المرض مقدر ، قدره الله عز وجل على البشر ، قدره للابتلاء ، وتكفير الذنوب
، واختبار الصبر عند البشر ، وهو نوعان ( عضوي ، وروحي ) ، فالمرض العضوي
علاجه معلوم للجميع ، إما بالدواء ، أو بالجراحة ، والمرض الروحي فعلاجه
القرآن الكريم ، والأدعية النبوية ، أو بالعقاقير المهدئة والجلسات النفسية
0
لكن هناك مرض ثالث ، إنه مرض القلوب والأفهام والعقول ، وهؤلاء المرضى
يحتاجون لعلاج من نوع خاص ، في عيادات خاصة ، إنها عيادة القرآن الكريم ،
والسنة النبوية ، فهؤلاء المرضى يحتاجون إلى : عمليات تجميل لتقاسيم الوجه
المكفهر ( تبسمك في وجه أخيك صدقة ) ، وغسيل للقلب الممتلئ بالحقد والغل
والحسد ( ألا وإن في الجسد مضغةً ، إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد
الجسد كله ، ألا وهي القلب ) ، ﴿ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً
مِّمَّا أُوتُوا ﴾ ، وشفط للحقد والغل المستشري ( وَلا تَجْعَلْ فِي
قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) ،
وإزالة لكريات الحقد السوداء ( لا حسد إلا في اثنتين : رجل أتاه اللّه
الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها ، ورجل آتاه اللّه مالا فسلطه على هلكته في
الحق ) ، وربط للسان السليط ( أمسك عليك هذا وأشار إلى لسانه ) ، وشد
للتفكير المترهل ( أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ
اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ
وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ
لَكَافِرُونَ ) ، ( وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) ، وزراعة للفهم والعقل ( إِنَّ شَرَّ
الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ )
، وقص للبغضاء ( فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا
بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) ، (
إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ
وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ) ، واستئصال للشر ( وَكُنْتُ
أَسْأَلُهُ عَنِ الشّرّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي ) ، ( وَمَنْ يَعْمَلْ
مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) ، ونفخ في الضمير الميت ( إِنَّكُمْ
تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ
بَعْضٍ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ
فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ فَلَا يَأْخُذْهَا ) (
قال الدكتور محمد النابلسي : هذه القوّة الخفيّة التي سمَّاها علماء النفس
ضميرًا ، أو سمَّاها بعضهم وجدانًا ، وسمَّاها القرآن قلبًا تارةً ،
وفطْرةً تارةً ) ، وتفتيت للظن المظلم ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) ، (
إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ ) ، وقصدرة
لشرايين الخير المغلقة ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ) ، ( فَمَنْ
يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ) ، ومحبة الغير المنعدمة (
أوثق عرى الإيمان : الحب في الله والبغض في الله ) ، ( إن الله تعالى يقول
يوم القيامة : أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي
) ، ( ومن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : رجلان تحابا
في الله ) ، وَمُلَيِن للأخلاق الشرسة ( إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ
صَالِحَ الأَخْلاَقِ ) ، ( وإِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ
خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ ) ، وعملية ليزك وتشطيب للعين
الفاسدة ( إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى مدرك ذلك لا محالة فالعين
تزني وزناها النظر ) ، والنظر الحاقد الحاسد الكاره ﴿ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ
إِذَا حَسَدَ﴾ ، ﴿ وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ
بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ ﴾ ، ( النبي صلى الله عليه وسلم
كان يتعوذ من الجان ومن عين الإنسان ) ، اللهم وفقنا لرضاك وأصلح نياتنا
وذرياتنا واغفر لوالدينا وجميع المسلمين يارب العالمين 0