الحمد لله الذي جعل سعادة القـلوب في الإقبال إليه، وجعل راحة الأرواح في
السجود بين يديه ، والصلاة والسلام على أسعد الناس ، وأعبد الناس نبينا محمد
صلى الله عليه وسلم الذي وضَّحَ لنا طريق السعادة ، وأنار لنا سُبُل السكينة
أما بعد
كل الناس رجالاً ونساء ، كباراً وصغار ، يبحثون عن السعادة ، والكل يتمنّاها ،
فيا تُرى من الذي وجدها ؟ هل وجدها صاحب المحلات والعقارات ؟ أم هل وجدها ذلك
الذي يُتابع القنوات ؟ أم ذلك الشاب الذي يُعاكس الفتيات ؟ أم هل وجدها ذلك
الذي يسهر على المُحرَّمات ؟ إنّني أتساءل من الذي ذاق طعم السعادة ؟ هل تلك
المرأة التي كشفـت وجهها أو عينها، ولَبِست تلك العباءة الضيقة والمطرزة ، هل
تظـنون أنّها وجدت السعادة ؟ فمن هو السعيد ؟ وأين أجد السعادة ؟ أحبتي الكرام
: إنَّ السعادة كنزٌ عظيم ، وغايةٌ منشودة ، ومطلبٌ نفيس ، إنَّ السعيد هو: ذلك
الذي حقق العبودية لربه تبارك وتعالى 0
إن السعادة في الإقبال على الله ، إنَّ الإقبال على الله بالطاعات ودوام التقرب
إليه سبحانه وتعالى بكثرة النوافـل ، والإنابة إليه عزَّ وجل ستوصلك إلى حلاوة
الإيمان وجنة الدنيا ، قال الله تعالى ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِن ذَكَرٍ أو
أُنثى وهو مُؤمِن فَلَـنُحيـينّهُ حَياةً طَيبة ) ، إنّها الحياة السعيدة ،
إنّها الطُمأنينة والسكون ، إنّها الراحة والخشوع ، تلك هي اللَّذة التي
يتذوقها كل من أقبل على ربه وأناب إليه ، قال أحد الصالحين: مساكين أهل الدنيا،
خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها، قالوا: وما هو ؟ قال: ( معرفة الله )
، وقال آخر: لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من السعادة لجالدونا
عليها بالسيوف ، إذن إنْ كنت تريد السعادة فاتجه إلى الصلاة ، وأقبل على الله ،
وستجد السعادة بإذن الله 0
السعادة في قراءة القرآن ، إنّه القرآن ، كتاب الحياة ، وباب السعادة ، كلما
نظرت كلما أشرق في قلبك نور الإيمان ، قال تعالى ( فامنوا بالله ورسوله والنور
الذي أنزلنا ) ، إنّه القرآن يا أمة الإسلام ، فلماذا هجرناه وأعرضنا عنه
ونسيناه ، ولماذا ألهتنا الدنيا عن قراءته وسماعه وتدبره ، قال سبحانه وتعالى (
يا أيها الذين آمنوا لا تُلهِكُم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ) ، إنَّ
القرآن علاج الهموم ، ومُزيل الغموم ، ومُذْهِب الحسرات ، وكاشفُ للبليَّات ،
فيا من أحاطت به هموم الدنيا، وأزعجـته المصائب ، أُوصِيك ونفسي بأن تجلس مع
القرآن في كل يوم ولو ساعة تقرأ فيه ، وتتأمل معانيه ، وتعرض نفسك عليه ،
فوالله سوف تشعر بالسعادة وتذوق طعم الحياة 0
السعادة توجد عند أصحاب الأخلاق الحسنة ، والله إنَّ المُتَّصفين بالصفات
الحسنة والأخلاق الحميدة ، ليجدون من الراحة والسعادة ما لا يخطر بالبال ،
إنّهم أقوام أحبهم الله وأحبهم الناس ، فكيف لا يجدون السعادة ؟ إنّهم
مُتواضعون مع الناس ، يبتسمون ، ويمزحون ، ويضحكون ، إنّهم يُساعدون المُحتاج ،
ويعطِفون على المسكين ، إنّهم يُحسِنون الظن ، ويتجاوزون عن الخطأ ، إنّهم
طيبون ، ويرحمون ، وينفعون ، إذا رأيتهم رأيت فيهم أجمل الأخلاق وأحسن الصفـات
، إنّهم يسيرون على منهج الرسول صلى الله عليه وسلَّم الذي مدحه الله بقوله (
وإِنَّـك لعلى خُلُقٍ عَظِيم ) ، فعامل النَّاس بمِثـلِ ما تُحب أنْ يُعاملوك ،
وستجد السعادة 0
السعادة في ترك الذنوب ، إنَّ الشهوات ومتابعة القنوات والسهر على المُحرمات
طريقك إلى الشقـاء في الدنيا والآخرة ، إنَّ إعراضك عن الله يجلب لك القلق
