|
*
أيها المعلم المسلم .
*
يا مربي الأجيال ، وصانع الرجال .
*
يا من شرفك الله بمهنة الأنبياء و الرسل
عليهم السلام .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد:
فأكتب إليك هذه الرسالة من وراء اثنين وعشرين
عاماَ قضيتها في مهنة التعليم ؛شاعرا َبكثير من الاعتزاز والفخر لانتمائي إلى
مهنة هي أشرف المهن ، وصناعة هي أكرم الصناعات ، لاسيما وأنها رسالة الأنبياء و
الرسل عليهم الصلاة والسلام الذين أرسلهم الله تعالى إلى أقوامهم معلمين
ومُبشرين ومُنذرين يدعونهم إلى الصراط المستقيم ، ويخرجونهم من الظلمات إلى
النور ، قال تعالى : { وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ
وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ
يَحْزَنُونَ } ( سورة الأنعام : الآية رقم 48 ) . فيا أخي المعلم في أي مرحلةٍ
من المراحل ، وفي أي مادةٍ من المواد العلمية أو الأدبية أو غيرها ؛ أكتب لك
هذه الرسالة مُذكراً وناصحاً ، ومؤملاً أن تنال رضاك ، وأن تحوز إعجابك ، وأن
تكون عوناً لنا جميعاً على بذل المزيد من الجهد والسعي لما فيه الخير والصلاح .
وفيها أقول :
* يا من
أعَّـزهُ الله بالإسلام ، تَذَكَّر أن المعلم المسلم يحمل أشرف رسالة ، ويؤدي
أعظم أمانة ، وأن جمال رسالته مستمد من شرفها وبخاصة أن قدوته في ذلك أستاذ
البشرية ومعلم الإنسانية محمد صلى الله عليه وسلم ، فمن أجلُ وأشرفُ من المعلم
في مهنته ؟ الموظف أم البائع ؟ المهندس أم الصانع ؟ الطبيب أم المزارع ؟
إن كل أولئك و غيرهم من أبناء المجتمع إنما هم صنائع المعلم ، به قاموا
، وبه كانوا ، لذا فهو يسعَدُ إذ يرى أبناءه وقد كانوا من أولئك المهندسين
والأطباء والفنيين والخبراء .....الخ . الذين تنهض بهم الأمم ، وتقوم بهم
المجتمعات ، وينتشر على أيديهم الخير ويعم الصلاح . وصدق الله جل في عُلاه وهو
يقول : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً
كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ } ( سورة
إبراهيم : الآية رقم 24 ) .
* يا من
تخاف الله تعالى وترجوا رحمته ، اتق الله في عملك وراقبه سبحانه ؛ فإنه يراك في
كل وقتٍ وحين . واحرص على أدائه واجبك بالشكل الذي يرضاه جل في عُلاه ، وتذكر
ما روي عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال :
" إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه " ( رواه أبو يعلى في مسنده برقم
4386 ، المجلد السابع ، ص 349 ) .
ولا تنس - بارك الله فيك - أن حُسن تعاملك وتجاوبك مع مُديريك وزملائك ، أو
جلوسك في مكتبك ، أو فصلك ، أو معملك ، وقضاءَك لحاجة طلابك أو إجابتك عن
استفساراتهم يُعد عبادةً تُثاب عليها متى صلُحت نيتك واحتسبتها عند الله سبحانه
.
* يا من
يتيه فخراً على أقرانه من العاملين في القطاعات و الميادين الأخرى ؛ يكفيك أن
أسمى ما تعتز به تلك المودة والمحبة ، وذلك الاحترام والتقدير والوفاء الذي
تحظى به أينما اتجهت ، وحيثما حللت من طلاب الأمس الذين أصبحوا رجال اليوم .
