الدكتور صالح بن علي أبو عرَّاد
أستاذ التربية الإسلامية بكلية المعلمين في
أبها
ومدير مركز البحوث التربوية بالكلية
الحمد لله المنعم المنان ، والصلاة والسلام على سيد ولد عدنان ، وعلى آله وصحبه
أجمعين ، أما بعد ؛
فكثيرة هي طرق الخير ، وكثير هم الراغبون في عمل الخير ، وهذا من فضل الله
تعالى وكرمه على عباده وخاصة في هذه البلاد التي أنعم الله عليها بنعم لا يمكن
أن نصفها بغير الوصف القرآني الذي يقول فيه الحق تبارك و تعالى : } وَإِنْ
تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا { ( سورة إبراهيم : من الآية 34 ) .
فلله الحمد حمداً كثيراً ، وله عظيم الشكر والثناء على ما نحن فيه من خيرٍ
كثيرٍ ونعمٍ مُتزايدة ، ولكن المؤسف والمؤلم أن يتحول عمل الخير في بعض الأحيان
القليلة إلى عكسه ، فيكون كفر النعمة وجحودها وعدم احترامها نابعاً ممن يريد
شكرها ، ويسعى إلى بذلها لمن يستحقها ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أقول هذا وقد آلمني جداً وأحزنني بعض ما رأيته من المناظر المؤسفة على صعيد
عرفات الطاهر يوم عرفة ، وفي أيام التشريق بمشعر منى ؛ حيث رأيت بعض السيارات
المحملة بأصنافٍ مختلفةٍ من النعم والخيرات ما بين مطعومٍ ومشروبٍ ، وقد
اعتلاها مجموعة من الناس لتوزيع ما تحمله هذه السيارات من خيراتٍ ونِعم على
ضيوف الرحمن ابتغاءً للأجر والثواب من الله سبحانه ، إلا أنهم ـ وللأسف الشديد
ـ لم يحسنوا أداء ذلك ولا القيام به على الوجه المطلوب ؛ فقد كانوا يقذفون بعلب
اللبن ، والعصير ، والزبادي ، والآيسكريم ، والماء البارد ، ونحوها من فوق
السيارات بشكلٍ عشوائي على عشرات الحجاج الملتفين حول هذه السيارات ، والذين
يتسابقون ويتدافعون في محاولةٍ منهم للحصول على هذه العلب والظفر بها قبل أن
تسقط على الأرض فتتلف وتختلط بالتراب أو الأسفلت .
وهكذا يتكرر المشهد فتكون النتيجة كثرة الزحام والصراخ وارتفاع الأصوات وسقوط
هذه العلب على الأرض دون أن يستفيد منها أحد ، وفي بعض الأحيان ترتطم بأجسام من
هم حول هذه السيارات ، إضافة إلى ما في تلك الطريقة من فوضوية وعشوائية ومشاهد
مؤلمة لا تتناسب مع حرمة الزمان والمكان ، وهكذا تتحول النية الصالحة لعمل
الخير وما يترتب عليها من شكر النعمة إلى العكس تماماً ؛ حيث تُمتهن النعمة ولا
تحترم لسبب بسيط يتمثل في سوء الطريقة المستخدمة لتوزيعها ؛ حيث كان من المفترض
أن يتم التوزيع بطريقةٍ منظمةٍ ومرتبةٍ وهادئة حتى يمكن الإفادة منها ، وحتى
يتسنى للنا س شكر الله تعالى على ذلك ، وحتى لا تتحول نيةُ عمل الخير إلى عكسها
ولا حول ولا قوة إلا بالله .
فيا من تحرصون على عمل الخير ؛ عليكم باختيار أحسن الطرق وأفضلها حتى يكون
عملكم مشكورا ، وسعيكم مأجورا ، وعملكم مقبولاً ، وتذكروا أن الله طيبٌ لا يقبل
إلا طيباً ، والله نسأل أن يلهمنا جميعاً شكر نعمته ، والحمد لله رب العالمين .