٍ منا ذكرًا كان أم أنثى ، عالمًا أم متعلمًا ، كبيرًا
أم صغيرًا ، رئيسًا أم مرؤوسًا ، أن تكون له بصمته الخاصة في مهمة الدعوة إلى
الله تعالى حتى لا يُحرم من أجر وثواب القيام بهذه المهمة العظيمة ، وحتى يكون
- بإذن الله - ممن وصفهم الحق سبحانه بقوله : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً
مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ
الْمُسْلِمِينَ } ( سورة فُصلت : 33 ) .
وفق الله الجميع لصالح القول ، وجميل العمل ، وصادق النية ، وآخر دعوانا أن
الحمد لله رب العالمين .