وتذكر أن من يجلسون أمامك - الآن - على مقاعد الدراسة هم رجال الغد المشرق
وبُناة المستقبل الزاهر - إن شاء الله - . واعلم أن هؤلاء الطلاب أوسمةً على
صدرك ، ولئن كان البعض يعتزُ بوسامٍ واحدٍ يحمله بعد عملٍ جليلٍ طويل ؛ فإن
المعلم يحمل كل يومٍ وساماً ، ولئن كانت أوسمة الآخرين تُعلقُ على صدورهم فإن
أوسمة المعلم تعيش في قلبه ، ويجسدها وجدانه وهو يرى مكانته في نفوس الآخرين
اعترافاً بفضله وإجلالاً لقدره ، كما قال الشاعر :
يا صانع الأجيال ما كانت لنا *** من
غير صُنعك راية بيضاءُ
لولاك ما كان الخطيب مفوهاً *** ولما تغنى في الهوى الشعراءُ
* يا من
يعيش حياة التعليم ويستغرق فيها بعقله وقلبه ، ولا يرضى عنها بديلاً ، لا تكن
شمعةً تُحرق نفسها لتضيء الدرب للآخرين ؛ بل كن سراجاً يُضيء الدروب للآخرين
ولا ينسى نفسه من الخير والعطاء . وخيرُ سبيلٍ لتحقيق ذلك أن يكون شعارك في
حياتك قوله تعالى : } وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ
وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ { ( سورة فُصلت :
الآية رقم 33 ) . وأن تبذل كل ما في وسعِك لتكون قدوةً حسنةً لأبنائك الطلاب في
التزامك ، وموضوعيتك ، وسمّتِك ، وعدلِك ، وإنصافِك ، وفي تعاملك مع من حولك
على أُسسٍ قويمةٍ من التقوى والصلاح والأخلاق الفاضلة . ولله در الشاعر إذ يقول
:
إني أرى التدريس أشرف مهنةٍ ***
تبعـاته من أثقل التَبِعاتِ
فليتق الله الـمدرسُ دائـماً *** فيمن يُدَرِّسُه من الفلذات
* يا من
تعلم أن الله يراك في كل وقتٍ وحين ، تَذَكَّر أن التربية فن وعلم ورسالة عظمى
لمن وفقه الله لأدائها ، لا سيما وأنها تعتمد على رؤية المعلم لطلابه وتحسسه
لمشكلاتهم ، وحسن تقديره لظروفهم ومراعاته لأحوالهم . وحافظ على مواعيد الحضور
والانصراف ، وإياك أن تتأخر أو تتغيب عن طلابك بغير عذر يجبرك على ذلك فكل راع
ٍ مسؤول عن رعيته ، وكل معلمٍ مسؤول عن مهامه وواجباته ؛ التي إن أحسن أداءها
جوزي خيراً إن شاء الله تعالى ، وإن قصَّر حوسب وعوقب – والعياذ بالله من ذلك -
. وعليك أن تضع نصب عينيك تقوى الله جل جلاله في كل وقتٍ وحين ، والشعور
بمراقبته سبحانه وتعالى . وما أجمل قول الشاعر :
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل ***
خلوتُ ولكن قل عليَّ رقيب
ولا تحـسـبن الله يَغفـلُ سـاعة *** ولا أن ما تُخفي عليه يغـيب
* يا من
ترجوا رحمة الله تعالى وتخشى عقابه ، الحذر من الانشغال بأي عملٍ مهما كان
مهماً متى حان وقت الصلاة ، وعليك - بارك الله فيك - أن تُعوِّد نفسك على إجابة
النداء مبكراً ، وأداء الفريضة في وقتها حتى يكون عملك – بإذن الله تعالى –
عوناً لك على الطاعة . وتذكَّر أنه لا خير في عملٍ يؤخر المسلم عن أداء الفريضة
، أو يمنعه من إجابة داعي الله جل في عُلاه . فإذا ما فرغت من ذلك فإياك وإضاعة
الوقت فيما لا فائدة منه ولا نفع فيه ، و عُد مباشرةً إلى فصلك أو مكتبك أو
معملك حتى لا يتعطل سير العمل أو يضيع وقته .
* يا من
تقتدي بمعلم البشرية وأُستاذ الإنسانية ، كُن سهلاً لـيناً ، حبيباً لطيفاً في
تعـاملك مع من حولك من المديرين والموجهين والمرشدين والوكلاء وأولياء الأمور
والمستخدمين والعمال والطلاب ، وعليك بمساعدة من تستطيع منهم ومد يد العون له
في حدود ما تسمح به الأنظمة والتعليمات ، ودونما ضررٍ أو ضِرار ، وتذكّر أن من
يَسَّر على مسلم ، يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة ، وأن من رفق بمسلم رفق
الله به في الدنيا والآخرة ؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا :
" اللهم ! من وَلِيَ من أمر أُمتي شيئاً فشقَّ عليهم ، فاشقق عليه . ومن
وَلِيَ من أمر أُمتي شيئًا فرَفَق بهم ، فارفق به " ( رواه مسلم ، الحديث رقم
4722 ، ص 819 – 820 ) .
* يا من
تفتخر بدينك الإسلامي الحنيف ، وتعتز بانتمائك لأمة الإسلام ، حافظ على هويتك
المُتميزة وشخصيتك المُستقلة ، التي لا ترضى معها أن تتخلى أو تتنازل عن شيءٍ
من المظاهر مهما كان ذلك يسيراً في نظرك ؛ كأن تُحافظ على تحية الإسلام عند
الالتقاء بالزملاء والطلاب ، وأن تبدأ الدرس بحمد الله تعالى والصلاة والسلام
على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، والمحافظة على كتابة البسملة في أعلى
السبورة ، وترديد دعاء ختام المجلس عند نهاية الدرس ، والمحافظة على المظهر
الجميل والسمت الحسن ، ومراعاة سنن الفطرة ، ونحو ذلك من الآداب النبوية
والأخلاق الإسلامية التي تُميز شخصية المعلم المسلم ، وتحفظ هويته ، وتُعلي
منـزلته في أي زمانٍ ومكان .
