الحمد لله حرّم الأكاذيب والشائعات ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل البريات
أما بعد
فالإشاعة عبارة عن خبر أو معلومة غير مؤكدة قد تكون صادقة أو كاذبة ، تنتقل من
شخص إلى أخر ، والاشاعة لا تطرح فكرة جديدة أو نظرية مفيدة ، بل تتناول أخبار
ومعلومات لم تثبت ، كما أنها تحتوي على جانب غامض وظيفته إثارة الفتنة وزعزعة
الأمن والأمان ، إن الشائعات ومروّجيها أشدُّ وأنكى ، لما يقومون به من خلخلة
البُنى التحتية للمجتمع ، وتقويض أركانه ، وتصديع بنيانه ، فكم تجنّوا على
أبرياء ، وأشعلوا نار الفتنة بين الأخلاء ، وكم نالوا من عظماء وعلماء ، وكم
هدّمت الشائعة من وشائج ، وتسبّبت في جرائم ، وفككت من أواصر وعلاقات ، وحطّمت
من أمجاد وحضارات ، وكم دمّرت من أسر وبيوتات ، وأهلكت من حواضر ومجتمعات ، بل
لرب شائعة أثارت فتنا وبلايا ، وحروباً ورزايا ، إن الشائعات من أخطر الحروب
المعنوية ، والعلل النفسية ، بل من أشد الأسلحة تدميراً ، وأعظمها وقعاً
وتأثيراً ، فقد أصبحت ظاهرة اجتماعية عالمية ، لها خطورتها البالغة على
المجتمعات البشرية ، وأنها جديرة بالتشخيص والعلاج ، وحَرِيّةٌ بالتصدي
والاهتمام لاستئصالها والتحذير منها ، والتكاتف للقضاء على أسبابها وبواعثها ،
حتى لا تقضي على الروح المعنوية في الأمة ، التي هي عماد نجاح الأفراد ، وأساس
أمن واستقرار المجتمعات ، وركيزة بناء أمجاد الشعوب والحضارات 0
لقد اتخذ الإسلام موقفا حازما من الشائعات ، وعدّها سلوكا مرذولاً ، منافيا
للأخلاق النبيلة ، والسجايا الكريمة ، والمُثلُ العليا ، فالشائعة نسف لتلك
القيم ، ومِعْوَلُ هدم لهذه المثُل ، قال تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ
ءامَنُواْ اجْتَنِبُواْ كَثِيراً مّنَ الظَّنّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنّ إِثْمٌ ) ،
وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( إياكم والظن ، فإن الظن أكذب الحديث ) ، لقد نهى الإسلام أتباعه
أن يُلغوا عقولهم عند كل شائعة ، وتفكيرَهم عند كل ذائعة ، أو ينساقوا وراء كل
ناعق ، ويصدّقوا قول كل دعيٍّ مارق ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كفى بالمرء كذباً أو (
إثما ) أن يحدث بكل ما سمع ) ، وسدًّا للباب أمام الوشاة المغرضين ، ونقلة
الشائعات المتربّصين ، ومنعاً لرواج الشائعة والبلاغات المجهولة الكيدية
المغرضة ، والأخبار الملفقة المكذوبة على البرآء الغافلين ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( ألا
أخبركم بشراركم ) قالوا : بلى يا رسول الله ، قال ( المشاؤون بالنميمة ،
المفسدون بين الأحبة ، الباغون البُرَآءَ الْعَنَتَ ) ، ومروّج الشائعة لئيم
الطبع ، دنيء الهمة ، مريض النفس ، منحرف التفكير ، صفيق الوجه ، عديم المروءة
، ضعيف الديانة ، يتقاطر خسَّة ودناءة ، قد ترسّب الغلّ في أحشائه ، فلا يستريح
حتى يزبد ويُرغي ، ويُفْسد ويُؤذي ، فتانٌ فتاكٌ ، ساع في الأرض بالفساد ، يجلب
الفتن للبلاد والعباد ، إنه عضو مسموم ، يسري سريان النار في الهشيم ، يتلوّن
كالحرباء ، وينفث سمومه كالحية الرقطاء ، لا يفتأ إثارة وتشويشاً ، ولا ينفك
