|
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام
على من لا نبي بعده أما بعد:
فقد أرشد النبي
ﷺ إلى استخدام بعض الأعشاب المفيدة
لتقوية مناعة الجسم، ومن ذلك الاستشفاء بالحبة السوداء، وفي هذا المقال جمع
لما ورد في السنة النبوية في الحبة السوداء، وطريقة الاستخدام، والمواد
الفعالة في تركيبة الحبة السوداء، وهو ضمن موسوعة الطب النبوي التي أعمل
عليها من مدة طويلة.
المطلب الأول:
دلالات الأحاديث النبوية على الاستشفاء بالحبة السوداء
روى البخاري (5688) – واللفظ له - ومسلم
(2215) عن أَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه
أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ فِي الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ: (
شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلَّا السَّامَ ) قَالَ ابْنُ شِهَابٍ:
وَالسَّامُ الْمَوْتُ.
وقد رواه الترمذي برقم 2070 وزاد: قالَ
قتادةُ : يأخذُ كلَّ يومٍ إحدى وعشرينَ حبَّةً فيجعلُهُنَّ في خرقةٍ
فلينقعُهُ فيتَسعَّطُ بِهِ كلَّ يومٍ في منخرِهِ الأيمنِ قطرتينِ وفي
الأيسرِ قطرةً والثَّاني في الأيسرِ قطرتينِ وفي الأيمنِ قطرةً والثَّالثُ
في الأيمنِ قطرتينِ وفي الأيسرِ قطرةً
وروى البخاري برقم 5687 عن خالد بن
سعد، قال: خرجنا ومعنا غالب بن أبجر فمرض في الطريق، فقدمنا المدينة وهو
مريض، فعاده ابن أبي عتيق، فقال لنا: عليكم بهذه الحبيبة السوداء، فخذوا
منها خمسا أو سبعا فاسحقوها، ثم اقطروها في أنفه بقطرات زيت، في هذا الجانب
وفي هذا الجانب، فإن عائشة، حدثتني: أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم
يقول: إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء، إلا من السام قلت: وما السام؟
قال: الموت. انتهى. وابنُ أبي عَتيقٍ، وهُو عبدُ اللهِ بنُ مُحمَّدِ بنِ
عبدِ الرَّحمنِ بنِ أَبي بكْرٍ الصِّدِّيقِ
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال
رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: عليكُم بهذه الحبَّةِ السَّوداءِ فإنَّ فيها شفاءً مِن
كلِّ داءٍ إلَّا السَّامَ. أخرجه ابن ماجه (3448)
وعن بريدة بن الحصيب الأسلمي
رضي الله عنه قال : قال رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: عليكم بهذه الحَبَّةِ
السَّوْداءِ -وهي الشُّونيزُ-؛ فإنَّ فيها شِفاءً. أخرجه أحمد
وابن أبي شيبة في
((المصنف)) (23906)، وأبو نعيم في ((الطب النبوي)) (616) (22999) وصححه
شعيب الأرناؤوط.
وفي رواية عن بريدة مرفوعا: الكَمْأةُ
دَواءٌ للعَينِ، وإنَّ العَجْوةَ من فاكِهةِ الجَنَّةِ، وإنَّ هذه
الحَبَّةَ السَّوْداءَ، قال: ابنُ بُرَيدةَ يَعني الشُّونيزَ الذي يكونُ في
المِلْحِ، دَواءٌ من كُلِّ داءٍ إلَّا المَوتَ. أخرجه أحمد (22938) وصححه
الشيخ شعيب.
وروى
البخاري (5687) عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: خَرَجْنَا وَمَعَنَا
غَالِبُ بْنُ أَبْجَرَ فَمَرِضَ فِي الطَّرِيقِ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ
وَهُوَ مَرِيضٌ فَعَادَهُ ابْنُ أَبِي عَتِيقٍ فَقَالَ لَنَا: عَلَيْكُمْ
بِهَذِهِ الْحُبَيْبَةِ السَّوْدَاءِ فَخُذُوا مِنْهَا خَمْسًا أَوْ
سَبْعًا فَاسْحَقُوهَا ثُمَّ اقْطُرُوهَا فِي أَنْفِهِ بِقَطَرَاتِ زَيْتٍ
فِي هَذَا الْجَانِبِ وَفِي هَذَا الْجَانِبِ ؛ فَإِنَّ عَائِشَةَ
حَدَّثَتْنِي أَنَّهَا سَمِعَتْ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: ( إِنَّ هَذِهِ
الْحَبَّةَ السَّوْدَاءَ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلَّا مِنْ السَّامِ )
قُلْتُ وَمَا السَّامُ ؟ قَالَ الْمَوْتُ.
وللعلماء قولان في قوله: ( شِفَاءٌ مِنْ
كُلِّ دَاءٍ ): فقيل: هو على عمومه، فيشمل كل داء.
