سقطت بغداد على يد المغول سنة 656هـ . وبعدها بعامين تقريبا سقطت دمشق . يومها
أصيبت دولة الخلافة الإسلامية في مقتل بسقوط هاتين المدينتين . جاءت قوات الجيش
المغولي إلى بلادنا وفي مقدمة أهدافها محو الإسلام من على خريطة الوجود . وكان
من كثرة الأساطير والأقاويل التي نسجت حول قوة هذا الجيش أن دب الرعب ، وسيطر
الخوف على قلوب المسلمين في كل مكان . حتى أنهم كانوا يعتقدون أن المغول ما هم
إلا بلاء سلطه الله عليهم . وأنهم جنس غير الأجناس البشرية المعروفة . بل هم
جنس مستحيل أن يقهر أو يهزم أو يكسر .
بعد سقوط بغداد ودمشق لم يكن للمسلمين في جميع بقاع الأرض – بعد الله سبحانه
وتعالى – إلا مصر كما يجمع المؤرخون . فلو سقطت مصر فلن تقوم للمسلمين قائمة.
بل سيصبح المسلمون تاريخ وذكريات . وفي الوقت نفسه كانت كل التوقعات تشير إلى
أن مصر هي المحطة القادمة لهولاكو .
وما أن علم القادة المصريون بقرار الزحف إلا وعقدوا اجتماعا طارئا في قلعة
الجبل . حضر هذا الاجتماع عدد من العلماء والأمراء والحكماء . وكان من بين أبرز
الحاضرين : سلطان العلماء العز بن عبد السلام ، وحاكم مصر " الصغير " على بن عز
الدين أيبك ، والقائد العسكري المغوار سيف الدين قطز . وناقش المجتمعون الأمر
وكانت الخيارات المطروحة : -
1 – إما طلب الصلح وهذا سيترتب عليه الذله والخضوع .
2 – وإما طلب الهدنة وهذا سيترتب عليه المهانة والانكسار .
3 – أو إعلان حالة الجهاد فإما النصر وإما الشهادة .
وبعد شورى ونقاش استمع السياسي لرؤية الفقيه . وصغى الفقيه لرؤية السياسي .
وجاء القرار : إعلان حالة الجهاد ضد جيوش المغول بالرغم من فارق العدد والعدة
والعتاد المادي بين الطرفين . ولكن العلماء قاموا بدورهم فحشدوا الطاقات ،
ووحدوا الجهود ، ورفعوا المعنويات والهمم . واشترط سلطان العلماء العز بن عبد
السلام أن يبدأ الكبراء والأمراء بأنفسهم وأن يبيع كل واحد منهم ما عنده من
ذهب، ومجوهرات، ونفائس ليكونوا قدوة إلى غيرهم .
وبالفعل أعلنت حالة الطوارئ ، وجاء اليوم الموعود . وخرج الجيش المصري ليلاقي
الجيش الباغي المتكبر عند قرية صغيرة شمال فلسطين ( عين جالوت ) بقيادة المغوار
قطز الذي خرج متسلحا بإيمانه بالله ، وبثقته في العلماء والحكماء . وقبل كل ذلك
ثقته في شعبه الذي خرج مؤمنا بعدالة القضية التي يحارب من أجلها . فلقد تحرك
المصريون خلف قطز لا من أجل قطز ، ولا من أجل مغانم وعدهم إياها ، ولا من أجل
ألقاب ، ولا رفعا لشعارات جوفاء ، أو سعيا وراء أوهام أو أحلام . إنما خرجوا
وتحركوا لثقتهم في علمائهم ورغبة منهم في أن تبقى كلمة الله هي العليا وكلمة
الذين كفروا السفلى . من أجل أن تبقى راية لا إله إلا الله عالية خفاقة . وفي
سبيل ذلك تهون الحياة بمباهجها وملذاتها إن كان في الحياة مباهج أو ملذات .
ودارت المعركة . وتفوق الجيش المصري . وكر الجيش المغولي .وفر الجيش المصري .
ولما رأى السلطان قطز كفة الصراع تميل لصالح المغول صاح صيحته الخالدة :
واإسلاماه .... واإسلاماه . وسرعان ما اتزنت الأمور . واستطاع الجيش المصري أن
يلقن المغول درسا سجله التاريخ . انتصارا أرى أنه أغلى انتصار في تاريخ حضارتنا
الإسلامية " بعد بدر " لأنه لو هزم المسلمون في هذه الموقعة لضاع الإسلام .
ولكن..........
إن الأمة التي بها شباب صالح ، وعلماء أتقياء لا يمكن اقتلاعها من جذورها مهما
كانت المؤامرات . أما الدولة التي ليس بها شباب صالح ولا علماء أتقياء يسهل
اقتلاعها من خريطة الجغرافيا والتاريخ سهولة اقتلاع الشعرة من العجين .
إن السياسيين عندما تلم بهم الخطوب ، وتدر كهم المخاطر . فعليهم إن يتسلحوا
بالأفكار الكبيرة والعقول الكبيرة . عليهم أن يقفوا على أبواب العلماء والفقهاء
والحكماء . وليس اللجوء إلى محترفي الخداع والنفاق والأكل على كل الموائد