|
" حوار بين البنت وأبيها "
أبي الغالي : أنا أفهم تماما أن الله لا يشّرع شيئاً إلا لحكمة ومصلحة .
واللهُ عز وجل لا يُسأل عما يفعل , فهو الإله الخالق المشرع سبحانه .
لكن يا أبتي لماذا جعل الله للأنثى نصف ما جعل للذكر .. ؟
ابنتي الغالية : أولا ما أجمل أن تسألي عن أي شيء تفكري فيه , وخاصة ما يكون من
أمر دينك . وبهذه الروح وهذه المقدمة الجميلة بدأ الحوار .
أولا : دعيني يا ابنتي أذكر لك شيئاً من حال المرأة في الميراث قبل الإسلام .
تفضل يا أبي .. !
كانت المرأة من المتاع الذي يورث فيقول الوارث : (ورثتها كما ورثت ماله) .
ويمنعها من كل شيء حتى تفدي نفسها منه بمالها , أو يتزوجها ويأخذ مهرها لنفسه ,
أو يبقيها عنده إلى أن تموت , ثم يرث كل شيء لها .
البنت :
ألهذه الدرجة يا أبي كان حال الأنثى في الميراث قبل الإسلام , . .
هل هذا كان عند العرب فقط يا أبي .. ؟
الأب :
بل حتى عند غير العرب قبل الإسلام أيضا .
فعند اليهود لا ترث المرأة إذا كان لها أخوة من الذكور , وكذلك النصارى كانوا
يمنعونها من حق تملك المال .
ثم يا بُنيتي جاء الإسلام بإقامة العدل بين الناس على أساس الحقوق والواجبات .
الأب : دعيني يا بنيتي أسأل سؤالاً .. ؟
البنت : تفضل يا أبي .. !
الأب :
الله سبحانه وتعالى يقول :
(وَلَيْسَ
الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ)
.
ماذا تفهمي من هذه الآية الكريمة , هل فيها انتقاص للمرأة وحقها .. ؟
البنت :
لا يا أبتي , فالعالم كله حتى علماء الغرب وكل عاقل يعلم أن هناك فروق فردية
بين الذكر والانثى .
الأب :
أحسنتِ يا بنيتي , إن الله خلق البشر , ذكر وأنثى وبينهما فوارق كبيرة في
التكوين , ولو لم تكن هناك فوارق , فلماذا يخلق صنفين متشابهين من البشر .. ؟
لكن يا بنيتي , هلا ذكرتي لي شيئا من هذه الإختلافات .
البنت :
يا أبتِ , عن أي نوع من هذه الاختلافات تريدني أن أتحدث , هل تريد الظاهرة أم
الباطنة الحسية أم المعنوية هي كثيرة جداً جداً لا تحصى .
الأب :
أحسنتِ يا بنيتي , إن هذا الاختلاف هو اختلاف تكامل لا اختلاف صراع .
والتشريع الإلهي يُراعي هذه التكوين بين الذكر والأنثى .
حتى في العبادة يراعي التشريعُ أحوالَ الأنثى في ظروفها الخاصة , فيلغي عنها
ركن من أركان الاسلام وهو الصلاة , ويؤجل لها ركن آخر من أركان إلاسلام وهو
الصوم .
بينما المجتمع الغربي يشكل الأنثى حسب استخدامها ؟ وربما سلبوها أعز ما تملك ,
أن تكون (أنثى) .
لذلك ما نراه من ممارسات شاذة تفوق ما يناسب مع مكون الأنثى , فهو عبث أخلاقي ,
حتى قالت إحداهن وهي ترى هذا الابتذال في مجتمعها الغربي ( الواحدة منا تصير
أنثى , لا تولد أنثى ) . أي أن المجتمع هو الذي يتولى تشكيلها .
ولذلك يا ابنتي : " شدة الفروق التي لا تحجب بين الذكر والأنثى , لا يمكن أن
تختزلها الحياة العملية "
(وَلَيْسَ
الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ)
البنت :
بوركت يا أبي , لقد ترتبت أفكاري بحديثك الماتع , حتى أصبحتُ
متشوقة لكي أسمع مدلول هذه الآية :
(
لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ) .
الأب : الآن نأتي لهذه الآية التي سألت عنها .
أولا اعلمي يا بنيتي : أن أخذ الشيء مبتوراً عن الصياغة
العامة التي ذُكر فيها يجعلنا لأنفسهم فيه المعنى الصحيح , وكذلك أخذ
الآيات مبتورة عن صياغتها , وعن الآيات المشاركة لها في المعنى ,
تجعلنا نخرج بأحكام ضيقة وخاطئة .
ولذلك تعاليّ يا بُنيّتي نقف عند هذه الآية الكريمة , وهي قوله تعالى :
(
يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ
مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ) .
فهل هذه الآية عامة تشمل كل مسائل توزيع الميراث .. ؟
أم تخص الأولاد فقط أو الأولاد وبعض الحالات معهم .. !
البنت :
الذي جعلني أسأل يا أبتي هو شعوري أنها عامة .