وقيل: هو عام أريد به الخصوص، فالمراد
به بعض الأدواء.
قال الحافظ ابن حجر
رحمه الله:
" قِيلَ إِنَّ قَوْله " كُلّ دَاء "
تَقْدِيره: يَقْبَل الْعِلَاج بِهَا ، فَإِنَّهَا تَنْفَع مِنْ الْأَمْرَاض
الْبَارِدَة ، وَأَمَّا الْحَارَّة فَلَا.نَعَمْ، قَدْ تَدْخُل فِي بَعْض
الْأَمْرَاض الْحَارَّة الْيَابِسَة بِالْعَرْضِ فَتُوَصِّل قُوَى
الْأَدْوِيَة الرَّطْبَة الْبَارِدَة إِلَيْهَا بِسُرْعَةِ تَنْفِيذهَا.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَوْله " مِنْ
كُلّ دَاء " هُوَ مِنْ الْعَامّ الَّذِي يُرَاد بِهِ الْخَاصّ ، لِأَنَّهُ
لَيْسَ فِي طَبْع شَيْء مِنْ النَّبَات مَا يَجْمَع جَمِيع الْأُمُور
الَّتِي تُقَابِل الطَّبَائِع فِي مُعَالَجَة الْأَدْوَاء بِمُقَابِلِهَا ،
وَإِنَّمَا الْمُرَاد أَنَّهَا شِفَاء مِنْ كُلّ دَاء يَحْدُث مِنْ
الرُّطُوبَة.
وَقَالَ أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ:
الْعَسَل عِنْد الْأَطِبَّاء أَقْرَب إِلَى أَنْ يَكُون دَوَاء مِنْ كُلّ
دَاء مِنْ الْحَبَّة السَّوْدَاء ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ مِنْ الْأَمْرَاض
مَا لَوْ شَرِبَ صَاحِبه الْعَسَل لَتَأَذَّى بِهِ ، فَإِنْ كَانَ
الْمُرَاد بِقَوْلِهِ فِي الْعَسَل " فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ " الْأَكْثَر
الْأَغْلَب فَحَمْل الْحَبَّة السَّوْدَاء عَلَى ذَلِكَ أَوْلَى " .
وقال ابن القيم
رحمه الله في زاد المعاد" (4 /297):
" وقوله: ( شفاء من كل داء ) مثل قوله
تعالى: ( تدمر كل شيء بأمر ربها ) الأحقاف/ 25 أي: كل شيء يقبل التدمير
ونظائره ". ".
وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد بْن
أَبِي جَمْرَة: " تَكَلَّمَ النَّاس فِي هَذَا الْحَدِيث وَخَصُّوا عُمُومه
وَرَدُّوهُ إِلَى قَوْل أَهْل الطِّبّ وَالتَّجْرِبَة ، وَلَا خَفَاء
بِغَلَطِ قَائِل ذَلِكَ ، لِأَنَّا إِذَا صَدَّقْنَا أَهْل الطِّبّ -
وَمَدَار عِلْمهمْ غَالِبًا إِنَّمَا هُوَ عَلَى التَّجْرِبَة الَّتِي
بِنَاؤُهَا عَلَى ظَنّ غَالِب - فَتَصْدِيق مَنْ لَا يَنْطِق عَنْ الْهَوَى
أَوْلَى بِالْقَبُولِ مِنْ كَلَامهمْ " "الفتح" (10/145)
وقال الكرماني: " يحتمل إرادة العموم
منه بأن يكون شفاء للكل لكن بشرط تركيبه مع الغير ولا محذور فيه، بل تجب
إرادة العموم ؛ لأن جواز الاستثناء معيار وقوع العموم فهو أمر ممكن، وقد
أخبر الصادق عنه اللفظ عام بدليل الاستثناء، فيجب القول به " "عمدة القاري"
(31 /301)
وإرادة العموم ظاهرة من ظاهر اللفظ،
ويدل عليها الاستثناء في قوله: ( إلا السام ) فلولا إرادة إفادة العموم لم
يجز وقوع مثل هذا الاستثناء، واستثناؤه الموت يدل على أن ما عداه من الداء
ينفع في علاجه تناول الحبة السوداء، ولكن ذلك متوقف على انتفاء الموانع
وحصول الشروط.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله:
" مُجَرَّدُ الْأَسْبَابِ لَا يُوجِبُ
حُصُولَ الْمُسَبَّبِ ؛ فَإِنَّ الْمَطَرَ إذَا نَزَلَ وَبُذِرَ الْحَبُّ
لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كَافِيًا فِي حُصُولِ النَّبَاتِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ
رِيحٍ مُرْبِيَةٍ بِإِذْنِ اللَّهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ صَرْفِ الِانْتِفَاءِ
عَنْهُ ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ الشُّرُوطِ وَزَوَالِ الْمَوَانِعِ،
وَكُلُّ ذَلِكَ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ.
