|
* جذور المشكلة :
التعدي على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ينبع من عبّاد الصليب ، هم المستنقع
الآسن الذي يغرف منه من يتطاولون ، وعندهم النفق المظلم الذي يتآمر فيه
الحاقدون على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
ما حدث هو أن النصارى أعادوا قراءة ( التراث الإسلامي ) ـ كما يسمونه ـ من جديد
، وأعادوا صياغة المفاهيم الإسلامية ، وكانوا جادين في هذا الأمر ، فأخرجوا (
دائرة المعارف الإسلامية ) وهي عمل ضخم يعطي تصوراً مغلوطاً عن كثير من مفاهيم
الإسلام بل كل مفاهيم الإسلام ، وشخصياته ، وأحداثه التاريخية ، وخاصة في القرن
الأول الهجري . أو الأحداث التي ترتبط بالعقيدة الإسلامية ( الفرق والمذاهب ) .
كان عملا جادا دؤوبا بدأ في نهايات القرن التاسع عشر الميلادي ، ولا زال
مستمراً إلى اليوم .
وتم تسريب هذه المفاهيم ، أو بالأحرى تم تسريب فكرة إعادة قراءة السيرة
النبوية والتاريخ الإسلامي وأحكام الإسلام إلى نفر من ( المسلمين ) ذوي
الخلفيات الفكرية الغربية ، وبالفعل نشط قوم ـ جاهلون أو حاقدون أو باحثون عن
ذواتهم ـ يقرءون التاريخ الإسلامي بمفاهيم ما ننكره فيها أكثر مما نعرفه ،
والشر إن خُلط بالخير وتعذر فصله هو شر جديد وقد يكون أشد كونه يلتبس على عامة
المسلمين ، فظهرت كتابات كثيرة تقرأ السيرة بمنظور جديد ، أخفها يفسر النور
الذي أضاء الدنيا على يد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصحابته الكرام ـ
رضوان الله عليهم ـ بأنه كان بعبقرية الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعبقرية
عمر وأبي بكر وعلي وخالد وغيرهم ـ رضي الله عن الجميع ـ ، يسند النصر للأشخاص
لا للمنهج ، ولولا أن أضاء المنهج هذه الصدور ما فعلت شيئا . وهو فكر يعطي جملة
مفادها ، أن النصر كان بهؤلاء العباقرة ، فابحثوا عن مثلهم . أو فامدحوهم هم .
وظهرت كتابات أخرى تعيد قراءة ( التراث الإسلامي ) ، كانت أكثر جرأة على دين
الله ، من أمثال ( نحو أفاق إسلامية أوسع ) لأبكار السقاف ، ثم كانت موجة من
المنهزمين ، الذين قرءوا الشريعة بعين الغرب . وهو أمر بيّن يعلمه الجميع .
ثم ظهرت موجة أشد وهي التي تضربنا الآن ، كَتَبَ النصارى بأيديهم عن الوحي ،
وعن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقولون علمته خديجة ، ويقولون ملكا يطلب ملك
أبيه ، ويقولون حكايات يهود شربها جدّه عبد المطلب ثم سقاه إياها فنبت نبيا
[1]. ويقولون كان تطوراً طبعيا للبيئة وقتها .
وهذا قول النصارى المارونيين ، مشى بيننا على ظهر ( خليل عبد الكريم ) ـ هلك من
سنوات قليلة ـ و ( سيد القمني ) ـ لا زال حيا ـ يتكلم. ثم عاد هذا الكلام ثانية
على يد زكريا بطرس ، يتلوه على الناس على أنه قول المسلمين .!!
فكان آثار هذه الحملة التي اشتد سعيرها بدخول النصارى مع
المنحرفين ، مستخدمين كل الوسائل المتاحة من حوار تلفزيوني ومقال كتابي ، وعرض
سينمائي الخ أن : ـ
1 ـ ثارت الجماهير ، وتبلبل فكرها ، وارتد نفر
منهم . وهو أمر يسمع به الداني والقاصي .
2 ـ نشط ( القرآنيون ) بدعوى الدفاع عن النبي ـ
صلى الله عليه وسلم ـ ينكرون السنة ، ويتطاولون على البخاري ومسلم . ويقدمون
أنفسهم على أنهم مدافعون عن الإسلام . !!
3 ـ تجرأ الملحدون على جناب النبي الكريم ـ صلى
الله عليه وآله وسلم ـ حتى كتبت هذه المجرمة كتابها ونشرته بيننا ، وهي آمنة
مطمئنة من أن يراجعها أحد بلسانه أو بقلمه أو بيده .
