|
هذه الليلة ستكون ليلة مختلفة عن كل ليالي الكون ، ويبدو أن هذه الليلة تستعد
لها الأرض والسماء .
نعم ، الأرض بكل مافيها، والسماء بمن فيها يقفون لذلك الموعد ، موعد ذلك العشاء
.
سبحان الله !
وهل موعد عشاء يتطلب هذا الاحتفاء؟
بل قد يذهل الإنسان ، وهو يعلم أن هذه المهرجانات من الفرح في الكون لهذا
العشاء ، وهذه القيمة الغالية لهذا الوجبة ، لم يأخذ من وقت الدنيا إلا دقائق
فقط !!
ضيف يشكو جوعا للنبي صلى الله عليه وسلم ،(
إني مجهود)، أي: أصابني سوء العيش
والجوع ، النبي يعلن بكل هدوء ، وكأن تلك الحروف هي بداية المشهد الذي يغازله
كل الكون.
وبعد أن أرسل إلى بعض بيوته، وكان الجواب هو هو :
"والذي بعثك بالحق ماعندنا إلا الماء"
!!
" من يضيف هذا ، الليلة، رحمه الله ؟ "
هنا ، من سيكون صاحب الوجبة الأغلى ، والليلة الأغلى ، بل وسبب الضحكة الأغلى
؟!
وبكل حب لإكرام ذلك الضيف ، ولدعوة رسول الله _صلى الله عليه وسلم _ :"رحمه
الله" .
يقول طلحة :" أنا يارسول الله "
.
ويأخذ طلحة _ رضي الله عنه _ ذلك الضيف
ليتعشى معه .
بيت طلحة على موعد مع أغلى وجبة في هذا الكون .
وكل من يقرأ على موعد مع مهارات طلحة ، وقلب طلحة ، وفكر طلحة ، وإحساس طلحة ،
الذي لا يمكن أن تستوعبه كل مراجع الجامعات ، لتخرج إنسانا بهذه المعاني كطلحة
، إنه تربية محمد صلى الله عليه وسلم، النبي العالمي، برحمته يسأل زوجته هل
عندكم طعام؟ فكانت الإجابة سريعة ومحددة ، لأنه لامجال للتفكير بأكثر من صنف ،
هو صنف واحد و الحمد لله ، ليس عندنا
إلا طعام أولادنا ! .
قال لها : عللي الأولاد حتى يناموا !
أبلغ بك الحد أن تلاعب الأولاد بكل حب حتى يناموا ؛ لتوفري للضيف لقمة أولقمتين
.
قال لها: أيضا إذا نضج الطعام ، نقدمه
بين يدي الضيف ، فإذا هوى عليه ، قومي وأطفئي السراج ، ولنشعر الضيف أننا نأكل،
ولا نأكل!
يا الله ! أي مهارة هذه ؟! أي إحساس هذا ؟!
يكفى أنك استضفته ، لماذا تجعل كل العشاء له ؟!
بل لماذا تسعى أن لا يشعر أنكم لا تأكلون ؟ فتحسسوه بصوتكم أنكم تأكلون ، وأنتم
ربما لم يصل إلى بطونكم طعام منذ الصباح ! .
ليتني كنت معكم لأسمع صوتكم ، وأنتم تحركون ألسنتكم لرائحة الطعام دون طعام ،
فقط من أجل أن تشبع نفس ذلك الضيف
(المجهود ) دون حياء .
أي روح هذه ؟ أي بيت؟
أي جامعة ؟ صنعت منكم هذه العظمة وهذا الإحساس ؟!
يشبع الضيف تماما (فكل الوجبة من نصيبه).
ينامون !!
الضيف ينام في رخاء تلك الوجبة الخاصة به بكل امتياز .
يتدثر الزوج والزوجة والأولاد بدثار إكرام الضيف ، رغم خلو بطونهم من أي طعام
!.
لكنهم ناموا على ضحك السماء لهم ، الكون شاهد هذه الملحمة وشعر بأثرها،
فهناك رب قد ضحك !!
وربما رسولنا ينتظر الخبر، يصلون الفجر مع الرسول ، ويصلي طلحة الذي يحمل حكاية
أغلى ليلة في بيته .
هل سيتربع أمام رسول الله _صلى الله عليه وسلم_، ويتنفس تنفس المتقن لتلك
الضياف ، ويخبر حبيبه عن أفكار ضيافته لضيفه ؟ هل سيخبره ؟
*
عن فكرة تعليل الأولاد حتى يناموا؟
*
أم يسعده بفكرة إطفاء السراج؟
*
أم يضحكه بفكرة إشعار الضيف أنهم يأكلون وهم لايأكلون!؟
*
أم يخبره بأن أفراد أسرته ناموا ولم يصل إلى بطونهم إلا رائحة وجبة ذلك الضيف
المسكين المجهد .
مافعلته ياطلحة شي يتعدى حد الوصف !، وسوف يفرح النبي بكل هذه الأفكار .
تكلم ، إرو الحكاية ، إجعل الصحابة يتحلقون حولكم لتروي لهم مايسعدهم ، ويرفع
مقامك عندهم ، لا لم يفعل !!
يقوم طلحة والصمت على محياه ليخرج من المسجد ، وقلبه
يردد الوجبة لضيف الله ، والليلة لله ، هي لله هي لله .
لوكان يحمل جوالا أو اسنابا
، فلن يلتقط من أحداث تلك الليلة صورة، ولايعلم أن الصورة التقطت ، والأنفاس
رصدت ، والإتقان قبل ، والرحمة كتبت ، والليلة خلدت ، والرب ضحك، والخبر قد وصل
.
يناديه صلى الله عليه وسلم بوجه المعلم المفتخر بطالبه، والرسول المعتز بصاحبه:
"ياطلحة : لقد ضحك الله بصنيعك بضيفكم
البارحة"
ياطلحة : الله الذي خلقك ، يعجب ويضحك بصنيعك .
ياطلحة: كان الله معك في كل أنفاسك .
ياطلحة: أنت وزوجتك وأولادك ،أضحكتم الله .
أسرة تضحك الله ، أسرة تفرح الله ، أي ليلة هذه؟ وأي وجبة هذه ؟ وأي عشاء هذا؟
إذا كان من يدخل السرور على مسلم ينال نولا عظيما ! ، فكيف بأسرة تقدم على الله
يوم القيامة ، وفي صحيفتها أنها أضحكت الرحمن ؟
" عندما يكون هذا الاكرام تكون الرحمة"
كتبه
د. محمد محمود السيد
٣/جماد الاخر/١٤٤١
من هجرة نبينا