|
الحمد لله الذي علّم الإنسان ما لم يعلم ، والصلاة والسلام على خير من تعلَّم
وعلَّم ، وعلى آله الأخيار ، وصحابته الأطهار ، وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا عزيز
يا غفّار . أما بعد :
فكُلنا نعلم أن صلاة الاستسقاء سنةٌ مؤكدة ، وهي واحدةٌ من الصلوات التي سنّها
معلم الناس الخير ( صلى الله عليه وسلّم ) وأعلنها في الناس ، وخرج لها إلى
المُصلى . وهي صلاةٌ يؤديها العباد عند انحباس القطر وعدم نزول الغيث أو تأخره
، فيتوجهون إلى الله تعالى بالصلاة ، والدعاء ، ويُكثرون من الاستغفار ، وطلب
الغوث ممن له خزائن السموات والأرض جل في عُلاه .
وقد جرت العادة أن يُعلن الإمام عن إقامتها قبل موعدها بأيام حتى يستعد الناس
لأدائها ، ويحضرون إلى المصلى المُخصص لإقامتها في وقتٍ مُحدد - جرى العرف عليه
- بين الناس في بلادنا ، وربما في غيرها من بلاد المسلمين ، وهو وقت صلاة العيد
الذي عادةً ما يكون بعد طلوع الشمس بوقتٍ يسير .
وهنا أقف مع مسألة تحديد وقت أداء صلاة الاستسقاء الذي يُمثل مُشكلةً تحتاج من
عُلمائنا الأفاضل إلى إعادة نظر ، وبخاصةٍ أن غالبية الناس يظنون أنه وقتٌ
مفروضٌ ، وأنه لا يصح أداء هذه الصلاة إلاّ فيه ، الأمر الذي يحول - كما يعلم
الجميع - دون أن يؤديها كثيرٌ من الناس الذين يكون أغلبهم مشغولون بالذهاب إلى
أماكن أعمالهم ، أو إيصال أبنائهم أو زوجاتهم إلى المدارس وغيرها من أماكن
العمل المختلفة .
ولذلك فإنه لا يؤدي هذه الصلاة إلا أعداد قليلة من الناس ، بينما يُحرم
الكثيرون من أدائها لارتباطها في أذهان الناس بهذا الوقت الذي هو في الحقيقة
أحد الأوقات التي يمكن أن تؤدي فيها ؛ وهو ما يقول به أهل العلم الذين يرون أن
هذه الصلاة يمكن أن تؤدى في كل وقتٍ ، ما عدا أوقات الكراهة التي نُهي عن
الصلاة فيها . فقد جاء في كتاب ( المجموع ) للنووي ( 5 /77) قوله :
" في وقت صلاة الاستسقاء ثلاثة أوجه :
أحدها : وقتها وقت صلاة العيد .
الوجه الثاني: أول وقت صلاة العيد ويمتد إلى أن يصلي العصر .
والثالث : وهو الصحيح ، بل الصواب : أنها لا تختص بوقت ، بل تجوز وتصح في كل
وقتٍ من ليلٍ ونهار , إلا أوقات الكراهة على أحد الوجهين . وهذا هو المنصوص
للشافعي , وبه قطع الجمهور وصححه المحققون " .
وليس هذا فحسب ، فقد جاء في ( الموسوعة الفقهية ) ( 3/308 ) ما نصه :
" إذا كان الاستسقاء بالدعاء ، فلا خلاف في أنه يكون في أي وقت , وإذا كان
بالصلاة والدعاء , فالكل مُجمعٌ على منع أدائها في أوقات الكراهة , وذهب
الجمهور إلى أنها تجوز في أي وقتٍ عدا أوقات الكراهة . والخلاف بينهم إنما هو
في الوقت الأفضل , ما عدا المالكية فقالوا : وقتها من وقت الضحى إلى الزوال ,
فلا تصلى قبله ولا بعده "
والمعنى أنه يجوز أن تؤدى صلاة الاستسقاء بعد أي صلاة من الصلوات المفروضة التي
يجتمع فيها الناس .
وبناءً على ما تقدّم ، فإنني أطرح مسألةً أرى أنها تُشكِل إلى حدٍ ما على فئةٍ
ليست باليسيرة من الناس ، و تشغل الكثيرين منهم ، وتحتاج إلى تجليةٍ وبيان حتى
لا يُحرم عباد الله من أداء هذه الصلاة مع إخوانهم المسلمين بسبب عدم اختيار
الوقت المناسب وتعارضه مع مصالحهم الدنيوية اللازمة والضرورية ، وأقول مستعينًا
بالله تعالى :
=
لماذا لا تؤدى صلاة الاستسقاء في غير الوقت المعروف الذي جرى العُرف أن تؤدى
فيه ولاسيما أن في الأمر سعةٌ ولله الحمد؟
=
ولماذا لا يتصدى العُلماء والدعاة والخُطباء لمثل هذه القضية التي تستحق أن
تُسلط عليها الأضواء ، ولاسيما أنها من أمور الدين التي يُفترض أن يعلمها
ويتعلمها الناس ؟
=
ولماذا لا تؤدى صلاة الاستسقاء بأي صورةٍ من صورها ( صلاةً أو دعاءً ) في وقت
الضُحى مثلاً ، أو بعد صلاة الجمعة حينما يكون الناس مجتمعين ومهيئين لذلك ، أو
بعد صلاة الظهر ، أو العصر ، أو المغرب ، أو العشاء ، ونحو ذلك ؟
=
ولماذا لا يُستقطع بعض الوقت اليسير في المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية
والكليات وأماكن العمل في مؤسسات المجتمع المختلفة لأداء صلاة الاستسقاء جماعة
داخلها بمختلف الصور التي يمكن أن تؤدى بها ، وبذلك نضمن أن غالبية الناس قد
تمكنوا من أدائها وليس التأخر عنها ؟
=
وهل من الضرورة أن يكون أداء صلاة الاستسقاء محصورًا في يومي الاثنين أو الخميس
دون غيرهما من أيام الأسبوع ؟
وختامًا أقول : هذه بعض التساؤلات التي
أتمنى أن تجد إجاباتٍ شافيةٍ وواقعية لما يقتضيه واقع الناس وحالهم وحاجاتهم
وضروراتهم ، والله تعالى أسأل أن يوفقنا جميعًا لما فيه التوفيق والسدّاد ،
والهداية والرشاد ، والحمد لله رب العباد .