4ـ ثارت بعض القضايا الفكرية على الساحة الدعوية
، مثل ( رضاع الكبير ) ، ( مدة الحمل ) ، ( حد الردة ) ، ( الجهاد ) ، ( أهل
الذمة ) . فهذه كلها مصدرها النصارى الذين يتطاولون على الحبيب ـ صلى الله عليه
وسلم ـ وعلى الدين .
5ـ تم النبش على المنحرفين من تحت ركام الأيام ،
وإخراجهم للناس ، فمن كان سيعرف ( خليل عبد الكريم ) أو ( أبكار السقاف ) أو
غيرهم . و ( دائرة المعارف الإسلامية ) ... الخ
6 ـ دخل أهل الفن والرقص ، ومن لا نعرف له سندا
إلى أهل العلم ، ولم نسمع منه متنا صحيحا ـ الدعاة الجدد ـ يتكلمون ، ويجدون من
يسمعهم ..
فهم الآن يجلوسون على ضفة نهرنا الصافية ، ويعكرون صفو مائنا بأحجارٍ يلقونها
من الحين للحين ، فصرنا وراء الحدث ، ندفعه أو نحكيه ونحلله ، وليت شعري متى
نكون أمامه نقوده ونوجهه .
* فرصة سانحة
ـ يمسك الزمام الآن المتطرفون من النصارى والملحدين ، من أمثال زكريا بطرس ،
وسيد القمني وهذه المرأة الوضيعة التي تجرأت على جناب الحبيب ـ صلى الله عليه
وآله وسلم ـ . وقد ساقوا قومهم إلى حتفهم ، إذ أصبحت المواجهة الآن صريحة بين
النصرانية وبين الإسلام ، هم يدعون الناس للكفر لأن الإسلام لا يصلح أن يكون هو
الدين ، ويدعون الناس لرفض سنة الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأنه لم يكن على
خلق عظيم ـ بزعمهم وهم كاذبون ـ ويدعون الناس إلى الكفر ـ أو الفسوق ـ كونه
الصراط المستقيم ، ومواجهة من هذا الشأن يمكن حسمها في أيام ، لو أن من يدافع
عن ديننا ممن يسمع له ، وممن يعرفه الناس ويثقون فيه ... أشير إلي من منَّ الله
عليهم بالتحدث للناس في القنوات الفضائية ، والكاسيت من شيوخنا حفظهم الله .
فشمروا واشتدوا فقد ألقت إليكم النصرانية بزمامها ، وجاءت بكل عزيز عليها ،
ووالله ما هو إلا أن تدور رحاها ساعة حتى تكون العزة لله ورسوله وعباده
المؤمنين . وهو عز الدنيا والآخرة .
أيها الكرام !
التاريخ أصم أو يكاد .. يرى الفعال ، ولا يسمع الكلمات .
والتاريخ يختزل عُمْرَ أحدنا في مواقفه وأفعاله ، خيراً أو شراً ، ومن لا
مواقف له لا تاريخ له .
والرُتَبْ في الإسلام بالأفعال لا بالأقوال : ( ربح البيع أبا يحى ) ( ما ضر
عثمان ما فعل بعد اليوم ) ( نصرت الله ورسوله يا عمير ) ... .
والمقصود :
ـ المشكلة ( التطاول على الرسول صلى الله عليه وسلم ) ـ عميقة ، وما يحدث ثمرة
لشجرة خبيثة زرعت من قرن أو يزيد من الزمن ، ويجب قلعها من جذورها .
ـ القضية ليست شخصية تتعلق بشخص امرأة أو رجل ، وإنما هو توجه عام ، أو فكر عام
تم بثه بين الناس ويظهر آثاره بين حين وحين علي يد هذا أو هذه .
ـ القضية شرعية بالدرجة الأولى ، ويمكن معالجتها بعيدا عن الاحتكاك بالساسة ،
ومن يرهبون الناس حفاظاً على أمن دولتهم ـ زعموا ـ .
ـ الجماهير الآن فقدت الثقة في ساستها ، , وأفلس منظروا القومية والوطنية
وغيرها ، وزمامها خَلِيّ ، شربت كل الكؤوس حتى ملّت ، وأصبح الخطاب الديني هو
المقبول عندها ، فهي الآن تحت أرجلكم قد ضفرت شعرها ، ولبست ما عندها ، ومدت
يدها ، وبرقت عينها لهفا على ودّكم ، فأنتم أنتم .!!
ـ ويتبع هذا القولُ بأن ( الدعاة الجدد ) خطر ، بشكل أو بآخر ، فهم يدُ
المنهزمين الآن لقطع الطريق على الجادين ، أو لإدخال الأمة في طريق ملتوي ، أو
لفتح دوامات فكرية أقل نتائجها استقطاب الجهد وتفريق الصف . والحمد لله أن كان
عندنا ( الجرح ) و ( التعديل ) .
