وهكذا تمضي الدورة حتى شارفت على نهايتها .. وكل يوم يزاد العدد ويتعلق الناس
بهذا الأب الحنون ..
وكنت إذا كتبت الملخص أحيانا الشيخ ربما أغفل نقطة ورأيت أنها مهمة فأدرجها في
الشرح ..
فلما أعرضها عليه .. يُسَر سرورا عظيما .. والحق يقال أنه أثار في همة وقادة
جديدة ..
وقد أنشأت جدولا أعددته فأعجب به إعجابا شديدا .. وشرفني وقال :
أنا لي كتابا وذكرت هذا الطريقة ولم أنظمها تنظيمك .. ولكن جزاك الله خير
سأجعلها في الطبعة الثانية بإذن الله .
فسبحان من أعطاه هذا التواضع .. وقد تأثرت بذاك كثيرا ..
أعطيته أوراق لدرس مضى فقال لي : أريدك ولم أعدت منه ذلك .. وأنا خجول جدا
أسلمه الأوراق وأهرب حياء
فجلست معه : وسألني عن الفرائض وعلمي بها فأخبرته أني أباشر تدريسها في المسجد
النبوي ..
فقال لي : يا ( المؤمن كالغيث ) لا توقف الدروس حتى لو سافرت .. من المدينة
افتح درس أينما تكون ..
لا تفكر أن توقف دروس الفرائض ...
قلت له : أسأل الله أن يلهمني شكرها ..
ثم بدأ ينصحني حول الطلب وغيره .. واستفدت كثيرا من ذاك ..
ثم اعترضت سيرته كتابه فقلت له يا شيخ الكتاب لا يوجد في الأسواق .. وأتمنى
الحصول عليه ..
ولم تكن معه إلا نسخة واحده وهي التي يأتي بها .. للدرس ..
فلم يتردد وقال : خذ هذه وإذا أذنت لي أكتب لك عليها إهداء ..
فكتب على كتابه النفيس (( تقريب الفرائض )) إهداء إلى أخي في الله المؤمن
كالغيث أخوك عبد الرحمن بن سليمان الشمسان
فازددت حرجا منه بذاك ..
ثم لم يبرح أن زاد الكرم كرما ..
وقال إنت الآن مشغول ؟؟
قلت له / والله يا شيخي ما عندي الآن إلا الذهاب لإعداد ملخص درس اليوم .. فقط
..
قال : أريدك أن تأتي معي لنتناول الإفطار عند رجل قريب هنا .!!
قلت : والله يا شيخ أنا استحي من ظلي وهذه المجالس بالذات أخجل من الذهاب إليها
..
فقال لي : أبدا إذا تعزني قم معي .. هيا .. !!
فما زال .. وأنا أحاول حتى لم يبرح أن أخذ بيدي وقمنا سويا .. حتى وصلنا لباب
الجامع وكنت يمينه فقدمته فقال لي :
جميعا جميعا نخرج سويا .. فخرجنا سويا .. من الباب..
وفعلا : ذهبت معه لأحد معارف الشيخ .. ودخلت معه وأجلسني في صدر المجلس حتى
أصبحت ضيفا والشيخ هو المضيف وهذا من أعجب التواضع والتربية ..
فجلسنا ... فقال للذين في المجلس وهم كبار في سنهم ..
وبهذه العبارة أعرفكم على الشيخ :
(المؤمن كالغيث) زميلي في دورة الفرائض .. !!
يحضر ماجستير في الفقه في الجامعة ..
ولساني حينها مقطوع حيث وضعني في مكان لا أستحقه أبدا حيث أعرف مكاني من العلم
أني لم أضع قدمي فيه
ولكنه التواضع .. من رجل في مقام الوالد حفظ الله الجميع ..
ثم لا يزال يقرب لي التمر والقهوة وأنا أحاول أن أرده عن هذا حيث وقعت في حرج
شديد ..
فالشيخ يقدم القهوة للطالب !! هذه معضلة ..
ولكنه التواضع والتربية ..
ولعلكم تنظرون إلى وجهي وقد نال خدي حمرة لا تخفى ورأسي مطرق ولا يكاد يسمع لي
همساً ...
