|
بسم الله الرحمن الرحيم
فَمَنْ حَاجَّكَ
فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ
أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا
وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى
الْكَاذِبِينَ (61)
{فَمَنْ حَآجَّكَ}
جادلك وخاصمك يا محمد،
وسميت المجادلة محاجة؛ لأن كل واحد من المتجادلين يدلي بحجته من أجل أن
يغلب الآخر ويحجه، ومنه الحديث الشريف: (تَحَاجَّ آدَمُ وَمُوسَى، فَحَجَّ
آدَمُ مُوسَى) [مسلم]، أي: طلب كل
واحد منهما أن يَحُجَّ الآخر.
{فِيهِ}
أي في عيسى، والمراد بالمحاجة
في عيسى ليس في ذاته؛ لأن عيسى معلوم أنه بشر لكن في شأنه وقضيته.
وهذه الآية وما قبلها كلها نزلت في وفد نصارى نجران.
{مِن بَعْدِ مَا
جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ}
يعني بعد أن علمت
قضيته وشأنه وتيقنت بأنه
عبد الله ورسوله، فالذي
يحاجك فيه ادعه للمباهلة.
{فَقُلْ
تَعَالَوْاْ} أي أقبلوا،
اسم فعل لطلب القدوم، وهو في الأصل أَمْرٌ مِنْ تَعَالَى يَتَعَالَى إذا
قصد العلو، فكأنهم أرادوا في الأصل أمرا بالصعود إلى مكان عال تشريفا
للمدعو، ثم شاع حتى صار لمطلق الأمر بالقدوم أو الحضور.
{نَدْعُ أَبْنَاءنَا
وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ}
دليل على أن أبناء البنات
يسمون أبناء؛ وذلك أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جاء
بالحسن والحسين وفاطمة تمشي خلفه وعليّ خلفها وهو يقول لهم: "إن أنا دعوت
فأمّنوا"
وفي مسلم: وَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ
الْآيَةُ: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ
أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ} دَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا
فَقَالَ: (اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي)
وهذا أعز ما يكون
عند الإنسان في الدنيا، نفسه وأبناؤه وزوجاته يحضرون ويحضر الخصم أيضاً
نفسه وأبناؤه ونساؤه.
قال الزمخشري: ذلك آكد في الدلالة على
ثقته بحاله، واستيقانه بصدقه، حيث استجرأ على تعريض نفسه له، وعلى ثقته
بكذب خصمه حتى يهلك خصمه مع أحبته وأعزته هلاك الاستئصال إن تمت المباهلة.
وخص الأبناء والنساء لأنهم أعز الأهل،
وألصقهم بالقلوب. وربما فداهم الرجل بنفسه
وحارب دونهم حتى يقتل، ومن ثم كانوا يسوقون مع أنفسهم الظعائن في الحروب
لتمنعهم من الهرب، ويسمون الذادة عنها بأرواحهم «حماة الحقائق»، وقدّمهم في
الذكر على الأنفس لينبه على لطف مكانهم، وقرب منزلتهم، وليؤذن بأنهم
مقدّمون على الأنفس يفدون بها، وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب
الكساء عليهم السلام، وفيه برهان واضح على صحة نبوّة النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لأنه لم ير واحد من موافق ولا مخالف أنهم أجابوا إلى
ذلك.
{ثُمَّ نَبْتَهِلْ}
نلتعن، أي: ندع
بالالتعان، وأصل الابتهال الاجتهاد في الدعاء بالتضرع واللعن وغيره..
فالابتهال مشتق من «الْبَهْلِ» وهو الدعاء باللعن ويطلق على الاجتهاد في
الدعاء مطلقا لأن الداعي باللعن يجتهد في دعائه والمراد في الآية المعنى
الأول.
{فَنَجْعَل
لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}
منا أو منكم.. أي: يقول كل منا: لعن الله الكاذب منا أو
منكم في أمر عيسى.
- أن
تكون في أمر هامٍّ من أمور الدين، ويرجى في إقامتها حصول مصلحة للإسلام
والمسلمين، أو دفع شر المخالف.
أما الأمور التي ليست بهامة فلا ينبغي للإنسان أن يعرض نفسه
للخطر.
جمع وترتيب
د/ خالد سعد النجار
alnaggar66@hotmail.com