كذباً وتحريشاً ، ولا يبرح تقوّلا وتهويشاً ، فكم حصلت من جناية على المؤهلين
الأكفياء بسبب شائعة دعيٍّ مأفون ، ذي لسان شرير ، وقلم أجير ، في سوء نية ،
وخبث طوية ، وهذا سرّ النزيف الدائم في جسد الأمة الإسلامية 0
الشائعات تتطوّر بتطور العصور ، ويمثّل عصرنا الحاضر عصراً ذهبياً لرواج
الشائعات المغرضة ، وما ذاك إلا لتطوّر التقنيات ، وكثرة وسائل الاتصالات ،
التي جعلت العالم قرية واحدة ، فآلاف الوسائل الإعلامية ، والقنوات الفضائية ،
والشبكات المعلوماتية تتولّى كِبرَ نشر الشائعات المغرضة ، والحملات الإعلامية
المحمومة ، في صورة من أبشع صور الإرهاب النفسي والتحطيم المعنوي ، له دوافعه
المشينة ، وأغراضه المشبوهة ، ضد الأمة وثوابتها وقيمها ، فأصبحت مصادر الإشاعة
كثيرة ومتعددة ، ولعل من أهمها وأكثرها ترويجا لها ( خبر في جريدة أو مجلة أو
إذاعة أو تلفاز أو شريط مسجل أو مقال مكتوب ، والذي تَفَوَقَ في ترويج الشائعات
{ مواقع التواصل الاجتماعي الفيس البوك وتويتر } والذي تربع على قائمتها وهو
أكثرها نشرا للشائعات الواتس أب ) 0
إذا كان هذا هو حال الشائعة وما ينتج عنها من دمار للمجتمع ، علينا أن نحدد
طريقة التعامل مع الشائعات ولعل النقاط الأربعة تبين ذلك :
النقطة الأولى :حسن الظن بمرسل الإشاعة ، قال الله تعالى ( لَوْلَا إِذْ
سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا )
0
النقطة الثانية : طلب الدليل على أية إشاعة نسمعها ، قال تعالى ( لَوْلَا
جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ
فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ )0
النقطة الثالثة : لا تتحدث بكل ما تسمعه ولا تنشره حتى تتأكد من صحته ، دع
الاشاعة تموت في مهدها بعدم نشرها ، قال تعالى ( ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون
لنا أن نتكلم بهذا )
النقطة الرابعة : رد الأمر إلى أهله ، وهذه قاعدة عامة في كل الأخبار المهمة
التي لها أثرها ، قال تعالى ( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ
الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي
الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا
فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا
قَلِيلًا )
وأخيراً إذا كان هذا هو حال الشائعات تدمير للمجتمعات فأنه يحرم تناقلها أو
نشرها ، قال تعالى ( إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي
الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ) هذا هو
الحكم الأخروي ، أما الحكم الدنيوي فهو حد القذف إن توفرت شروطه ، وإلا
فالتعزير ، فاحذروا أن تكونوا أنتم الانطلاقة لكل شائعة ، وأن تكونوا مروّجين
لها ، فإذا ما سمعت بخبر ما ، في مجلس أو إذاعة ، أو شاهدته في قناة فضائية ،
أو قرأته في مجلة أو جريدة أو رسالة أو موقع انترنت ، أو وصلك عبر الواتس ،
وكان الذي سمعته لا يسُرّ ، فاحتفظ بالخبر لنفسك ولا تنقله لغيرك ولا تصدقه حتى
يثبت بالبرهان والدليل صحته ؛ لأن القضية قضية دين ، والمسألة مسألة حسنات
وسيئات ، فليحافظ كل منّا على دينه ، وليحافظ كل منّا على حسناته ، وسيعلم
الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون والحمد لله رب العالمين 0