الدكتور صالح بن علي أبو عرَّاد
أستاذ التربية الإسلامية بكلية المعلمين في
أبها
ومدير مركز البحوث التربوية بالكلية
الحمد لله الذي علّم آدم الأسماء كلها ، والصلاة والسلام على نبينا محمد بن عبد
الله وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد ؛
فقد اعتنى الإسلام بقضية الأسماء والمسميات عنايةً فائقةً ، وحرص أن يعطي
للأسماء مدلولاتٍ واضحة ، وللمسميات معاني صريحة . و ما ذلك إلا لأن التلاعب
بالأسماء والمسميات أمرٌ ليس باليسير؛ وقد يترتب عليه الكثير من المفاهيم
المغلوطة ، والنتائج غير المتوقعة .
من هنا فقد عالج الإسلام ذلك الأمر بهدوءٍ وحكمةٍ ورؤيةٍ ، ودونما إفراطٍ أو
تفريطٍ ، وما ذلك إلا لأن دين الإسلام يهدف ضمن أهدافه وغاياته العظيمة إلى
إعداد وإخراج الأمة المسلمة السوية بدأً من الاسم وانتهاءً بالمسمى . فكان ذلك
( ولله الفضل والمنة ) ، تميزاً واضحاً لأمة الإسلام في هذا الشأن .
وعلى الرغم من هذا كله ؛ فإن مما يُلاحظ في وقتنا الحاضر أن هناك تهاوناً
كبيراً في هذه القضية التي هي على قدرٍ كبيرٍ من الحساسية ، فالمُتابع الجيد
لواقع حياتنا المعاصر ، يجد أن كثيراً من الأسماء قد قُلبت معانيها ، وتبدلت
دلالاتها؛ فالكذب والخداع والمراوغة أصبحت تُسمى دبلوماسية ، والرشوة تسمى هدية
أو إكرامية ، والربا مجرد فوائد بنكية ، والخمور والمسكرات مشروبات روحية ،
والسفر إلى الخارج للفساد وللبحث عن المتعة الرخيصة ليست سوى سياحة ، والحب
الساقط والغرام وانتهاك الأعراض حريةٌ شخصية ، وتقليد الغرب في أنماط حياتهم
وطرق معيشتهم موضة عصرية ، والتمسك بالقيم والأخلاق والموروثات الشرعية أصوليةٌ
وتزمتٌ ورجعية ، والغناء يسمى ابتهالاً ، والنفاق مجاملةً ، والزنا خيانة زوجية
، والمجون والدياثة فناً ، والجريمة بطولة ، والسفور ونزع الحجاب مدنية وتقدمية
... إلى آخر تلك القائمة الطويلة من المصطلحات المقلوبة في دلالاتها ومعانيها
والتي نسمعها ونرددها كل يوم مراتٍ ومرات ، دون أن نقف معها وقفةً صادقةً نُحقق
فيها في مدى صحة الاسم ومطابقته لواقع وحقيقة المُسمى .
فيا أبناء الإسلام ، ويا شباب الإيمان ؛ إن لقضية اختلاف الأسماء والمسميات
دوراً كبيراً في حياة الناس ، إذ إن انتشار هذه المسميات غير الصحيحة وغير
المطابقة لواقع الحال ؛ ليس إلا دلالةٌ واضحة على أن هناك من يقف خلفها من
الحاقدين والمفسدين والمخرِّبين والمُتلاعبين الذين يُخططون بطرقٍ مُباشرةٍ
وغير مُباشرة لهدم كيان الأمة ، وسلب خصوصيتها ، والقضاء على تميزها ومصداقيتها
، وتمزيق وحدتها ، والعبث بأصالتها ، وضياع هويتها. وصدق الله القائل : { إِنْ
هِيَ إِلاّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ
اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ } ( سورة النجم : من الآية 23 ) .
وفقنا الله جميعاً لصادق القول وصالح العمل ، وبصّرنا بكيد الكائدين ، ومكر
الماكرين ، وكفانا ما يُريده لنا أعداء الملة والدين ، والحمد لله رب العالمين
.