الأب
: إنه لحرى بكل مسلم النظر إن استطاع (أو يسأل أهل
اعلم) عن بعض حكم التشريع الإلهي .. ؟ ولنأخذ مثالاً فيما سألت عنه في
الميراث .
البنت
: تفضل يا أبي , فكلي رغبة في سماع وفهم هذا الطرح
المطمئن .
الأب:
الميراث يرتكز على ثلاثة قواعد .
سأجعلها على شكل اسئلة يا بنيتي :
السؤال الأول : لو كان معك مالٌ ووجدت شخصين , شخصٌ ينازع الحياة ,
وآخر مقبلٌ على الحياةِ وفي بداية طريقه , تعطي المال لمن .. ؟
البنت :
طبعا يا أبتي سأعطيه لمن هو مقبل على الحياة , فالأول
سيودع الحياة ولن يستفيد من ماله .
الأب :
لذلك يا بنيتي , الجيل الوارث كلما كان أصغر يرث أكثر
من الجيل الوارث الاكبر منه ( الأجيال التي تتقبل الحياة يأخذون من
الميراث أكثر من الأجداد والآباء الذين يودّعون الحياة )
وهذا غير مرتبط بذكر أو أنثى .
ولذلك البنت تأخذ أكثر من الأم , والحفيدة تأخذ أكثر من الجدة وكلاهما
أنثى .
البنت :
معلومة جميلة يا أبتي . وما هي القاعدة الثانية .. ؟
الأب :
لو كان معك مال وتريدين السفر دون عودة , وهناك أناس
صلتهم بك قريبة جداً وآخرين صلتك بهم بعيدة .
فمن تعطي أكثر من هذا المال .. ؟
البنت :
طبعا يا أبي فطرتي ونفسي تدعوني أن أعطي أصحاب الصلة
القريبة مني .
الأب :
ولذلك راعَ الشارع ذلك في المواريث , فكلما كان الإنسان أقرب كان حظه
من الميراث أكثر .
فإذا : اجتمعت أخت شقيقة ومائة من الأخوة لأب .
فتعطي النصف والنصف الآخر يقسم على المائة .
البنت :
ما اعظم حكمة الله يا أبتي . أسرع علي يا غالي بالقاعدة
الثالثة .
الأب :
السؤال الثالث :
شخصين أحدهما هو المكلف بأكثر الأعباء المالية .
الإنفاق على أولاده , وزوجته حتى ولو كانت غنية , وعلى والديه , وهو
المكلف أيضا أن يدفع مهر زواجه وكثير من الأمور الأخرى . ألا يستحق ان
يُعطي أكثر من الآخر , الذي لا يطالب بمثل هذه النفقات .. ؟
البنت :
سبحان الله يا أبي نعم , نعم والله يستحق في هذه الحالة
أن يضاعف له العطاء .
الآن فهمت لماذا قال الله :
(
لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ) .
شكرا على هذا الطرح الجميل يا أبتي .
الأب :
لم انته بعد يا بنيتي .
فالله سبحانه بعد هذه الآية قال : (
فَإِن كُنَّ
)
فيا ليتنا تأملنا التفاصيل بعد : (
فَإِن كُنَّ
)
إن حالات الميراث يا ابنتي مختلفة من مسألة الى أخرى , ليس من أجل
التمايز بين الذكر والأنثى . بل بقواعد شرعية تضمن الحقوق للجميع .
- فللميراث حالات منها :
* 4 حالات فقط ترث المرأة نصف الرجل .
* 30 حالة تقريبا ترث المرأة مثل الرجل تماما .
* وقرابة 10 حالات ترث المرأة أكثر من الرجل .
* وحالات ترث فيها المرأة ولا يرث الرجل .
البنت :
ما أعظم إسلامنا يا أبتي وما اعظم هذا التشريع الإلهي العظيم .
الاب :
إن الغرب يا ابنتي لا يجعل المرأة تطالب بحقوقها
الحقيقية , ولكنهم يجعلونها تطالب بحقوق واهية , ليتمركزوا حولها ,
ويستخدمونها في كل وهن وانحطاط , وان أبرزوا القلة منهن على أنهن
ناجحات .
يا بنيتي : فرنسية شديدة العلمانيةُ تصرح أنه لا يوجد تشريع عندهم ,
يُعطي المرأة مثل ما يُعطي الرجل في الوظائف المتشابهة , لقد سلبوا حتى
اسمها وجعلوها تنتسب لزوجها .. !
البنت :
اسمح لي يا أبي أن اقبل رأسك على هذا الجمال في هذا
الحوار الهادئ المقنع .
ليس فقط يا أبي أوضحت لي هذا السؤال , بل جعلتني أعرف كيف أتعامل مع كل
ما يرد على من أسأله .
وأعدك يا أبي أنني سأنشر كل ما سمعته منك اذا عرض علي مثل هذا السؤال .
فهذا أقلّ ما أجعله في موازين حسناتك .
اعداد الحوار
محبكم
محمد السيد