والهمَّ والحزن ، قال تعالى ( ومَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإنَّ لهُ مَعِيشَةً
ضَنكاً ) ، إنَّ الذنوب لها لذةٌ في لحظـتها ونشوةً في ساعتها، ولكن بعد ذلك
عذاب القـلب، وسموم الروح 0
رأيتُ الذنوب تُميتُ القـــــلوب وقـــد يُـورِثُ الـذُلُّ إدمـانـُهــا
وتـركُ الذنــوبِ حيـاةُ القـلوب وخيــرٌ لـنـفـسـكَ عِـصـيـانــُها
أقبِل على ربك ، وابكِ على خطيئـتِك ، واستغفر لذنبك ، وستجد السعادة 0
السعادة في الإحسان إلى النّاس ، إنْ كُنتَ تبحث عن الراحة والسكون والطمأنينة
، فأمسح رأس اليتيم ، وقبـِّـل رأس العجوز الكبير في السن ، إنَّ الإحسان طريق
مخـتـصـر إلى السعادة ، وباب يُدخلك على كنوزٍ من الطمأنينة ، قال تعالى (
وأحْسِنُوا إنَّ الله يُحِبُّ المُحسِنِين ) 0
أخي المسلم: هل عفوتَ عن أحدٍ ظلمك ؟ هل سامحت من أساء إليك ؟ جرِّب ذلك وستجد
طعماً للسعادة لا يُوازيه شيء 0
ابذل مالك للمحتاج ، يا من رزقه الله بيتاً إنَّ هناك عوائـل لا بيوت لها ، يا
من منحه الله زوجة هناك من طلَّق زوجـته ، يا من تلعب مع أطفاله إنَّ هناك
أطفال لم يجدوا آباءهم ، فهم موتى ، أو مسجونين ، أو في شباك المخدرات ، يا من
يريد السعادة : أَخْرِج قليلاً من مالك لذلك الفـقـيـر ، ولتلك الأرملة ، ولذلك
المسكين ، فوالله سـتـشـعـر بِلَذَّةِ الإحسان وطعم السعادة ، قال تعالى ( ومَن
يُـوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فأُولئكَ هُمُ المُفْلِحُون ) 0
السعادة عند التائبين ، إنَّ جميع الخلق لابد أنْ يصدر منهم الذنب والخطأ مهما
كانوا في صلاحهم واستقـامتهم كما ورد في الحديث ( لو لم تُذنبوا لذهب الله بكم
ولجاء بقوم آخرين يذنبون فيستغفرون، فيغفـر الله لهم ) ، وفي الحديث الآخر ( كل
ابن آدم خطَّاء، وخير الخطَّاءين التوابون ) ، أيها الأحبة : إنَّ هناك أقوام
قد صدقوا مع ربهم وأقبلوا عليه تائبين، نادمين، مُعترفين، وهؤلاء لهم نصيب من
السعادة على قدر صدقهم ، قال تعالى ( مِنَ المؤمِنين رِجَالٌ صَدَقُوا مَا
عَاهَدُوا الله عَلَيه فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَـحْبَهُ ومِنْهُمْ مَن ينتظر
ومَا بَدَّلوا تبديلاً ) 0
هناك سعادة عند الموت ، ولكن هذه السعادة خاصة للمؤمن الصالح الذي أفنى حياته
في طاعة الله ، فهذا له موعد مع السعادة عند مماته ، قال تعالى ( إنَّ الذينَ
قالوا ربنا الله ثمَّ استقاموا تتنزَّلُ عليهمُ الملائكة ألاَّ تخافوا ولا
تحزنوا وأبشِروا بالجنَّة التي كُنتُم توعدون ) ، إنّها البشارة لهم عند الممات
بالجنة ، إنّه يرى مقعده من الجنة ، فتطير روحه شوقـاً إلى ما عند الله 0
السعادة الكُبرى عندمـا تأخذ كتابك باليمين ، وتصيح أمام العالمين ( هَآؤُمُ
اقْرَءُوا كِـتابِـيـهْ إنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابـيـه ) ، السعادة
عندما تمشي بأقدامك إلى الجنة ، عندما تنظر إلى قصورك في الجنة ، وترى الأنهار
تجري من تحتها ، السعادة الكبرى عندما تدخـل قصرك وترى الأشجار من ذهب قد أحاطت
بذلك القـصر ، والخدم يطوفون حولك لـكي يخدموك ، السعادة عندما ترى زوجاتك من
الحور العين، فإذا بِكَ ترى ذلك الجمال الباهـر ، وتكتمل السعادة عندما تسمع
النداء من الله ( يا عبادي هل رضيتم ؟ فيقولون: وكيف لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم
تعط أحد من خلقك، فيكشف الحجاب عن وجهه، فما أُعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر
إلى الله تعالى ) 0
أحبتي في الله هذه جولة سريعة في أبواب السعادة وأحوالها ووسائـلها
فنسأل الله أن يرزقنـا السعادة وصلى الله على نبينا محمد 00000