الحمد لله الذي تقدست عن الأشباه ذاته ، ودلت عليه آياتُه ومخلوقاته .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، أراد ما العباد فاعلوه ، ولو عصمهم لما خالفوه ،
ولو شاء أن يطيعوه جميعاً لأطاعوه .
وأشهد أن سيدنا ونينا محمداً عبده ورسوله ، آخر الأنبياء في الدنيا عصراً ،
وأجلهم يوم القيامة شأناً وذكراً .
صلى الله وملائكتُه والصالحون من خلقهِ عليه كما وحّد اللهَ وعرَّف بهِ ودعا
إليه .
وبعد ،
فهذِهِ كلماتٌ أحتسبُ عند اللهِ أجَرها ، وأسألهُ التوفيقَ في تحريرها ،
المقصودُ منها بيانُ فضل العلم الشرعيّ وشرفِه ، والدعوةُ إلي اللحاقِ بركبِ
أهلِهِ .
فأقولُ :
تذكر يا من تطلب العلمَ أنّهُ لا مهمةَ أجلّ وأشرف من الدعوةِ إلى اللهِ .
ولهذا أناطَ اللهُ بهذِهِ المهمة كرامَ خلقِهِ ، وهم الأنبياءُ والرسلُ عليهم
السلامُ .
فما شرفوا إلا للوحي الذي يحملونَه والدينِ الذي يدعونَ إليهِ .
فأشرفُ الناسِ الذين أخبرَ الصادقُ المصدوق ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنهم ورثةُ
الأنبياءِ .
فمن أرادَ اللهُ بِهِ خيراًً ألحقَهُ بركبِهم ، وشرّفهُ بهديهِم . لكن هيهاتَ
أنْ يُدركَ ذلك كلُ راغبٍ ، أو أنْ يُعطى لكلِ طالبٍ .
فالمنازلُ عاليةٌ والدرجاتُ لا توهبُ لكلِ أحدٍ ولا تُعطى من غيرِ تمحيصٍ وعلى
هذا فخشيةُ اللهِ هي رداءُ العلماءِ الحق ، وهذا هو المقصودُ الأسنى من قولِهِ
جلّ ثناؤهُ ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ) سورة فاطر
ـ 28 ـ .
ألم تَرَ أنَّ اللهَ قال في حقِ خليلهِ إبراهيم عليه السلام : ( إِنِّي
جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً ) سورة البقرة ـ 124ـ .
قالَ ذلكَ بعدَ أنْ ابتلاهُ فَوفِقَ الخليلُ في الابتلاءِ . وستُبتَلى يا أَخي
ويا أُختاهُ قبل أنْ تُمكّن ، لكنَّ المعضلةَ أنَّ الناسَ باديَ الرأيِّ
يظنونَ الابتلاءَ شرطاً أنْ يكونَ اعتقالاً .
وهذا مُنحنىً غيرُ صائبٍ في فَهمِ سُنّةَ اللهِ ، إنَّ حقيقةَ الابتلاءِ أنْ
تُمَكن من المعاصي وتُيسْر لكَ المُحرمات وتدنو منكَ الفواحشُ فلا تقربْ شيئاً
من ذلك إجلالاً للهِ .
فإذا منًّ اللهُ عليك بهذا فاعلم أنّ اللهَ أرادَ بكَ خيراً وهيأَ لكَ منزلةً
في ركابِ العلماءِ .
اعلم يا أخي أنَّ القرآنَ مفزعُ أهل الملة ، لا يتمسكون بشيء يخالفُه فهو آيةُ
نبيهم ودليلُ صدقَ رسولِهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
فأولُ طرائق العلمِ حفظه وتدبره وأخذه على سبيلٍ قويمٍ ، وإنْ تعْجب فَعَجبٌ
أنْ يعكف الطالب على المتونِ وهو لم يُحَصّل من القرآنِ شيئاً !
فأنَّى لهذا أن يصل ؟ وكيف لهذا أن يسود ؟
ثم اللهَ اللهَ في حديثِ رسولِ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ اعتنِ بحفظِهِ
وفهمِ مراده واتخذ من فهم صالح الأسلاف منهجاً لفهمِك فهم إلى الحقِ أقرب .
ثم قِف قَبلَ هذا مع نفسِك مستفهماً ؟ هل يُمكن أنْ أغوصَ في مشكاةِ الوحيين
بغيرِ آلةٍ ؟
الجوابُ قطعاً لا . وعليه فانظر في أنْ تُحصِّلَ كثيراً من علم النحوِ ، وتجتهد
في فَهمِ وحِفظ أساليب العربِ في كلامِها شِعراً ونثراً .
أخي طالبَ العلمِ :
ذكرُ اللهِ قوتُ القلوبِ فلا تغفل أبداً عن ذكرِهِ ، وإيَّاكَ أن ترجو مأمولاً
بغيره فذاكَ مُحالٌ ، فأكثر من ذكِرهِ واستغفر لذنبك وتحلى بكريمِ الأخلاقِ
وحسن الصفات .
ختاماً :
إنَّ العلمَ طريقٌ لعبادةِ الله .
والعبادةُ هي الغايةُ . فاتقِ اللهَ حيثما كنت وأكثر من النوافلِ وسائرَ
العبادات .
هذا ما أعانَ اللهُ على تدوينِهِ في مدينةِ خيرِ خلقِهِ وصفوةِ رسلهِ على عجلٍ
وأنا بين أوراقِ طلابي ومهامِ عملي .
لكن متى كنا نملك لأنفسنا حولاً أو طولاً ؟
فا للهم لكَ الحمدُ وإليك المشتكى وأنت المستعانُ ولا حول ولا قوة إلا بك .