|
*
أيها المريض المسلم .
*
يا من فقدت لذة الصحة وحُرمت طعم العافية .
*
يا من رقدت غير مختار على السرير الأبيض .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد :
فإن من أعظم نعم الله سبحانه وتعالى على عباده أن متعهم بالعافية ورزقهم الصحة
والسلامة ؛ كالتاج على رؤوسهم لا يراه إلا المرضى الذين يرقدون على فراش المرض
يئنون ويتوجعون ، ويتألمون آناء الليل وأطراف النهار وهم تحت رحمة الله جل وعلا
؛ ثم عناية من حولهم من الأهل و الأطباء و الممرضين لا يملكون لأنفسهم حيلة ،
ولا يجدون مهرباً مما هم فيه إلا بفضل الله ورحمته . ولأن الأمراض والأوجاع مما
يُبتلى به عباد الله في أجسامهم وأنفسهم فلا ينعمون بطعم الحياة ولذة الصحة ،
وربما حُبسوا على فراش المرض دونما قيامٍ أو قعودٍ أو حركةٍ ، الأمر الذي تثقل
معه الأجسام ، وتتعطل معه الحركة ، وتقِل به الصُحبة ، وتضيق معه النفس ؛ فقد
رأيت من واجبي أن أكتب هذه الرسالة لإخواني المرضى مواسياً لهم ومشاركاً ، فعسى
أن يكون بين أسطرها تخفيفاً لآلامهم وأوجاعهم ، وتذكيراً لنا جميعاً بفضل الله
ورحمته . وفيها أقول مستعيناً بالله وحده :
•
يا من تعلم أن ما أصابك ليس إلا بقدرة الله تعالى ، أحسن الظن بالله سبحانه حتى
يهون عليك ما أنت فيه من مرض ، فإن الله لطيف بعباده . واعلم أنك متى أحسنت
الظن بالله سبحانه شعرت بالرضا ، وهان عليك مرضك لأنك على يقين تام بأن الله لا
يُقدِّر إلا الخير ؛ ثم إن من قدَّر عليك المرض ليس إلا أرحم الراحمين الذي هو
أرحم بخلقه من الأم بولدها .
•
يا من ابتليت في صحتك وعافيتك ، احمد الله تعالى أن ما أصابك من مرض أو ابتلاء
لم يكن في دينك ؛ فإن المصيبة في الدين هي الخسران المبين . واحذر ـ عافاك الله
ـ من التسخط وإظهار الجزع ، وعدم الرضا بالقدر فإن ذلك مما لا يليق بالإنسان
المسلم ولا يجوز له بحال من الأحوال . يقول أحد علماء السلف : " ما أصابتني
مصيبة إلا حمدت الله عليها لأربع : أن لم يجعلها في ديني ، وأن رزقني الصبر
عليها ، وأن لم يجعلها أكبر منها ، وأن رزقني الاسترجاع عندها " .
•
يا من تطمع في رحمة الله تعالى وفضله ، لا تنس أن المرض كفارة – بإذن الله –
للذنوب والخطايا ؛ فقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما يُصيبُ
المسلمَ من نَصَبٍ ولا وَصَبٍ ولا همٍ ولا حزنٍ ، ولا أذى ، ولا غمٍّ – حتى
الشوكة يُشاكُها – إلا كفَّر الله بها من خطاياه "
( رواه البخاري ، الحديث رقم 5641 ص 999 )
. فاستبشر أخي المريض المسلم خيراً بلُطف الله تعالى ورحمته ، واعلم – شفاك
الله – أن مُصيبتك أهون من مصيبة غيرك ؛ وأن هناك من هو أشد منك بلاءً ، وأكثر
ألماً و وجعا . قال الشاعر :
في كل بيتٍ محنةٌ وبليةٌ *** ولعل بيتك إن شكرت
أقلها
• يا من
أحاطت بك الآلام والأوجاع ، احتسب ما تشتكيه من مرض عند الله تعالى فلعل ذلك
مقدَّرٌ منه سبحانه لرفع منزلتك في الدار الآخرة متى صبرت واحتسبت . فقد روي عن
أبي هريرة رضي الله عنه أن صلى الله عليه وسلم قال : " من يُرد الله به خيراً يُصبْ منه "
( رواه البخاري ،
