مما لا يخفى على متابع أن حملات التنصير تنتشر في جميع بقاع العالم الإسلامي من
أند ونسيا إلى المغرب العربي مرورا بالجزيرة العربية . وكلنا نشتكي التنصير .
جُلُّ الجهود المبذولة في التصدي للتنصير ـ على قلتها ـ تنصرف للحديث عن
الأمور الحركية ، مثل الكلام عن عدد الجماعات أو الجمعيات التي تعمل في مجال
التنصير ، والأماكن التي ينتشرون فيها ... برامجهم ... ميزانيتهم ... من
يدعمهم وعدد من تنصروا ... ومن عادوا . . . الخ .
وكذا التصدي لما يصدر من النصارى من حين لآخر من بذاءة يُنَفِّثُون بها عما في
قلوبهم من حقد يكون غالبا حركيا أيضا ... نتنادى للمقاطعة ... والكتابة
للمسئولين . . . ونحاكم القوم إلى أعرافهم فيخاطبهم كثير من ( المثقفين )
باسم ( الحرية ) التي تكفلت بها ( الديمقراطية ) و( التسامح ) مع الأديان
الذي ينادي به دينهم ... الخ ـ ودينهم ليس فيه تسامح مع الآخر ودونكم كتابهم (
المقدس ) ، والواقع شاهد ثرثار لا يكف الحديث ولكن من يسمع ويعقل ؟! ـ . والبعد
العلمي في التصدي لهذه الحملات المسعورة ينحصر في بيان كذب القوم في دعواهم
حول القرآن ، أو حول النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا يتطرق إلى منطلقات
القوم وعقائدهم الفاسدة إلا من طرف خفي وبإشارات يفهمها المتخصصون فضلا عن
العلمانيون .
نثور قليلا ثم نهدأ ... كنار السعفة .
نعم . هناك جهد أكاديمي لا يمكن إنكاره يتجه نحو نقد دين النصارى ... نقد
كتابهم ( المقدس ) وشرائعهم .. إلا أنه حبيس المدرجات ويخاطب به طلبة درجات
التخصص العليا ( الماجستير أو الدكتوراه ) .
وقليل من هؤلاء المتخصصين من يُستفاد بعلمه في التصدي لهذه الحملة المسعورة
[1].
إخواني وشيوخي الكرام !
لا يخفى على حضراتكم أن المنصرين يتيممون الطبقة التي تجهل دينها ، وهم الذين
يفتعلون الشبهات حول الإسلام ونبي الإسلام صلى الله عليه وسلم مستغلين جهالة
المتلقي ، ولا يخفى على حضراتكم أن دين النصارى يحمل مَعراةٌ لو علمها الناس
لانصرفوا عنه من فورهم ، كاتهامهم لعدد غير قليل من أنبياء الله بالزنا بل
والكفر بالله ، وتشبيههم ربهم بالدودة واللبؤة وأن رب الأرباب خروف تعالى الله
عما يقول الكافرون علوا عظيما ، وفيه تشريع الرِّق ، وفيه أمر بقتل وحرق ونحو
ذلك مما يرمون به الإسلام . وكلام ( الكتاب المقدس ) بعهديه على المرأة مما
يضحك منه الصبية ويصلح للفكاهة في مجالس السمر . إلا أن المنصرين أخذاهم الله
يجتزئون من الكتاب ما يحلو لهم مما يحسن صورة باطلهم ، ويجتزئون من الدين
الإسلام ما يحلو لهم مما يقبح دين الله عز وجل في أعين المستهدفين بحملات
التنصير .
والحال هكذا : فلم لا تتبنون دراسة نقدية ـ في شكل مقالات أو رسائل ـ تتناول
دين النصارى وتقارن بينه وبين الإسلام ؟ مما يصلح أن يخاطب به عوام الناس .
والهدف هو نشر ثقافة مضادة للتنصير بين الناس . هذا طريق قصير وجيد للتصدي
للتنصير .
المستهدفون من هذا الطرح هو عوام الناس من المسلمين ، وكذا عوام الناس من
النصارى . فالصورة الآن أن ( المبشرين ) ـ وكذا دعاة العلمانية والتغريب ـ
وصلوا لعدد غير قليل من عوام المسلمين وخاطبوهم بباطلهم ، والصورة الآن أننا
لا نستطيع الوصول لعوام النصارى بعد أن جلسنا ولم نخاطبهم بالإسلام وانحصر
خطابنا . . . ولم نخاطبهم بحقيقة دينهم الذي لبسه عليهم النصارى .
نتكلم عن الحوار مع ( الآخر ) ، فهيا ، ها هو الآخر اليوم ينظر بماذا سندافع
عن نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ وماذا سنقول ؟
وها هو ( الآخر ) يجلس معنا على الشبكة العنكبوتية ، ونستطيع أن نخاطبه من
شرائط الكاسيت وبعض المحطات الفضائية .
إخوان وشيوخي الكرام !
نزل الكفر بساحتنا الفكرية واستباح حصوننا العقدية ، حتى وصل إلى مناهجنا
التربوية ، ورسمت الأيدي الآثمة مفاهيم الأمة وتصوراتها كما يحلو لها .
فأين التوحيد الصحيح في أذهان عوام الناس ؟ وأين مفهوم الحجاب الشرعي الصحيح
من عوام الناس ؟ وأين الولاء وممن البراء ؟ وفيما سعي الناس اليوم جملة ؟
وها هم اليوم يتعدون على أقدس ما عندنا ... قرآن ربنا بالأمس وشخص نبينا صلى
الله عليه وسلم ـ اليوم . فمن يحمل معي على القوم لنردهم عن حصوننا الفكرية ...
عن ديننا وعرض أمهاتنا ـ أمهات المؤمنين ــ ، ونسائنا وأطفالنا وشبابنا ؟
محمد جلال القصاص
mgalkassas@hotmail.com
-----------------------------------------------------
[1] لا أعرف أحدا من هؤلاء ـ وأنا من المتابعين ـ إلا الشيخ الدكتور منقذ محمود
السقار ـ حفظه الله من كل سوء ـ . المدرس بجامعة أم القرى . وهو عندي قسورة
الذي تفر منه النصارى كالحمر المستنفرة .