وَكَذَلِكَ الْوَلَدُ لَا يُولَدُ
بِمُجَرَّدِ إنْزَالِ الْمَاءِ فِي الْفَرْجِ، بَلْ كَمْ مَنْ أَنْزَلَ
وَلَمْ يُولَدْ لَهُ ؛ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ أَنَّ اللَّهَ شَاءَ خَلْقَهُ
فَتَحْبَلُ الْمَرْأَةُ وَتُرَبِّيهِ فِي الرَّحِمِ وَسَائِرُ مَا يَتِمُّ
بِهِ خَلْقُهُ مِنْ الشُّرُوطِ وَزَوَالِ الْمَوَانِعِ " "مجموع الفتاوى"
(8 / 70).
قال ابن حجر: مَعْنَى كَوْن الْحَبَّة
شِفَاء مِنْ كُلّ دَاء أَنَّهَا لَا تُسْتَعْمَل فِي كُلّ دَاء صِرْفًا
بَلْ رُبَّمَا اُسْتُعْمِلَتْ مُفْرَدَة ، وَرُبَّمَا اُسْتُعْمِلَتْ
مُرَكَّبَة ، وَرُبَّمَا اُسْتُعْمِلَتْ مَسْحُوقَة وَغَيْر مَسْحُوقَة ،
وَرُبَّمَا اُسْتُعْمِلَتْ أَكْلًا وَشُرْبًا وَسَعُوطًا وَضِمَادًا
وَغَيْر ذَلِكَ " "الفتح" (10/144).
المطلب الثاني
: الحبة السوداء للهزال الشديد
-عن عائشة رضي الله عنها قالت:
كان عندنا جاريةٌ يتيمةٌ من الأنصارِ ،
فزوَّجْناها رجُلًا من الأنصارِ ، فكنتُ فيمن أهداها إلى زوجِها ، فقال
رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : يا عائشةُ ! إنَّ الأنصارَ أُناسٌ
فيهم غَزَلٌ ، فما قُلتِ ؟ قالت : دَعَوْنا بالبركةِ ، قال : أفلا قُلتُم :
أتَيْناكم أَتَيْناكمْ * فحَيُّونا نُحَيِّيكمْ * ولولا الذهبُ الأحمَ*رُ
ما حلَّتْ بِوَادِيكمْ * ولولا الحَبَّةُ السَّمْرا * ءُ لمْ تَسمَنْ
عَذارِيكمْ. أخرجه الخلال في ((الأمر بالمعروف)) (ص68)، واللفظ له،
والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (3/ 315)، وحسنه الألباني.
وفي رواية: لولا الحبةُ
السوداءُ ما سُرَّتْ
عذاريكم. أخرجه الطبراني في ((الأوسط)) (3265)، والخلال في ((الأمر
بالمعروف من الجامع)) (ص68) واللفظ لهما، وابن ماجه (1900)، وأحمد
(15209) وحسنه الألباني في إرواء الغليل برقم 1995
وفي رواية: لَولَا الحنطةُ السمرا ما سَمُنَتْ عَذَاريكُم.
أخرجه الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (3265) بلفظه، والبيهقي (14806) بنحوه
المطلب الثالث:
تركيبة الحبة السوداء:
حبة السوداء تأتي من نبات Nigella
sativa، تتضمن مجموعة من المركبات منها:
1.
الثيموكوينون
(Thymoquinone): وهو مضاد للالتهابات، والأكسدة، والبكتيريا.
2.
الأحماض الدهنية غير
المشبعة، مثل أوميغا 6 وأوميغا 3، التي تدعم صحة القلب والأوعية الدموية.
3.
الزيوت الطيارة المقوية
للمناعة
4.
فيتامين A وC وE، وكذلك
معادن الكالسيوم، الحديد، والبوتاسيوم.
5.
القلويدات (Alkaloids):
وتحسن صحة الجهاز العصبي.
6.
الفلافونويدات: وهي مضادة
للأكسدة.
المطلب الرابع:
طريقة استخدام الحبة السوداء:
1.
زيت الحبة السوداء:
o
يُستخدم موضعيًا لتدليك
البشرة والشعر، لعلاج مشاكل البشرة مثل حب الشباب أو التهابات الجلد.
o
شرب ملعقة صغيرة يوميًا
من الزيت.
2.
البذور:
o
توضع بذور الحبة السوداء
في السلطة أو المخبوزات والحلويات.
o
طحن البذور وخلطها مع
العسل أو الماء أو الحليب.
3.
الشاي:
o
تغلى حبوب الحبة السوداء
مع الماء ثم تشرب لتحسين الهضم.
4.
الكبسولات أو المكملات
الغذائية في الصيدليات أو محلات العلاجات الطبيعية.
والحمد لله أولا وآخرا.
