المجلس الأعـلى
للحضارة الإسلامية
واجبٌ ثقافي و ضرورة مرحليَّة تاريخيَّة مُلِحَّـة
محمد بن حسن المبارك
الحمدلله رب العالمين ،والصلاةوالسلام على أشرف الأنبياء والمسلمين ، نبينا
محمدوعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد ، فقد نعـايش جميعاً بشكلٍ أو بآخر أبعـاد ذلك الصراع الدائر بين آليَّـات
الثقـافة الإسلامية بأشكالها و تطبيقاتها المتعددَّة ، و بين شـتَّى الثقافات
الغربية منها و الشرقية ، تلك الثقافات المؤدلجـة و المعَـولمة ، لا سيَّما في
هذه المرحلة التاريخـيَّة الحرجة التي تعيشها المجتمعات الإسلامية.
إنَّ مثل تلك الاختراقات الثقافية المنشَّطة فضائياً تنخُـر بحِـدَّة في البنية
التكوينية لشخصيَّة الأمَّة ، و نضرب مثالاً بسيطاً لذلك بثقافة (البوكيمون)
التي استطاعت في سنوات معدودة أن تنتشر تلفزيونياً و حـاسـوبيـاًّ و شريطيـا،ً
و أن تتشكَّل بأكثر من صورة ، بل و تترسَّبَ في عقول ناشئة الأمَّـة .
و لا شكَّ أنَّ من أبسط مبادئ الإجراءات التحصينيَّة ضدَّ العمق التأثيري
الحـاد لتلك الثقافات و الإيديولوجيات المخترقـة وجـود هيئة موحَّـدة ناطقة
باسم حضارة و تاريخ المجتمعات الإسلامية ، تلك المجتمعات المستهدفة إعلامِـيا و
تربويا و حضاريا ، بحيث تعمل و لو وقائياً في وجـه تلك الإختراقات الإعلامية
العالمية المختلفة .
و الأجـدى أن تكون هذه الهـيئة منبثقة من مؤسسة إسلامية ثقافيَّة لها وزنها و
تأثيرها في العالم الإسلامي ، مثل رابطة العالم الإسلامي ذات الأثر الفعَّـال
والتاريخ المشرَّف في مجال خدمة قضايا الأمَّة الإسلاميَّة .
و لا شك أن بانتظار هذه الهيئة واجبات و مهام شتَّى للقيام بها ، لا سيَّما و
قد تكدَّست مئات الملفَّـات و المعاملات ذات العلاقة المباشرة على طاولة العمل
في ظلِّ غياب مثل هذه الهيئة.
ـ و ربَّـما كان من أهم أعمال هذا المجلس ـ أو الهيئة ـ تفعيل مضادَّات حيويَّة
إعلاميَّة للحـدِّ من غلواء ذلك الهجوم الإعلامي المحموم و المسموم على القيم و
الركائز الذاتيَّة للأمَّـة .
ـ و لعلَّ من الملفات العاجلة في قائمة الانتظار ، ذلك الملف المعني بالتعريف
بالحضارة العلمية و الخُـلُقية لهذه الأمَّة ، و كذلك بالفضل العظيم الذي أسدتهُ
للحضارة البشرية في كافَّة مجـالات العلوم التطبيقية ، ممَّـا يرفع من الروح
المعنويَّة لمجتمعاتنا المهزومة ثقافياً و صناعياً و اقتصادياً ليعـيدَ الأمل
إلى تلك المجتمعات المحـبطة.
ـ و من الملفَّـات العاجلة جِـداًًّ ما هو معنيٌ بمصادر التلقي المطروحة و
المكوِّنة لشخصية و ثقافة الناشئ المسلم ، حيث تفتقر الساحة الثقافية لأصول تلك
المصادر التربوية الصحيَّة ، بينما تجـتال الثقافات الدخيلة و المنشطَّة
إعلامياً النسبة الكبرى من الرؤوس الصغيرة و من الثروة البشرية المستقبليَّة .
ربَّـمـَا كان قِـيام مجلس أعلى و أمـانة عـامَّة للعناية بجوانب الحضارة
الإسلاميَّة ، ومكتسباتها التاريخية ، و علومها و تطبيقاتها المتنوعة مطلباُ
حـضارياً ، إلاَّ أنَّـه في هذه المرحلة التاريخـية من عمر الأمَّـة أصبح واجباً
مرحلياًّ مُـلِحـاًّ ، و ضرورة كِيانيَّة لا تحتمل مزيداً من التأخير ، و على
الله قصد السبيل ، هو حسبنا و نعم الوكيل .