|
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد
لله، وصلى الله على رسوله ومصطفاه أما بعد:
فإن حال
المسلمين مؤلم في كثير من البلدان، كما قيل:
أنى اتجهت إلى الإسلام في بلد تجده
كالطير مقصوصا جناحاه.
ومع ذلك؛
فالمسلم يؤمن بقضاء الله وقدره، ويؤمن بحكمة الله البالغة في كل ما يقدره
ويقضيه سبحانه.
وقد لحظت
غلبة الحزن السلبي على بعض الإخوة، مع أن الحزن مذموم في نصوص القرآن.
قال ابن
القيم رحمه الله: «ولم يأت الحزن في القرآن إلا منهيًّا عنه، أو منفيًّا،
فالمنهي عنه كقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَهِنُوا
وَلَا تَحْزَنُوا ﴾، وقوله: ﴿وَلَا
تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ﴾، وقوله: ﴿ لَا
تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾، والمنفي كقوله:
﴿ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
وسر ذلك: أن
الحزن يقطع العبد عن السير إلى الله، ولا مصلحة فيه للقلب، وأحب شيء إلى
الشيطان أن يُحزن العبد ليقطعه عن سيره، ويوقفه عن سلوكه فالحزن ليس
بمطلوب، ولا مقصود، ولا فيه فائدة، وقد استعاذ منه النبي صلى الله عليه
وسلم، فقال: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ»،
فهو قرين الهم، والفرق بينهما: أن المكروه الذي يرد على القلب، إن كان لما
يُستقبل أورثه الهم، وإن كان لما مضى أورثه الحزن، وكلاهما مضعف للقلب عن
السير، مُفتر للعزم.
1)
وقد قال تعالى عن أهل الجنة إذا دخلوها:
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا
الْحَزَنَ ﴾ [فاطر: 34]، فهذا يدل على أنهم كان يصيبهم في الدنيا
الحزن، كما تصيبهم سائر المصائب التي تجري عليهم بغير اختيارهم.
2)
ونهى الله نبيه عن الحزن على الكفار، قال تعالى:
﴿ وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ
إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ
عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾، وقال تعالى:
﴿ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ
إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ﴾
3)
وقال تعالى: ﴿ فَلَا تَذْهَبْ
نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾
[فاطر: 8].
4)
وقال تعالى: ﴿ فَلَا
يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾
[يس: 76].
5)
وقال تعالى:
﴿ وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ ﴾
قال الشيخ
عبدالرحمٰن بن سعدي: «لأنك أديت ما عليك من الدعوة والبلاغ، فإذا لم يهتد
فقد وجب أجرك على الله، ولم يبق للحزن موضع على عدم اهتدائه؛ لأنه لو كان
فيه خير لهداه الله، ولا تحزن أيضًا على كونهم تجرأوا عليك بالعداوة،
ونابذوك المحاربة، واستمروا على غيهم وكفرهم، ولا تتحرق عليهم.
وهذا لا يعني
أن يترك المسلم التعاطف مع المسلمين المظلومين، فإن الاهتمام بحال المسلمين
من مقتضيات الأخوة والولاء لهم،
قال
سبحانه وتعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ
إِخْوَةٌ ) الحجرات/10 ، وقوله ﷺ: ( مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي
تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا
اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ
وَالْحُمَّى ) رواه البخاري (6011) ومسلم (2586)
وروى مسلم
(2865) عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ: " أَنَّ رَسُولَ اللهِ
ﷺ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: أَلَا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ
أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا... قَالَ:
وَأَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ: ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ
مُوَفَّقٌ، وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى
وَمُسْلِمٍ، وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ. قَالَ: وَأَهْلُ النَّارِ
خَمْسَةٌ: الضَّعِيفُ الَّذِي لَا زَبْرَ لَهُ، الَّذِينَ هُمْ فِيكُمْ
تَبَعًا لَا يَبْتَغُونَ أَهْلًا وَلَا مَالًا، وَالْخَائِنُ الَّذِي لَا
يَخْفَى لَهُ طَمَعٌ وَإِنْ دَقَّ إِلَّا خَانَهُ، وَرَجُلٌ لَا يُصْبِحُ
وَلَا يُمْسِي إِلَّا وَهُوَ يُخَادِعُكَ عَنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ.
وَذَكَرَ الْبُخْلَ أَوِ الْكَذِبَ، وَالشِّنْظِيرُ الْفَحَّاشُ .
وقال ابن
تيمية النميري رحمه الله في مجموع الفتاوى ١٢٨/١٠ : ومن لم يسره ما يسر
المؤمنين ويسوؤه ما يسوء المؤمنين فليس منهم. ففي الصحيحين عن عامر قال
سمعت النعمان بن بشير يخطب ويقول: (سمعت رسول الله ﷺ يقول: مثل المؤمنين في
توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه شيء تداعى له
سائر الجسد بالحمى والسهر)".
ومن لطيف ما
ورد من الفرح لفرح المسلمين، قول ابن عباس: إني لأسمع بالغيث قد أصاب البلد
من بلاد المسلمين فأفرح وما لي به من سائمة.! المعجم الكبير للطبراني
10/266.
وأما حال بعض
متبلدي الإحساس ممن لا يهتم إلا بنفسه وأهله الأقربين، ولا تتحرك شعرة فيه
إذا رأى ظلما على مسلم في بلد آخر، فهو مخالف لقطعيات الشريعة، فقد سئل
شيخنا ابن باز رحمه الله : هل يأثم من لا يهتم بالمسلمين فأجاب: نعم آثمٌ،
الواجب عليه أن يهتم بأمر المسلمين، وأن يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر،
ويُعَلِّم حسب طاقته، ويدعو إلى الله، ويُشارك في الخير، وقد رُوي عن النبي
ﷺ أنه قال: مَن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، وإن كان في سنده ضعفٌ،
لكن معناه صحيح من جهة العموم.
وختاما أقول:
إن الحزن
السلبي هو الذي يؤلم النفس ولا يتحول لواقع عملي، وأما الحزن الإيجابي غير
المستمر، فهو طبعي لكل نفس بشرية، فإن نتج عنه عمل صالح من دعاء أو صدقة أو
عمل فهو حزن مأجور عليه، وليس من اليأس والقنوط والحزن المذموم.
والله المستعان.