|
بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ
تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (90) إِنَّ الَّذِينَ
كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم
مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ (91)
{إِنَّ الَّذِينَ
كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً}
يعني أنهم صاروا
والعياذ بالله ينحدرون في دركات الكفر، فكلما تمادى الإنسان في الكفر، ولم
يتب، فإنه يزداد كفرا؛ لأن كل وقت يمر عليه يزداد وزراً إلى وزره، كما أن
المؤمن يزداد أيضاً بزيادة الأيام إيماناً؛ لأن كل يوم يمر عليه وهو مؤمن
فإنه يضيف إيماناً إلى إيمانه
.
فاليهود بعد أن
آمنوا بموسى كفروا بعيسى وازدادوا كفرا بمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، والنصارى آمنوا بعيسى ثم كفروا فعبدوه وألهوه ثم ازدادوا كفرا
بمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
{لَّن تُقْبَلَ
تَوْبَتُهُمْ} باب التوبة
مفتوح لكل أحد كافراً كان أم عاصياً، كافراً أصلياً أم مرتداً، وهذا أصل قد
دلَّت عليه نصوص كثيرة، وشواهد متعدِّدة.
فتأويل الآية متعين: لأن ظاهرها
تعارضه الأدلة القاطعة على أن إسلام الكافر مقبول. ولو تكرر منه الكفر، وأن
توبة العصاة مقبولة، ولو وقع نقضها على أصح الأقوال.
{وَأُوْلَـئِكَ هُمُ
الضَّآلُّونَ} الخارجون
عن المنهج الحق إلى طريق الغَيِّ، أو: الهالكون، من: "ضل اللبن في الماء"
إذا صار هالكاً.
{إِنَّ الَّذِينَ
كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ}
قرأ عكرمة: فلن نقبل
{مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ} قدر ما يملؤها، كناية عن الكثرة
المتعذرة، لأن الأرض لا يملؤها شيء من الموجودات المقدرة، وهذا كقولهم عدد
رِمَالُ الدَّهْنَاءِ، وعدد الحصى
{ذَهَباً} وميز هذا
المقدار بذهبا لعزة الذهب وتنافس الناس في اقتنائه وقبول حاجة من بذله.
{وَلَوِ افْتَدَى
بِهِ} هو على سبيل الفرض
والتقدير أي: لو أن الكافر قدر على أعز الأشياء، ثم قدر على بذله، لعجز أن
يتوسل بذلك إلى تخليص نفسه من عذاب الله.
فمن مات على الكفر لن يقبل منه خير
أبدًا، ولو كان قد أنفق ملء الأرض ذهبا في الدنيا فيما يراه قُرْبة، كما
سئل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن عبد الله بن جُدْعان
-وكان يُقْرِي الضيفَ، ويَفُكُّ العاني، ويُطعم الطعام-: هل ينفعه ذلك؟
فقال: (لا إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا مِن الدَّهْرِ: رَبِّ اغْفِرْ لي
خَطِيئَتِي يوم الدِّينِ) [مسلم].
جمع وترتيب
د/ خالد سعد النجار
alnaggar66@hotmail.com