حين غزا الشرقُ والغربُ في القرن التاسع عشر الميلادي العالمَ الإسلامي ، هَالَ
فريقٌ من المنتسبين للعلم حال الغرب ، وأخذهم الإعجاب بهم كل مأخذ ، فالتفتوا
إليهم ينظرون حالهم ثم التفوا حول الشريعة الإسلامية وراحوا يحملونها ليسيروا
بها على هوى الغرب الكافر والشرق الملحد .
فزعم نفر منهم أن الاشتراكية من الإسلام ، وأن أول اشتراكي كان من صحابة محمد ـ
صلى الله عليه وسلم ـ وأن الأديان متكاملة ، وأن الإسلام نزع منا بغض ( الآخر )
.!!
وراح نفر من هؤلاء المنهزمين المنبهرين يَكذبون على أنفسهم قبل قومهم وربهم
ويقولون للقوم أن ما عندكم عندنا ، فحبُّ الأوطان هو الولاء والبراء عندنا ،
والقوانين الكلية ( الدستور ) هي القواعد الفقيه عندنا ... !!
ونفر من هؤلاء صدَّّّق أن القوم عقلاء حكماء قد فهموا وأبصروا وغيرهم ـ من
المسلمين ـ ما زالوا في غيهم يعهمون ، فتنكر للنصوص وخط للعقل و ( العقلاء )
خطا في عمق الشريعة فابتدع المقاصد ـ بمفهومها الجديد ـ ليقول للقوم أننا مثلكم
نحترم العقل على ذات طريقتكم .!!
وظل هذا الركب من المنهزمين المنبهرين يسير فجاء فيما بعد من حاولوا تفسير
القرآن ـ تفسيرا ( علميا ) حديثا يتماشى مع العقل ـ فزعموا أن الطير الأبابيل
التي أرسلها الله على أبرها الحبشي وجنده ترميهم بحجارة من سجيل هي مرض (
الجُدري ) ، وأن آية الدم التي أرسلها الله على فرعون هي البلهارسيا وغير ذلك .
كل ذلك ليحسنوا صورة الإسلام أما الغرب .!!
والذين جاؤوا من بعدهم قالوا بـ ( اشتراكية الإسلام ) وأن ( الديمقراطية من
الإسلام ) . و أن الحجاب عادة كانت وما عادت . وأن الأخوة أخوة الأوطان واللغة
لا الدين والمِلَّة .
وإن كنا نحسن الظن بنفرٍ منهم ونرى أنهم كانوا يريدون حقا الصلاح لأمتهم ، إلا
أن حُسن النية قد يرفع العقوبة أو يخففها إلا أنه لا يكفي لتصحيح الفعل وتمريره
.
ومضت الأيام لتقول لنا أن القوم كانوا جسورا ركبها الكفر ، وغزا بها ثوابتنا
العقدية فتغير مفهوم الولاء والبراء وظهرت ( القومية ) و( الوطنية و ( الجامعة
العربية ) بدلا من الخلافة الإسلامية ، وتغير مفهوم الحجاب والجهاد وتحكيم
الشريعة والتحاكم إليها . والمنهزمون يُؤولون أو ( يتفهمون ) .!!
ثم نادي الكفار بالحوار ( الحضاري ) فبرز إليهم ثلة من المنهزمين ـ وما أخرجهم
أحد من المسلمين ـ وهم يتصببون عرقا ويتوارون من ( سوء ) ما يفعله المنتسبون
للإسلام من ( إرهاب ) . يجلسون جلسة الخائف المذنب أمام من يحاكمه ، وانتهى
الحوار بكل ما يسئ الصديق ويفرِّح العدو .
وحين ظهرت ( العولمة ) اشتدَّ الدجل في أمة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وخرج (
الليبراليون )
على الناس وألقوا حبالهم وعصيهم يريدون أن يجعلوا الكل سواء ... عقيدة الكفر
كعقيدة الإيمان ... والمسلمين كالمجرمين ... حاولوا إعادة قراءة الدين من جديد
ليكون إسلامي الأُطر غربي المحتوى .
إلى يومهم هذا وهم مازالوا يقيمون الجسور والكباري بين الكفر والإيمان بدعوى أن
القوم ( عقلاء ) ( مؤدبون ) ، وأن ما يصدر منهم من قتل وتعذيب للمسلمين
والمسلمات في كل مكان وتطاول على الدين الإسلامي ، إنما هو من فعل الساسة
والمتشددين وأن القوم ليسوا سواء ، بل جُلُّهم عقلاء .
واليوم ـ بعد سب النبي صلى الله عليه وسلم وإهانة المصحف ـ بطل سحرهم ، وانكشف
جهلهم ، وراحت تأويلاتهم وتصويغاتهم ، فها هو الغرب يسبُّ الحبيب محمد ـ صلى
الله عليه وسلم ـ ليس الدينمارك وحدها ، وإنما دول أوروبا ومن قبلهم أمريكا .
وليس المتشددون ، وإنما الكل .
لم نسمع من احتج ، وإنما أحسنُهم من يُبرر .
كلهم يسبون ، وكلهم يسخرون منا ومن شرعنا ، وليس الدافع هو ( إرهاب ) إخواننا .
فأين الجسور التي يبنيها القوم من قرون ؟!
اليوم ، وبعد سبِّ الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ وما حدث في ( أبو غريب ) و (
جوانتنامو ) و( قلعة حاجي ) في أفغانستان ، تبين للعُميان أن ( العلمانية )
ولّت أدبارها ، وانتهى من التاريخ دورها ، فها هي الأمة الإسلامية تتفاعل مع
قضايا إخوانها في فلسطين والعراق وأفغانستان وجوانتنامو ، وها هو الغرب كله
يسفر عن وجهه الصليبي الكالح ، ليقول لكل مغفل ما زال يؤمن بالعلمانية وأنه لا
دين .أن الصراع بدأ يتجدد على خلفيات دينية ، وأن الذين كفروا بعضهم أولياء بعض
، وقد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر ، وأن المنافقين يُفتنون في
كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون ،
وأن الأمة الإسلامية بدأت ترجع إلى شرع ربها ،
وأهمس في أذن علمائنا وشيوخ صحوتنا :
ها هي سَوْءة العلمانيين والليبراليين وكل
المخذِّلين انكشفت ، وهي هي الأمة تلقي بزمامها إليكم فلا تفرطوا فيه ، والأجر
على قدر المشقة ، ولا يدوم عسر ولا يسر ،
ولكل جيل رجال ، فأنتم أنتم . والله نسأل أن يعجل بنصرة وعزِّة أولياءه . وأن
يكون سبّ الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ بداية النصر والتمكين ، وما ذلك على
الله بعزيز .