الدكتور صالح بن علي أبو عرَّاد
أستاذ التربية الإسلامية بكلية المعلمين في
أبها
ومدير مركز البحوث التربوية بالكلية
الحمد لله الواحد ، والصلاة والسلام على النبي الماجد ، وبعد ؛
فلكل تربيةٍ من أنواع التربية قديمةً كانت أو حديثةً ، مصادر معروفة تستمد منها
أصولها الثابتة الراسخة ؛ و تستقي منها منهجها وإطارها الفكري الذي نبع من تلك
الأصول وتشَّكل في صورته النهائية . ومن ثم تتم ترجمته إلى واقعٍ مُعاشٍ و
ممارساتٍ تربويةٍ ماثلةٍ للعيان .
ولأن التربية الإسلامية نابعةٌ من الدين الإسلامي الحنيف ؛ فإن مصادرها هي نفس
مصادر الدين الإسلامي التي تعتمد عليها التربية الإسلامية في بناء و تحديد
معالم نظامها التربوي .
وهنا أُشير إلى أن كثيراً من الكُتاب في عصرنا الحاضر قد أشاروا إلى أن مصادر
التربية الإسلامية هي : ( القرآن الكريم ، و السُنة النبوية المطهرة ، وأقوال
الصحابة والتابعين - رضوان الله عليهم - ، والإجماع ، و الاجتهاد ، و القياس ،
و المصالح المرسلة ، ……إلخ ) . مستندين في زعمهم ذلك إلى أن مصادر التربية
الإسلامية هي نفسها مصادر التشريع الإسلامي إلا أنني أرى - من وجهة نظري - أن
ذلك أمرٌ ليس على اطلاقه ، ويحتاج إلى تمحيصٍ وتدقيقٍ وإعادة نظر ؛ فمصادر
التربية الإسلامية كعلمٍ من العلوم التربوية تتمثل في المصادر التالية :
1)
القرآن الكريم الذي يُعد المصدر الأول و الأساسي للتربية الإسلامية لما فيه
من تشريعات إلهية و توجيهات تربوية ربانية تهدي إلى الحق ، و إلى الطريق
المستقيم ، وتهدف إلى إصلاح النفس البشرية و إسعادها في الدنيا و الآخرة . قال
تعالى : { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } ( سورة الاسراء : من الآية 9 ).
2 )
السُنة النبوية المُطهرة التي تُعد مصدراً رئيساً من مصادر التربية الإسلامية
، لما فيها من الهدي النبوي العظيم
المستمد في الأصل من كتاب الله العظيم ، ولما فيها من توضيحٍ وبيانٍ لمنهج
التربية الإسلامية الذي جاء مجملاً في القرآن الكريم ؛ إضافةً إلى كونها جاءت
بتشريعاتٍ ، و توجيهاتٍ ، وآدابٍ نبويةٍ أخرى لم ترد في القرآن الكريم ؛ وإنما
تم استنباطها من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ومعالم شخصيته المتميزة التي
جعلها الله سبحانه أُسوةً حسنةً و قدوةً متجددةً على مر الأجيال .
3 )
منهج وتراث السلف الصالح ويشمل مجموع اجتهادات
، وآراء ، وأفكار العُلماء ،
والفقهاء ، و المفكرين ، و المربين المسلمين في مجال التربية عبر التاريخ
الإسلامي ، إضافةً إلى ما تزخر به سيرهم الخالدة من مواقف تربوية مختلفة ؛
شريطة أن يكون هذا التراث متفقاً وغير متعارض مع ما جاء في كتاب الله العظيم و
سُنة نبيه الكريم ، ومضبوطاً بالضوابط الشرعية ؛ و مُحققاً لأهداف التربية
الإسلامية وغاياتها السامية.
4 )
الصالح من الفكر التربوي المُعاصر والمُستجد :
ويُقصد بذلك مجموع الدراسات
والأبحاث والملاحظات العلمية والطروحات الفكرية التربوية المُعاصرة التي يُمكن
الإفادة منها في القضايا والمشكلات التربوية المختلفة ، لاسيما وأن المجال
التربوي يُعد مُتطوراً ومُتجدداً وغير ثابتٍ أو مستقر ؛ فكان لا بُد من
الانفتاح المُنضبط والإيجابي على مُختلف المعطيات الحضارية المُعاصرة شرقيةً
كانت أو غربية ؛ للإفادة مما وصل إليه التقدم العلمي في مختلف المجالات ، مع
مراعاة أن تتم الإفادة من الجانب الإيجابي فيها ، والذي لا يتعارض بأي حالٍ مع
ثوابتنا الشرعية وتعاليم ديننا السمحة .
والمعنى ؛ أن مصادر التربية الإسلامية كعلمٍ تربوي تمتاز وتنفرد عن غيرها من
أنواع التربية الأخرى بكونها تجمع بين نوعين من المصادر هما:
أ ) المصادر الإلهية ( الأصلية )
المتمثلة في المصدرين الأساسيين ( القرآن و السُّنة ) لأنهما يشتركان في كونهما
جاءا وحياً من الله سبحانه ، فقد روي عن المقداد بن معد يكرب - رضي الله عنه-
أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " ألا إني أُوتيت الكتاب ومثله معه" ( رواه أحمد و أبو داود )
.
ب ) المصادر البشرية ( الفرعية )
التي تتمثل في كلٍ من : تراث السلف الصالح لهذه الأمة وفكرهم التربوي سواءً كان
ذلك الفكر في الماضي أو الحاضر ، والصالح من الفكر التربوي المُعاصر والمُستجد
؛ شريطة أن يتفق هذا التُراث البشري قديماً كان أو حديثاً ، مع ما جاء في
المصادر الأصلية ، ولا يتعارض معه بأي حالٍ من الأحوال .