* يا من
تبتغي بقولك وعملك ما عند الله تعالى من الخير العميم والثواب العظيم ، لا
تتردد في استخدام أُسلوب الثواب والمكافأة ، واحرص على توظيف أسلوب الثناء
المُباشر على طلابك إذا رأيت فيهم أو لمست منهم بادرةً حسنةً ، أو سلوكاً طيباً
. وما أحسن أن تُشجعهم على ذلك ببعض الهدايا المناسبة والجوائز الملائمة التي
تعود عليهم بالنفع والفائدة في الدنيا والآخرة كأن تقوم بتوزيع بعض الأشرطة
الإسلامية المختارة ، أو الكُتيبات ذات الموضوعات النافعة ، أو المطويات
المُختصرة ، أو نحو ذلك من الهدايا والمكافآت التي تُسهم في حثهم على الجد
والاجتهاد ومضاعفة الجهد في الدرس والتحصيل ، وتدفعهم إلى تحقيق الأهداف
النبيلة والغايات السامية ، وتغرس في أنفسهم المحبة والمودة لكلٍ من حولهم من
الكائنات والمكونات .
* يا من
تقوم بإعداد أجيال الأُمة ، وتربية رجال المستقبل ليقوموا بوظائف البلاد
وينهضوا بحضارة الأمة ، ويحملوا رسالتها ، تَذَكَّر أنك الأساس والمرتكز وحجر
الزاوية في بناء الأمة الحضاري ؛ فتحمل المسؤولية كاملة ، وكن أهلاً لأداء هذه
الرسالة العظيمة التي جسد أبعادها قول الشاعر :
أعلمت أشرف أو أجل من الذي *** يبني
وينشىءُ أنفساَ وعقولاَ
وقول الآخر :
إن المعلم في عينـي وفي نظـري *** نورٌ به
يهتدي من كان حيـراناَ
لولا " المعلم " ما كانت حضارتنا *** تزداد شأواً وتسمو في الدُنا شانا
وهذا يفرض عليك أن تكون مُلماً بكل جديدٍ ومُفيدٍ
في مجال تخصصك ، وأن تكون مُتمكناً من مادتك العلمية التي تقوم بتدريسها لطلابك
، وأن تكون حريصاً على الاطلاع والتجديد والتطوير المستمر لمعلوماتك ومهاراتك
وقدراتك وخبراتك حتى تتمكن من مواكبة تطورات العصر وتغيراته المتلاحقة .
* يا من
يُجهد نفسه ويُضحي بوقته ، ويبذُل الكثير لأداء رسالته ، ويجد في أثناء ذلك
كثيراً من المتاعب والعقبات ، لا تنس أنك مأجورٌ ومشكورٌ ـ إن شاء الله ـ على
ذلك كله متى أخلصت النية لله سبحانه ، وصبرت واحتسبت ذلك عند الله تعالى . فليس
هناك عملٌ بلا تعب ، ولا نجاح بلا سهر ، وما أجمل قول الشاعر الذي صوُّر حال
مهنة التدريس بقوله :
ما أحسن التدريس لـولا الابتلا ***
بمُشاكسٍ أو أحمـقٍ أو عاتـي
أو ذي غبـاءٍ ليس يفهم درسـه *** ولديه نثر القـول كالأبيـات
* وختاماً
، أُهديك أخي المعلم عظيم شُكري ، ووافر تحيتي ، وخالص دعائي بالتوفيق والسداد
، والهداية والرشاد في مسيرتك المُباركة ، ومشوارك الطويل لأداء هذه الرسالة
العظيمة التي جعلتك محط الأنظار ، ومحل العناية والاهتمام في هذا الزمان وكل
زمان . وصلى الله على محمدٍ المختار وآله الأطهار ، وسلَّم تسليماً كثيراً .
***********
للتواصل :
الدكتور / صالح بن علي أبو عـرَّاد
أُستاذ التربية الإسلامية
ومدير مركز البحوث التربوية بكلية المعلمين في أبها
ورئيس هيئة التحرير لحولية كلية المعلمين في أبها
أبها _ ص . ب : ( 249 )
E-Mail : abo_arrad @ hotmail.com
رقم هاتف الجوال [ 0504509749]
أو هاتف وفاكس [ 072285565]