الحديث رقم 5645 ، ص 999 ) . ولأن ذلك قد يكون ابتلاءً من الله سبحانه وتعالى ،
فالمؤمن مُبتلى لقوله تعالى : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ
وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ
الصَّابِرِينَ } ( البقرة : 155 )
. ولما روي عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
إنَّ عِظمَ الجزاءِ مع عظمِ البلاء ، وإن الله إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم ، فمن
رضي فله الرِّضا ، ومن سخط فله السَّخطُ " ( رواه الترمذي ، الحديث رقم 2396 ،
ص 540 ) . فعليك أخي المريض أن تصبر وأن تحتسب الأجر على ما أصابك ، وأن ترضى به امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم : " فمن رضي فله الرِّضا ، ومن سخط فله السَّخطُ ". وما
أحسن قول الشاعر في هذا المعنى :
إذا أجرى القضاء عليك خطباً *** فطب نفساً بما فعل القضاءُ
فكل شديدةٍ ولـها انفـراج *** وكل بليـةٍ ولـها انقضاء
وعذ بـالله يكفـك كل شـرٍ *** فإن الله يفـعلُ ما يشـاءُ
• يا من تنشد الصحة وتبحث عن العافية لا شك أنك تبحث عن أي علاج يمكن أن يُعالج
مرضك ويُريحك مما تجده من الآلام والأوجاع ، وهذا أمر مشروع ومأمور به شريطة أن
لا يكون حراماً أو غير جائز لما روي عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال : " إن الله خلق الداء والدواء ، فتداووا ، ولا تتداووا بحرام "
( رواه الطبراني ، الحديث رقم 649 ، مجلد 24 ، ص 254 )
. فإذا كان العلاج بما أباحته الشريعة فهو أمرٌ جائزٌ شرعاً ، أما إذا كان غير
ذلك مما فيه سحرٌ أو كهانةٌ أو شعوذة ونحو ذلك مما حرَّم الله تعالى فلا يجوز
أبداً لما فيه من احتمال الوقوع في الشرك ، أو الكذب والخِداع ، والتدليس
والاحتيال ، ولما في ذلك من الشر والفساد وأكل أموال الناس بالباطل ؛ إضافةً
إلى كونه أمراً يقدح في عقيدة الإنسان وصدق إيمانه – والعياذ بالله – فقد روي
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من أتى
كاهناً أو عرافاً فصدَّقه فيما يقول ، فقد كفر بما أُنزل على محمد "
( رواه أحمد ، الحديث رقم 9532 ، مج 2 ، ص 429 )
.
• يا من فقدت طعم العافية ، لا تُكثر من الشكوى والأنين فقد كان السلف الصالح
يكرهون ذلك لما فيه من الضعف وعدم الصبر . وعليك بكثرة الذكر تسبيحاً وتحميداً
وتكبيراً وتهليلاً ، واحرص – شفاك الله – على لزوم الاستغفار واللجوء إلى الله
سبحانه فإن في ذلك فرجاً لك ومخرجاً مما أنت فيه من ألمٍ وهمٍ ووجعٍ وضيق فقد
روي عن ابن عباسٍ - رضي الله عنهما – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "
من لزِم الاستغفارَ جعل الله له من كُل ضيقٍ مخرجـاً ، ومن كل همٍّ فرجاً ،
ورزقه من حيثُ لا يحتسب "
( رواه أبو داود ، الحديث رقم 1518 ، ص 234 )
. وعليك – أخي المريض المسلم – أن تُكثر من الدعاء الصادق والإلحاح في الطلب ،
فإن الله جل جلاله يُحب من عبده أن يسأله ، ومتى علم سبحانه وتعالى من العبد
الصدق والإخلاص أجابه وحقق رجاءه ، ورفع عنه ما يشتكيه بعزته وقُدرته سبحانه .
