|
الحمد لله الذي جعل زيارة المريض المُسلم عملاً صالحًا مُتقبلاً ، والصلاة
والسلام على من أخبر أن زائر المريض في خرفة الجنة حتى يرجع من زيارته ، وعلى
آله الأخيار وصحابته الأطهار . أما بعد ؛
فكُلنا نعلم أن زيارة المريض إحدى حقوق المسلم على إخوانه المسلمين انطلاقًا من
الحديث الصحيح الذي رواه البُخاري ومُسلم عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم أنه قال : " حق المسلم على المسلم خمس: ردّ السلام ، وعيادة
المريض ، وإتباع الجنائز ، وإجابة الدعوة ، وتشميت العاطس " .
وهي إلى جانب ذلك بابٌ من أبواب كسب الأجر والثواب العظيم ، الذي جاء في بيانه
ما صح عند الترمذي عن علي أبي طالب مرفوعًا أنه قال : " ما من رجلٍ يعود مريضًا
مُمسيًا إلا خرج معه سبعون ألف ملكٍ يستغفرون له حتى يُصبح ، وكان له خريفٌ (
أي بستان ) في الجنة ، ومن أتاه مصبحًا خرج معه سبعون ألف ملكٍ يستغفرون له حتى
يُمسي ، وكان له خريفٌ في الجنة " .
وليس هذا فحسب فزيارة المريض سُنةً نبويةً تؤلف القلوب ، وتُخفف الآلام
والأوجاع عن المريض ، وتُسهم في تآلف الأنفس ، وتعمل على مد جسور المحبة ، ونشر
كثيرٍ من معاني التعاطف والمواساة ، وتقوية الروابط بين الأهل والإخوان
والأقارب والجيران والأصدقاء ، وغيرهم من أبناء المجتمع .
وعلى الرغم من ذلك كله ؛ فإن هذه الزيارة بمعانيها الكريمة السامية قد تعرضت في
وقتنا الحاضر وزمننا ( العجيب ) إلى ما يشينها ويُشوه جمالها في كثيرٍ من
الأماكن ؛ إذ إن مما يؤسف له أن نراها وقد تحولت إلى ( ظاهرةٍ سلبيةٍ مؤسفة )
تبرز ملامحها السلبية في بعض المستشفيات الحكومية و الأهلية منذ فترةٍ ليست
بالقصيرة ، ومن فئةٍ من أبناء المجتمع الذين أخذوا يقومون بها مصحوبةً ببعض
التصرفات الخاطئة التي يُمارسونها بكل عفويةٍ وسذاجة ؛ بل إنهم ربما لا يجدون
فيها شيئًا من الحرج أو المُخالفة لما ينبغي أن يكون عليه الحال .
وتتمثل تلك الظاهرة السلبية في بعض المناظر المؤسفة والتصرفات غير المسؤولة
التي تشتكي منها كثيرٌ من المستشفيات حينما يقوم بعض ( الزوار ) فيها بتبادل
أدوار ( البطولة المؤسفة ) ، وهم يُمارسون العديد من السلوكيات الخاطئة متذرعين
بأنهم يقومون بزيارة أقاربهم ومعارفهم وأصدقائهم المرضى في تلك المستشفيات ،
وعلى هذا الأساس فليس غريبًا أبدًا أن نرى البعض منهم يتجمهرون أمام بوابات
المستشفيات وممراتها بشكلٍ فوضويٍ لا فتٍ للنظر دونما سببٍ يدعو إلى ذلك ،
وبخاصةٍ عندما يحاول البعض منهم ( تسريب ) بعض المأكولات والمشروبات ونحوها
للمرضى مع علمهم المُسبق بمخالفة ذلك للأنظمة والتعليمات ، وقد نرى أن من
الزائرين من يفترشون الحدائق والمُسطحات الخضراء ومواقف السيارات بشكلٍ عشوائي
في مجاميع كبيرةٍ أو صغيرة يودعون فيها ويستقبلون ، وليس بمستغربٍ أبدًا أن نجد
من يتجمعون أمام المداخل والممرات لتناول أصناف الطعام والشراب في ردهات
المستشفى ، بل إن العجب يزداد حينما نجد من يصطحب أعدادًا من أفراد أهله
والأبناء ولاسيما الصغار منهم في زيارته للمرضى ، وكأنه خارجٌ بهم في نزهةٍ أو
رحلة خلوية ، إلى غير ذلك من المناظر المؤسفة والمحزنة وغير الحضارية ، التي
أجزم ومعي كل عاقلٍ ورشيد أنها أصبحت ظاهرةً سلبيةً ولا فتةً للنظر ، بل إنها
أصبحت تستلزم التدخل ( الرسمي ) ، والعمل الجاد على الحد منها والقضاء عليها
ووضع الضوابط المناسبة لتنظيمها ، والحرص على نشر الوعي الصحيح في هذا الشأن
بين أبناء المجتمع وفئاته ، فكلنا نعلم أن زيارة المرضى تكون للسلام عليهم ،
والاطمئنان على صحتهم ، والدعاء لهم ، وكلنا نعلم أن زيارة أو عيادة المريض
ينبغي أن تكون مختصرةً وقصيرة ، وفيها يقول الشاعر :
أدب العيادة أن تزور مُسلِّمًا --- وتكون في أثر
السلام مودعًا
فيا أيها الإخوة الكرام ، ويا أصحاب العقول و
الأفهام إلى متى تستمر هذه المناظر المؤسفة ؟ وإلى متى تشوه مثل هذه التصرفات
واقعنا الاجتماعي المُثقل بالكثير من الصور المؤسفة في شتى المجالات ؟
وإلى متى ونحن نشتكي من مثل هذه الصور والسلوكيات المخالفة للعقل الرشيد
والمنطق السديد ؟
إنها دعوةٌ لكل فردٍ في المجتمع للإقلاع عن مُمارسة مثل هذا السلوك ، والعمل
على الإسهام الفاعل في التوعية بخطئه ومجانبته للصواب .
والله تعالى أسأل التوفيق والسدّاد ، والهداية والرشاد ، والحمد لله رب العباد
.