الدكتور صالح بن علي أبو عرَّاد
أستاذ التربية الإسلامية بكلية المعلمين في
أبها
ومدير مركز البحوث التربوية بالكلية
الحمد لله حمد الشاكرين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين ، وعلى
آله وصحبه والتابعين ، أما بعد :
فقد جرت العادة في كثيرٍ من كتبنا و مناهجنا عند تقسيم العلوم والمعارف أن يتم
تصنيف العلوم التربوية بمختلف فروعها وميادينها ضمن قسم العلوم الإنسانية التي
جاءت تسميتُها بهذا الاسم ترجمةً لكلمة Humanities الإنجليزية ؛ ومعلوم أن
العلوم الإنسانية مصطلح غربي يُقصد به مجموعة العلوم التي تهتم بدراسة الإنسان
، وتُعنى بكل شؤونه فهي بذلك تستمد مصادرها ، وتستقي مناهجها من فكر الإنسان ،
وتجاربه ، و خبراته ، ومجريات حياته ، وتعتمد على ذلك اعتماداً كُلـيًّا .
وبناءً على هذا التعريف فإن العلوم الإنسانية مثل : (علم التربية ، وعلم النفس
، وعلم الاجتماع ، وعلم الاقتصاد ، وعلم التاريخ ، … إلخ ) ؛ تختلف اختلافاً
كُليًّا وجذريًّا عن تلك العلوم الإلهية الشرعية التي تعتمد مصادرها ، و تُبنى
مناهجها ، وتُستمد توجيهاتها من الوحي الإلهي والتشريع الرباني الذي جاء من عند
الله سبحانه وتعالى ، والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
وانطلاقاً من كون التربية الإسلامية -كما هو شائع عند الجميع -أحد فروع العلوم
التربوية التي تُعنى بدراسة أصول هذه التربية ، وتاريخها ، وفكرها ، وأهدافها ،
ومناهجها ، وأساليبها ،…إلخ من وجهة النظر الإسلامية ؛ فإنها في -حقيقة الأمر
-تختلف اختلافاً جوهرياً عن بقية تلك العلوم التربوية فهي لا تنتمي إلى العلوم
الإنسانية انتماءً كليًّا ؛ ولا يمكن القول بأنها تنضوي تحت لوائها بصورةٍ
كليةٍ ومباشرةٍ لأنها علمٌ ثنائي المصدر حيث تعتمد في المقام الأول على الوحي
الإلهي المتمثل في كتاب الله العظيم القرآن الكريم ، وسُنة الرسول الكريم عليه
أفضل الصلاة والتسليم قوليةً كانت ، او فعليةً ، أو تقريريةً . فهي بذلك إلاهية
المصدر في المقام الأول وهو ما يُعبر عنه بالمصادر الرئيسية للتربية الإسلامية
.
كما أنها تُفيد كثيراً من مصدرٍ آخرٍ يُعد مصدراً فرعياً يشتمل على القسمين
التاليين :
(أ)
تراث ومنهج السلف الصالح المتمثل في مجموع أفكار ، واجتهادات ، وآراء الفقهاء ،
و العُلماء ، والمفكرين والمربين المسلمين ، التي لها علاقة بالمجال التربوي
عبر العصور الإسلامية المختلفة .
(ب)
الصالح من الفكر التربوي المُعاصر والمُستجد : ويُقصد بذلك مجموع الدراسات
والأبحاث والملاحظات العلمية والطروحات الفكرية التربوية المُعاصرة التي يُمكن
الإفادة منها في مختلف القضايا والمشكلات التربوية ، مع مراعاة أن تتم الإفادة
من الجانب الإيجابي فيها ، والذي لا يتعارض بأي حالٍ مع ثوابتنا الشرعية
وتعاليم ديننا السمحة .
فهي بذلك إنسانية أو بشرية المصدر في المقام الثاني وهو ما يُعبر عنه بالمصادر
الفرعية للتربية الإسلامية .
وبذلك يمكن القول : إن تصنيف علم التربية الإسلامية ضمن العلوم التربوية
التابعة للعلوم الإنسانية والاجتماعية تصنيفٌ غير صحيح أبداً ؛ ولا يتفق بحالٍ
من الأحوال مع الواقع ، الذي يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن علم التربية
الإسلامية ليس علماً أُحادي المصدر ؛ وإنما هو علم ثنائي المصدر ؛ فهو يجمع بين
الوحي الإلهي ( في الدرجة الأولى ) ؛ وبين المعرفة البشرية ( في الدرجة الثانية
) شريطة أن تكون هذه المعرفة البشرية ( قديمةً كانت أو حديثةً ) خاضعةً تماماً
لما جاء به الوحي ؛ وغير متعارضةً معه .
وهذا يعني أن من الواجب علينا جميعاً في مدارسنا ، ومعاهدنا ، وجامعاتنا ، أن
نبادر إلى تصحيح كل ما له علاقةٌ بهذا الخطأ الشائع الكبير الذي انجرفنا فيه مع
التيار دونما تفكيرٍ ، أو تأملٍ ، أو تبصر ؛ وأن نعيد النظر في مناهجنا
التعليمية ، وما تشتمل عليه من مفردات ، وموضوعات ، ومواد تعليمية هي في حاجةٍ
ماسةٍ جداً إلى إعادة النظر ، والمراجعة ، والتصحيح ، و التنقيح ؛حتى تبقى
لتربيتنا الإسلامية هويتها المميزة ، وخصوصيتها المصدرية التي تميزها عن غيرها
من العلوم الأخرى .
وفق الله الجميع لما فيه الخير و السداد ، و الهداية و الرشاد ، و الحمد لله رب
العباد.