الدكتور صالح بن علي أبو عرَّاد
أستاذ التربية الإسلامية المساعد بكلية المعلمين في
أبها
الحمد لله القائل : { ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني
من المسلمين } ، والصلاة والسلام على من بعثه الله ليُتمم مكارم الأخلاق فكان r
صاحب أعظم خُلقٍ ، وأكملُ أدبٍ ، وأرفعُ سلوك ، وبعد :
فإن الدعوة إلى الله تعالى رسالةٌ عظيمةٌ وشرفٌ كبيرٌ اختص الله به من شاء من
عباده الذين حملوا شرف هذه المهمة ، وقاموا بها على منهج الأنبياء والرسل
الكرام - عليهم أفضل الصلاة والسلام - ، فهم يجتهدون في تبليغ دين الله تعالى
للآخرين في كل زمانٍ وأي مكان تحقيقاً لقوله عز وجل : { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي
أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ
اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } ( سورة يوسف : الآية رقم 108 ) .
وليس هذا فحسب ؛ فعن طريق الدعوة إلى الله تعالى يحمل هؤلاء الدعاة إلى الله
تعالى رسالة الإسلام الخالدة وتربيته العظيمة إلى مشارق الأرض ومغاربها ،
صافيةً نقيةً ليُخرجون الناس من الظُلمات إلى النور ، وليهدونهم - بإذن الله
تعالى - إلى طريق الحق وسبيل النجاة في هذه الحياة الدنيا .
من هنا ؛ فإن على الداعي إلى الله تعالى أن يتحلى بمجموعةٍ من الصفات الأخلاقية
السلوكية التي تُمثل في مجموعها أخلاق الدين الإسلامي الحنيف ، وسلوكيات
التربية الإسلامية المثالية التي جاء ذكرها في مواضع كثيرةٍ من كتاب الله
العظيم ، وسنة رسوله الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، والتي تحلى بها
الصحابة ( رضوان الله تعالى عليهم ) في سلوكهم القولي والفعلي ، فكانوا بحقٍ
دعاةً لله تعالى على علمٍ وبصيرةٍ ؛ ولأن تعداد هذه الأخلاق وبيانها يحتاجُ إلى
شرحٍ وبيانٍ ، فإنني في هذه العُجالة أُشيرُ إلى أبرز وأجمل هذه الأخلاق
والسلوكيات ومنها:
( 1 ) الصدق والأمانة :
وهما خُلقان متلازمان وصفتان مُتكاملتان تُشيران إلى مراقبة الإنسان لله تعالى
في القول والعمل والنية ، فلا يقول إلا الحق ، ولا يعمل إلا الخير ، ولا ينوي
إلا النية الصالحة . وهذا يعني أن معناهما يتسع ليشمل كل جزئيةٍ في حياة
الإنسان وكل شأنٍ من شؤونه ، الأمر الذي يمكن التأكيد معه على أنه لا يمكن
للداعي إلى الله تعالى أن ينجح في دعوته بدون التحلي بهما لما يحملانه من جميل
المعاني وكريم الصفات .
( 2 ) التواضع والتسامح :
وهما خُلقان آخران لهما أثرٌ كبيرٌ ودورٌ فاعلٌ في تقبل المدعوين لشخصية الداعي
إلى الله تعالى ، وقبولهم لما يدعو إليه ، ولأن فيهما منافاةً للكبر والغرور
والخُيلاء ، كما أن فيهما خفضٌ للجناح ولين الجانب والعفو عن زلات الآخرين
وأخطائهم . ومن التواضع أن يسأل الله تعالى الإخلاص والصلاح في النية ، وأن
يسأل الله تعالى قبول عمله ، وأن يحذر من الرياء أو العُجب الذي قد يحبط ما قام
به .
( 3 ) الرفق واللطف والرحمة بالمدعوين :
والمعنى أن يكون الداعي مُتحلياً بصفات اللين و اللطف ، والرحمة والشفقة
بالمدعوين ، والصبر على ما قد يصدر منهم ، أو ينتج عن دعوتهم من متاعب ومشاق
ولاسيما إذا كانوا حديثي عهدٍ بالدخول في الدين ، ثم لأن في التحلي بمجموع هذه
الأخلاق منافع عديدة تُثمرُ وتؤثر - بإذن الله تعالى - في قلب المدعو ، فيأنس
للدعوة ، ويلين لها، ويتأثر بها ، ويتجاوب معها . كما أن على الداعي إلى الله
تعالى أن يكون حريصاً على إرادة الخير للمدعوين ودلالتهم عليه .
( 4 ) موافقة القول العمل :
وهي صفةٌ خُلقيةٌ رئيسةٌ يجب أن يكون الداعي مُتصفاً ومُتحلياً بها في كل شأنه
، وتعني أن يكون قدوةً صالحةً وأُسوةً حسنةً فيما يدعو إليه من القول والعمل
والنية . وهذا الخُلق لا يتحقق بغير الالتزام بما أمر الله به ، واجتناب ما نهى
الله عنه ، والبعد عما لا فائدة فيه ولا نفع منه من مجريات الحياة وإن كانت من
المباحات ، يُضاف إلى ذلك الترفع عن الدنيا ، وعن التنافس فيها والطمع فيما عند
الله تعالى حتى يكسب الداعي حب المدعوين وثقتهم .
( 5 ) معايشة الواقع والتعاطف الحي معه
:
وهذا خُلقٌ يقوم على ضرورة معايشة
الداعي إلى الله تعالى للواقع بما فيه ومن فيه ، وضرورة التعرف على مجرياته ،
وسبر أغواره ، وعدم الانعزال عنه . كما أن ذلك الخُلق يعني الشعور الصادق بما
يشعر به المدعوين من مشاعر وأحاسيس مختلفة تجمع بين الفرح والحزن ، والأمل
والألم ، والشدة والرخاء ، ونحو ذلك حتى تكون دعوته منطلقةً من الواقع ومناسبةً
له ولظروفه واحتياجاته .
( 6 ) الدعاء للمدعوين :
وهذا خُلقٌ فاضلٌ وطبعٌ كريمٌ يعتمد على
الحب في الله تعالى ، ويتم بتعويد النفس الدعاء للمدعوين بالفلاح والصلاح ،
والثبات على الحق ، والتوفيق والسداد ، والهداية والرشاد ، ونحو ذلك من جميل
الدعاء الذي يؤلف القلوب ، ويُرضي النفوس ، ويُحببها إلى بعضها .
وبعد ؛ فليست هذه كل الصفات الأخلاقية للداعي إلى الله تعالى ؛ فهناك الكثير
منها ، إلا أن هذه المجموعة لازمةٌ له على وجه التحديد حتى ينجح في تبليغ دعوته
وأداء رسالته على خير وجهٍ بإذن الله تعالى ، يُضاف إلى ذلك أن على الداعي إلى
الله تعالى أن يكون مُتحلياً بكل خُلقٍ جميل ، ومُتصفاً بكل طبعٍ نبيل ، والله
الهادي والموفق إلى سواء السبيل .