(الشيخ اللحيدان .. بدرٌ أفلْ) |
محمد بن ابراهيم بن سعود السبر |
أهكذا البدر تخفي نوره الحفر ويفقد العلم لا عين ولا أثر
بالأمس القريب وضعت الأمة يدها على قلبها، عندما ترامت
الأنباء بمرض شيخها، ثم انفرجت أساريرها مستبشرة باستقرار حالته وقرب خروجه
من عارضه الذي ألم به، وكان مرضه حديث الناس، تلهج ألسنتهم له بالدعاء
الصادق بالشفاء والعافية، ولكن لما كانت سنة الله نافذة وأمره واقعاً، قضى
الله أمراً كان مفعولاً، لتأتي الفاجعة في ليلة الأربعاء الثاني من شهر
جمادى الآخرة عام 1443هـ ؛ فودعت البلاد سماحة الشيخ العلامة صالح
اللحيدان. وصلي عليه بعد صلاة العصر بجامع الراجحي بالرياض وأم المصلين
سماحة المفتي الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ حفظه الله وجموع غفيرة من العلماء
والفضلاء والمصلين الذين امتلأت بهم جنبات الجامع وخارجه في دلالة على عظيم
مكانة أهل العلم في نفوس المجتمع ومحبتهم لهم، وكما قال الإمام المبجل أحمد
بن حنبل - رحمه الله-: قولوا لأهل البدع: بيننا وبينكم يوم الجنائز. وما كان قيس هلكه هلك واحد ولكنه بنيان قوم تهدما إن الموت آت على كل أحد وهو سنة في الناس ماضية قال تعالى:(كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) وقال تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) فهو سبحانه الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون، وكذلك الملائكة وحملة العرش، وينفرد الواحد الأحد القهار بالديمومة والبقاء، فيكون آخراً كما كان أولاً، وهذه الآية كما قال ابن كثير فيها تعزية لجميع الناس، فإنه لا يبقى أحد على وجه الأرض حتى يموت.
هو الموت ما منه ملاذ ومهرب متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب
لقد كان الشيخ عالماً يعمل بعلمه، وفقيهاً يفتي على بصيرة،
ويتمسك بالدليل والحجة، كان نير الفكر، صحيح الاعتقاد، مطبقاً للسنة،
قامعاً للبدعة، داعياً إلى التوحيد، مهابا وقورا، رحب الجناب، عف اللسان،
قوي الحجة، كريماً، رفيقاً بالأصحاب والزوار، مع الخلق الأتم والأدب الجم. أخو العلم حيّ خالد بعد موته وأوصاله تحت التراث رميم وقال آخر: كم مات قوم وما ماتت مكارمهم ومات قوم وهم في الناس أحياء لقد ذهبت يا شيخنا لكن محاسنك لم تذهب، ورحلت لكن فضائلك لم ترحل، إنه الميراث الباقي إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، إنها العمر الثاني:
دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثواني
وبعد فهذه مشاعر أبت إلا أن تخرج وفاء لفقيدنا ونقول صابرين
محتسبين راضين بقضاء الله وقدره إن لِلَّهِ ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء
عنده بأجل مسمى، اللهم اغفر لعبدك صالح بن محمد اللحيدان وارفع درجته في
المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يارب العالمين وافسح
له في قبره ونور له فيه، اللهم اجعل مآله في عليين مع النبيين والصديقين
والشهداء والصالحين.. إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي
ربنا وإنا بفراقك يا شيخنا لمحزونون، والحمد لله على قضائه وقدره.
|