يحاولون أن يحصلوا على كلمة بشتى الطرق ولكن الحياء ازداد من تواضع هذا العالم
الجليل ..
لأفاجأ بضيف يدخل المجلس فلما رأيته من بعيد ..
وإذا به الشيخ المعروف وله برامج في التفسير في قناة المجد ..
الشيخ الفاضل الدكتور مساعد الطيار .. حفظه الله ومعه أحد خواصه من الطلاب ..
فازداد المجلس ملاحة .. رغم أني قد حضرت جالس كثيرة ولكن بلطافة ذاك المجلس
يندر إعادته ..
فلما أقبل بدأت قصة جديدة من التربية حيث قام شيخنا الشيخ عبد الرحمن الشمسان
وهو في ظاهره
يكبر الشيخ الطيار فقام وأفسح له في المجلس ..
وهكذا تواضع العلماء فلم يرض الشيخ الطيار وجلس شيخنا في مكانه وتأخرت قليلا عن
مكاني ليجلس فيه الشيخ
الطيار وكان في صدر المجلس فأصبح عن يساري الشيخ الطيار وبجواره شيخنا حفظهما
الله .. وإياكم
وكانا يتبادلان اللطائف والطرائف بكل أدب واحترام وهذا عجيب ولا عجب فهذا أثر
العلم ..
ودارت بعض المسائل العلمية ..
ومن ثم .. جاء الفطور .. وكان خفيفا كخفة ذاك المجلس على الروح والنفس بعد
المعاناة الدراسية ..
( فول – قلابة – زبادي –جبنة )
منتخب الإفطار المتواضع والذي جمعنا على سفرة وكنا تقريبا ستة وكنت سادسهم ..
وكان على يساري الشيخ الطيار وكان غاية في اللطافة والدعابة .. وهذا ما عرف عنه
.. وعن شيخنا حفظهما الله
وكنت أنا والشيخ الطيار قد اشتركنا في صحن ( فول )
وصب صاحب الدار زيت الزيتون على الصحن حتى كاد أن يستقل بنفسه عن الفول بطبقة
جديدة !!
وبدأنا الفطور اللطيف وأنا صامت ( طبعا ) ولما بدأت بالأجل وأكلت من صحن الفول
وإذا بالزيت قد جمع عندي
وقل عند الشيخ الطيار ... فاشتكى الشيخ الطيار وقال لصاحب الدار :
صب لنا زيت زيتون الرجال ( المؤمن كالغيث ) أخذ علينا الزيت ما بقي لي شيء !!
فأطرقت خجلا جدا و غمزني بيده مع ضحكة لطيفة .. فسبحان من حلا العلماء بصنوف
العلم والآداب ..
والمؤمن الحق من يجعل له في كل ضحكة درسا في حياته وكل دمعة كذلك .. لا تمر
عليه المواقف مرور الكرام
فما دام يفكر في كل ما يمر عليه ويجعله درسا يستفيد منه لا شك أنه في خير وإلى
خير ..
حينما رفع شيخي الفرضي يده عن الطعام منتهيا .. رفعتها معه مباشرة ..
واستأذن الشيخ واستأذنت معه ..
وكان المنسق معه .. في الدورة العلمية ..
يناقشه في دورة العام المقبل .. وكيف ومتى ؟؟
وكنت ثالثهما ..
ثم مضينا وأعادني إلى سيارتي .. بجوار الجامع الذي سرنا من عنده ..
وعدنا إليه ... ونحن في الطريق أوصاني بالنية الطيبة في الطلب حتى يهيئ لي الله
كل خير ..
وقال لي مقولة عجيبة :
قال الأمام أحمد : انوِ الخير فما دمت في خير ما نويت الخير .
سطرها على جبيني وفؤادي .. وودعته وقد نلت منه حفاوة لا توصف ولا أستحقها ولكن
سبحان من ستر القبيح
وأظهر الحسن ..
فكم من درس أثر في كثيرا عرضته لك كقصة وعليك استخراج الفوائد في زمان قل فيه
العلماء الربانيون ...