ولا يخفى على حضراتكم أن الانحرافات العقدية ثبتت واستقرت في الأمة بأهل (
الوسطية ) وخاصة إذا كان معهم السلطان . كان الإرجاء وكان أهل السنة في وجوههم
، ثم جاء أهل الكلام كحل وسط بين هؤلاء وهؤلاء ـ هكذا قالوا ـ فقبلتهم
الجماهير بعد أن كلَّت وملّت ، أو قبلتهم باعتبار أن ( الوسطية ) مقبولة عند
عامة المثقفين . وأدخلوا الأمة في تيه طويل حتى جاء شيخ الإسلام ابن تيمية
وغيره من المجددين .والدعاة المودرن الآن يشكلون الوسطية بين السلفية الثائرة
على عادات المجتمع الغربية الغريبة ، وبين العلمانيين .
* وأخرى :
النصارى ـ وهم سبب كل ما يحدث ـ لا يتحملون حديثاً يتكلم عن ما في كتابهم من
خرافات ، وبذاءات ، وأحكام كأن مشرعها صبي أو سفيه ، وأراه دون ذلك .
أعرف أن حديثا عن النصرانية لا نستطيع التحدث به في قنوات فضائية ، خشية أن
يقال ( نثير الفتنة ) ولكن يكفي أن يشار إلى طلبة العلم بأن تعلموا شيئا عن
النصرانية .أو أن يتحدث عن النصرانية في المواسم ، أو شرائط الكاسيت من باب
المقارنه ، ولن يكونوا أجرأ منا ، وقد رأينا من حالهم ونحن ننازلهم أن لا شيء
يألمهم أكثر من التحدث عن الكتاب ( المقدس ) ، وماذا قال عن أنبياء الله ، وعن
الله ، وعن المرأة ، وغير ذلك من أحاديث .
* مقترحات عملية :
1 ـ تقوم القنوات الفضائية ومواقع الإنترنت بعرض
برامج فلاشية أو دروس صوتية أو حوارية أو غير ذلك عن المصادر الفاسدة التي
يتكلم هؤلاء منها ، كدائرة المعارف الإسلامية ، وكتب خليل عبد الكريم ، وسيد
القمني . وأبكار السقاف ، والعقاد . وغيرهم .
2 ـ نقوم بعمل إضاءة على كتب التراث الإسلامي ،
وبث ثقافة عامة في علم الحديث وعلم التاريخ ، كي يعرف الناس ما يأخذون وما
يتركون . وتبرز الشخصيات الإسلامية كنموذج يحتذى به .
3 ـ نقوم بعرض برنامج للرد على الشبهات المثارة
حول الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، وتتناول شبهات النصارى صراحة ، دون
تسمية أشخاص ، أو بتسميتهم إن كانت تطيق .
4 ـ لي كتاب بعنوان ( الكذاب اللئيم زكريا بطرس ـ
دراسة بحثية تحليلية نقدية مختصرة لمصادره وأكاذيبه وبعض ما يخفيه من دينه ) ،
وقد عرضته على نفر غير قليل من أهل العلم ، ووافقوا عليه وزكوه ، ومن ثم تمت
طباعته ونفدت الطبعة الأولى في شهر أو أقل .
ولي بحث آخر أرد فيه على الكذاب اللئيم زكريا بطرس ـ مصدر كل شر الآن ـ كدت
أنتهي منه ، فمن يرى تزكيته أو طباعته ، ولا أبحث عن ربح ، فالحمد لله ميسور
الحال .
5 ـ رسم إستراتيجية عامة للدعوة ، يكون محورها
الأساسي الدفاع عن الدين ككل ، والتصدي للأفكار والأشخاص الهدامة ، يعلوها ـ
الاستراتيجية ـ الانتصار للحبيب صلى الله عليه وسلم ـ .
كتبت لأقول إن للمشكلة جذوراً عميقة ، وشجرتها لا زالت تجد من يسقيها ، ولا
زالت تثمر ، وأنها فرصة سانحة لتقديم مشروع دعوي تاريخي يتصدى لكل أعداء الأمة
، وهي فرصة لتجميع الأمة تحت شعار نصرة الحبيب ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ .
فأن نجتمع على نصرة الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، خير من أن نجتمع على
الجاهل فريق يعذره وفريق لا يعذره ، أو على المبدل والمنحي للشريعة نلحقة
بالمرتدين أم بالفاسقين ؟
محمد جلال القصاص
مساء الثلاثاء 06/02/1429
الموافق 12 / 2 / 2008
--------------------------------------------
[1] مشهور هنا كتابات القس الماروني ( جوزيف قذى ) ، المشهور بـ أبي موسى
الحريري .