• يا من كثُرت همومك وزادت أوجاعك ، تذكَّر أن ما أصابك لم يكن ليُخطئك ، وأن
ما أخطأك لم يكن ليُصيبك ، وإياك والوقوع فيما يُسَولُه الشيطان لبعض المرضى
الذين يظنون أن السبيل إلى نسيان آلامهم ، والتخفيف من أوجاعهم ، والترويح عن
أنفسهم لا يكون إلا بسماع الموسيقى والغناء المُحرّم ، أو الانشغال بمتابعة
المسلسلات الهابطة ومُشاهدة الأفلام الساقطة التي هي في الحقيقة مرضٌ خطيرٌ
وداءٌ عظيم . وعليك – بارك الله فيك – أن تحرص على قراءة القرآن الكريم وتلاوة
آياته ، والإكثار من ذلك لما فيه من الأجر والثواب وحصول الطمأنينة ، كما أن
عليك أن تحرص على مطالعة الكتب النافعة والانشغال بقراءتها والاطلاع على
محتوياتها ؛ فإن لم تستطع فلا تُهمل سماع الأشرطة الإسلامية التي تشتمل على
التلاوات المباركة ، والمحاضرات النافعة ، والدروس المفيدة ، والخُطب العظيمة
التي يمكن أن تُشغل بها وقتك ، وتنسى بها ألمك ، وتحصل بها على عظيم الأجر
وجزيل الثواب – بإذن الله تعالى - .
• يا من صبرت على ما أصابك واحتسبته عند الله تعالى ، اعلم أن في مرضك خيرٌ
كثيرٌ لك – بإذن الله تعالى – لما فيه من تطهيرٍ لقلبك وجوارحك من الذنوب
والخطايا ، ونيلٍ لعظيم الأجر وجزيل الثواب الذي أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ،
فعن صُهيبٍ رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عجباً لأمر المؤمن ، إنَّ أمره كُلَّه
له خيرٌ ، وليس ذلك لأحدٍ إلاَّ للمؤمن ، إن أصابته سرَّاءُ شكر ، فكان خيراً
له ، وإن أصابته ضرَّاءُ صبر فكان خيراً له "
( رواه مسلم ، الحديث رقم 7500 ،
ص 1295 ) . وليس هذا فحسب بل إن من كرم الله جل جلاله عليك أن يُجري لك
الأجر والثواب على أعمالٍ لم تعملها ، ولكنك كنت تُحافظ عليها قبل مرضك ، فقد
روي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : "
إذا مرض العبدُ أو سافرَ كُتبَ له مثل ما كان يعملُ مُقيماً صحيحاً "
( رواه البخاري ، الحديث رقم 2996 ، ص 495 )
.
• يا من مسك الله بضُرٍ لا يكشفه إلا هو سبحانه ، اصبر على ما قضاه الله تعالى
وقدَّره عليك ، فإن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، وإياك أن تيأس أو تقنط
من رحمة الله تعالى ؛ فإن ذلك مُخالفٌ لهدي الإسلام وتربيته وآدابه ، واحذر من
تمني الموت متى اشتد عليك المرض لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : سمعت رسول
الله يقول : " لا يتمنين أحدكم الموت إما مُحسناً فلعله يزداد خيراً ، وإما
مسيئاً فلعله يستعتب " ( ابن حبان ، رقم 3000 ،
مج 7 ، ص 266 ) .
• يا من منعك المرض من الذهاب إلى بيوت الله في الأرض ، الحذر الحذر من ترك
الصلاة خلال فترة المرض أو التهاون في أدائها في أوقاتها ؛ لأن ذلك ذنبٌ عظيمٌ
وأمرٌ جسيم ، فترك الصلاة عمداً كفر – والعياذ بالله – كما أفتى بذلك عُلماء
الإسلام ، كما أن التهاون في أدائها ذنبٌ كبيرٌ يكون الإنسان منه على خطرٍ عظيم
. فعليك – ثبّتنا الله وإياك – بالمحافظة على أداء الصلاة في وقتها قائمًا أو
قاعداً أو مُضطجعاً أو مُستلقياً أو على قدر استطاعتك . وليس هذا فحسب بل عليك
أن تُذَكِّر من هم حولك من المرضى بعِظم شأن الصلاة ، وأهمية المحافظة عليها لا سيما وأن المرضى أحوج ما يكون إلى ذلك في حال مرضهم .
• وختاماً : أسأل الله العظيم أن يمن علينا وعليك بالعافية ، وأن يمنحنا جميعاً
صحة الأبدان وسلامتها من الأمراض الباطنة والظاهرة ، وأن يجعلنا جميعاً ممن إذا
أُنعِم عليهم شكروا ، وإذا ابتُلوا صبروا ، وإذا أذنبوا استغفروا . كما أسأله
جل في علاه أن يُعافي كل مُبتلى ، وأن يشفي كل مريض ، وأن يرحم كل ميت من أموات
المسلمين ، إنه وليُ ذلك والقادر عليه ، وصلى الله على محمدٍ وعلى آله وصحبه ،
وسلَّم تسليماً كثيراً .