الدكتور صالح بن علي أبو عرَّاد
أستاذ التربية الإسلامية بكلية المعلمين في
أبها
ومدير مركز البحوث التربوية بالكلية
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وعلى
آله وصحبه أجمعين . أما بعد :
فقد تميز منهج التربية الإسلامية عن غيره من المناهج التربوية القديمة والحديثة
بشموله لمختلف أبعاد حياة الإنسان الدينية والدنيوية ، وعنايته الكاملة بجميع
جوانب النفس البشرية التي اختلفت و تباينت الطروحات الفكرية و الفلسفية في
شأنها ؛ إذ إن معظم أنواع التربية التي عرفتها البشرية عبر العصور المختلفة لم
تستطع أن تُحقق التكامل المطلوب ، أو الوصول إلى التوازن المنشود بين مختلف
الجوانب والطاقات والقوى التي فطر الله الإنسان عليها وزوده بها ؛ فقد كانت
كُلُ تربيةٍ منها تُعنى بجانبٍ واحدٍ من جوانب الشخصية الإنسانية على حساب
الآخر ، أو تهتم بإحـدى الطـاقات مقابل إهمال غيرها .
ولعل خير مثالٍ على ذلك أن التربية اليونانية مثلاً قد اهتمت اهتماماً بالغاً
بالجانب العقلي للإنسان في الوقت الذي أهملت فيه بقية الجوانب الأخرى ؛ في حين
أن التربية الرومانية ركّزت اهتمامها على الجانب الجسمي مقابل إهمال غيره من
الجوانب . أما التربية المسيحية فقد عُنيت كثيراً بالجانب الروحي للإنسان على
حساب غيره من الجوانب الأخرى …وهكذا .
وعندما ننظر إلى التربية الإسلامية نجد أنها جـاءت بخـلاف ذلك كله ؛ حيث تميز
منهجها التربوي بشموله لحياة الإنسان كلها ، وعنايته بجميع جوانب النفس البشرية
المتمثلة في الأبعاد الرئيسة الثلاثة ( الروح ؛ والعقل ؛ والجسم ) ؛ دونما
إهمالٍ أو مبالغة في حق أحدٍ منها على حساب الآخر . وهنا تجدر الإشارة إلى أن
عناية التربية الإسلامية لا تتصف بمجرد الشمول لهذه الجوانب الثلاثة ؛ فهي مع
شمولها تسعى إلى تحقيق التوازن المطلوب بينها دونما إفراطٍ أو تفريط . فللروح
حظها ، و للجسم حقه ، و للعقل نصيبه .
و ليس هذا فحسب ؛ بل إن الارتباط و التداخل بين هذه الجوانب الثلاثة يبرز
بصورةٍ لا يمكن معها فصلُ جانبٍ منها عن الآخر .
وبذلك يمكن القول : إن أبعاد أو جوانب الشخصية الإنسانية من منظور التربية
الإسلامية ثلاثة فقط هي ( الروح ، والجسم ، و العقل ) . وهذه الجوانب الثلاثة
هي الجوانب الرئيسة ؛ أما بقية الجوانب الأخرى - التي يُشير إليها كثيرٌ من
الكُتاب في هذا الميدان - مثل الجوانب الأخلاقية ، و الوجدانية ، و المعرفية ،…إلخ
؛ فلا تخرج عن كونها جوانب متفرعة عن هذه الأبعاد الثلاثة الرئيسة أو مندرجةً
ضمنها ؛ إلا أنها مع ذلك تحظى بحقها الكامل ، وحظها الوافر الذي يضمن لها أن
تؤدي دورها المطلوب منها بكل ثقةٍ و اقتدار؛ فتكون المحصلة النهائية لذلك كله
بناء وإعداد شخصية الإنسان المسلم بناءً كاملاً متكاملاً - بإذن الله - .
وفق الله الجميع لما فيه الخير والسداد ، والهداية والرشاد ، والحمد لله رب
العباد .